استثمار موارد الريف المحلي من مواد أولية وأيدٍ عاملة، إضافة إلى الموقع؛ كان أساس فكرة إنشاء مشروع متكامل لتصنيع وتعبئة مختلف أنواع الحبوب والأعلاف؛ في خطوة تعدّ الأولى من نوعها وحجمها في منطقة "القدموس".

مدونة وطن "eSyria" التقت "سليمان حسن" صاحب منشأة صغيرة لاستثمار الحبوب وتصنيع الأعلاف وتعبئتها، بتاريخ 21 كانون الثاني 2017، ليحدثنا بالتفصيل عن ولادة فكرة المشروع وهدفه، حيث قال: «البداية كانت تجارة بسيطة لبعض أنواع الحبوب، أذكر منها "القمح البلدي"، ومنه يتم تصنيع مادة "البرغل الأحمر"، وذلك بالاعتماد على الأيدي العاملة من نساء قرية "كاف الجاع" ليقمن بأعمال الغربلة اليدوية والسلق والتنقية من الشوائب، لكن مع ازدياد الطلب على منتجنا باتت الحاجة ملحة لامتلاك جاروشة حديثة، وغربال آليّ وقشّارة قمح، وبالفعل بدأت تطبيق المشروع على أرض الواقع في عام 2007؛ ليكون الوحيد من نوعه في منطقة "القدموس" بوجه عام».

توفر مشاريع كهذه فرص عمل حقيقية تساهم في زيادة دخل الأسر الريفية إلى جانب عملها الرئيس في الزراعة، فالمنشأة قريبة علينا وتوفر تكاليف التنقلات عند العمل في أي مكان آخر خارج القرية؛ وهذا انعكس إيجاباً على مستوى المعيشة

وعن منتجه والأعمال التي قام بها لنجاحه، يتابع: «يتم تأمين المواد الأولية المستخدمة في العمل بنسبة تسعين بالمئة من المنتجات الزراعية من منطقة "القدموس" حصراً؛ من خلال شراء القمح البلدي لتصنيع مادة "البرغل الأحمر" المستخدم بكثرة في المنطقة، وفي هذا مساهمة حقيقية في تصريف فائض الإنتاج لدى المزارعين، وتوفير كبير لأجور النقل من جهة ثانية، وبالنسبة لباقي المواد يتم تأمينها من منطقة "الغاب" في ريف محافظة "حماة" المجاورة، فنصنع مادتي "البرغل الأبيض" و"الفريكة"، حيث يزداد الطلب عليهما خاصةً في مناطق عدة في محافظتي "طرطوس" و"حماة"؛ فالاعتماد الكبير على مادة "البرغل الأبيض" في موسم المؤونة، وهنا نقوم بعمليات الغربلة الآلية والجرش والتغليف؛ فنؤمّن حاجة السوق المحلية من مختلف المنتجات التي يدخل ضمنها أيضاً "العدس والحمّص والفاصولياء"، وغيرها من أصناف الحبوب».

ياسين حسن

وعن ميّزات موقع المشروع، أضاف: «وجود المشروع بالقرب من طريق عام (القدموس - مصياف) في منطقة "عين حسان" على الطريق الرئيس لقرية "كاف الجاع" أعطاه ميزة استثنائية في سهولة الحصول على المواد الأولية، والاستدلال على موقعه حتى بالنسبة لقاصدي المنشأة للمرة الأولى، وحالياً ونتيجة ازدياد الطلب والحاجة أصبحت تشمل ثلاث كتل بناء رئيسة، مع سطح واسع يستخدم لسلق وتجفيف القمح».

وعن الأيدي العاملة في المنشأة، تحدث "ياسين سلمان حسن" أحد المشرفين على المشروع بالقول: «نحاول في مواسم الإنتاج الرئيسة في فصل الصيف الاستفادة من طاقة العمل الكبيرة لدى الشباب، خاصة لدى الطلاب الجامعيين الباحثين عن فرص عمل في أوقات العطلة الصيفية؛ فيتم التواصل معهم والاتفاق قبل بدء الموسم بمدة معينة؛ وهذا يوفر تشغيل أمثل للآلات، وزيادة في طاقة الإنتاج، إضافة إلى الأيدي العاملة الثابتة من أرباب الأسر، حيث يعدّ عملهم في المنشأة مصدر دخل رئيساً وثابتاً إلى جانب عملهم كمزارعين».

معمل الأعلاف

أما بالنسبة للتسويق وتصريف الإنتاج، فيتابع: «نتيجة الالتزام بالعمل ومواعيد التسليم، والحفاظ على جودة المنتج المقدم، والسعي الدائم إلى تطوير العمل؛ كسبنا ثقة الزبائن، وتجاوزت شهرة المنشأة حدود منطقة "القدموس" وصولاً إلى مناطق أخرى، مثل: "بانياس"، و"طرطوس"، و"حماة"، وغيرها؛ بفضل الاعتماد على تصنيع المنتج البلدي الجيد ذي التكلفة المناسبة لدخل أي أسرة، والمنافس لأسعار المنتجات المشابهة».

إضافة إلى ذلك تضمّ المنشأة أيضاً معملاً لصناعة أعلاف الحيوانات، حيث أوضح صاحب المشروع "سليمان كامل حسن" عن الحاجة التي دفعته إلى بناء هذا المعمل بالقول: «كان لا بدّ من تطوير العمل، حيث فرض ذلك ظروف الأزمة الراهنة وانقطاع الطرقات بين المحافظات، كطريق "حلب" مثلاً؛ وهذا ولّد نقصاً كبيراً بمادة الأعلاف التي يحتاج إليها مربيّ الحيوانات بوجه دائم، وهنا بدأت فكرة إنشاء المعمل مستفيدين أيضاً من جانبين؛ الأول هو قرب المنطقة من الموانئ الرئيسة في "اللاذقية" و"طرطوس"، والجانب الثاني من خلال الاستفادة من البقايا التي تفرزها الجاروشة وقشارة القمح والغربال الآلي في تصنيع منتجات ذات جودة عالية وتكلفة أقل؛ وهذا بالفعل حقّق قيمة مضافة للعمل، وانتشاراً أوسع ساهم في تلبية الحاجة الملحّة في السوق المحلية».

جانب من العمل

أما "سمير سليم محمد" أحد العمال الدائمين في المنشأة، فيرى وجود مثل هذه المشاريع في المناطق الريفية يعدّ داعماً أساسياً لتحسين مستوى دخل أبناء المنطقة الذين يعتمدون على الزراعة بالدرجة الأولى، وأضاف: «توفر مشاريع كهذه فرص عمل حقيقية تساهم في زيادة دخل الأسر الريفية إلى جانب عملها الرئيس في الزراعة، فالمنشأة قريبة علينا وتوفر تكاليف التنقلات عند العمل في أي مكان آخر خارج القرية؛ وهذا انعكس إيجاباً على مستوى المعيشة».

"رشا حسن ميا" من سكان مدينة "بانياس" اعتادت في بداية كل موسم تأمين مؤونتها من مختلف أنواع الحبوب من منشأة "سليمان حسن"، وعن هذا تقول: «في البداية كانت المشكلة في كيفية تأمين مستلزمات المنزل من مؤونة الحبوب الموثوقة والجيدة، ومنذ عدة سنوات أقوم بشراء حاجتي والكمية التي أريد، بالسعر الذي يتناسب مع مستوى الدخل، والأهم من هذا ضمان الجودة؛ فكلها منتجات بلدية موثوقة المصدر ومصنّعة بكل عناية ودقة».