تمكّنت "هيام صبح" من توظيف أفكارها بتحريق الخشب الصلب، وإنتاج لوحات فنية شجّعت طالباتها على تعلّمها وممارستها كحرفة منزلية، وابتكرت أساليب غير مسبوقة للطلاء وضغط النحاس على القماش.

البداية كانت عادية مقارنة مع النتائج التي حقّقتها، وبحسب حديثها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 كانون الأول 2016، حيث قالت: «البدايات مع حرفة تحريق الخشب ورسم اللوحات الفنية، كانت بالأصل مادة علمية أدرسها في ثانوية الفنون النسوية بمدينتي "الشيخ بدر"، حيث كانت للاستفادة من الطاقات المهدورة، ومحاولةً لتقديم أشياء مفيدة للمجتمع، فهي حرفة جميلة ومتميزة لاحتوائها مختلف التفاصيل الفنية التي تشعرني بالجهد العضلي خلال إنجاز أي لوحة فنية، علماً أن عملية التحريق هذه تصدر روائح متفاوتة ما بين الكريهة والذكية بحسب نوع الخشب المشغول عليه؛ وهنا لا بد من الاستعانة بكمامات واقية توضع على الفم والأنف للحماية».

لوحة التحريق مهما كانت حديثة أظهرها بهيئة قديمة معتّقة من خلال بعض التفاصيل والظل والنور؛ وهو ما يمنحها خصوصية تراثية

وعن مراحل العمل، قالت: «أقوم أولاً برسم الموضوع الذي أرغب بإنجازه وبأدق تفاصيله وأنهيه على قطعة الخشب، ثم أبدأ استخدام الكاوي الكهربائي وتحديد الخطوط والتفاصيل التي تمّ رسمها، والتي هي أساساً مقتبسة من البيئة والطبيعة المحيطة بي، وهنا يمكن الاستعانة بمختلف رؤوس الكاوي، بهدف تغيير نمط التحريق أو عند الرغبة بكتابة عبارات بالخط العربي ضمن اللوحة، والجميل في حرفة التحريق أنه يمكن للفنان الحرفي أن ينجز إطاراً يتضمن اللوحة بواسطة عملية التحريق، ويدخل فيه النقوش التزيينية أو الخط العربي أو رسوماً نباتية؛ وهذا ما أقوم به عادةً.

من لوحاتها

ولحماية اللوحة المنجزة من مختلف عوامل الطقس والمناخ يتم طلاؤها بمادة "اللكر"، وهذا بوجه عام. أما بالنسبة لي، فقد قمت بتركيب خلطة خاصة مكونة من "الزنك" و"الاسبداج" وبعض المركبات الكيماوية لتحل محل مادة "اللكر"، وهذا يحتسب لي من ناحية الإبداع الفني الحرفي».

وتتابع: «لوحة التحريق مهما كانت حديثة أظهرها بهيئة قديمة معتّقة من خلال بعض التفاصيل والظل والنور؛ وهو ما يمنحها خصوصية تراثية».

خلال مشاركتها بمعرض الأسبوع التراثي ويرافقها الأستاذ منذر رمضان والشاعرة ليندا إبراهيم

لقد ساهمت المدرّسة "هيام صبح" بانتشار حرفة التحريق على الخشب في مدينة "الشيخ بدر"، وأضافت: «هذه الحرفة لم تكن تلقى الرواج الجيد والمناسب لها في مدينتي "الشيخ بدر" سابقاً، وهذا منحها خصوصية أضيفت إلى المنتج النهائي لها وللسوق أيضاً، ومن هذا المنطلق اشتغلت أمام طلابي وطرحت عليهم الأفكار ووجهتهم إلى مزاولتها كحرفة في المنزل.

والأهم أنها غير مكلفة بالنسبة لهم؛ أي إنني ساهمت بترغيبهم بالعمل، على الرغم من أنها من ضمن المنهاج كما قلت سابقاً، وذلك من خلال ابتكار كل جديد فيها وبمواضيعها المتفردة؛ وهذا لمحبتي لها وتعلقي بها، وهي حالياً تلقى الرواج والاهتمام من قبل الكثيرين».

الحرفية والمدرّسة هيام صبح

وبالنسبة للبصمة التي يمكن أن تكون خاصة بها في مجال هذه الحرفة، قالت: «جميع أفكاري خاصة بالطبيعة لكوني ابنه قرية ريفية أتجول في طبيعتها كثيراً، فيتضح موضوع الظل والنور مثلاً خلال ساعات الظهيرة، ويحرّض أفكاري لتجسيده ضمن اللوحات؛ وهذا أمر صعب جداً بالتحريق، لكني أجدته وقدمت لوحات جميلة جداً من وجهة نظري، خاصة أن حرفيي التحريق الذين أعرفهم لا ينظرون إلى موضوع الظل والنور بعين الاعتبار؛ وهو ما جعلني متفرّدة بذلك».

أكثر ما يفرّغ طاقاتها تحريق لوحات الأحصنة، حيث قالت: «تحريق لوحات الأحصنة ليست سهلة كما يعتقد بعضهم؛ لأن جسدها تشريحي ومن الصعب جداً رسمه، لوجود الكثير من العضلات المشكلة لكيانها العام، وهذا يجب مراعاته وإظهاره في عملية التحريق، ويحتاج إلى الكثير من الوقت والتركيز بالاعتماد على الظل والنور أيضاً، وهذا الوقت يستهلك مني الكثير من الطاقة، ويجعلني بحالة أفضل».

الحرفية "جمانة إبراهيم"، قالت عما تقدمه "هيام صبح": «ساهمت بانتشار حرفة التحريق على الخشب بين مختلف أفراد عائلتها أولاً، وخاصة الفئة العمرية الصغيرة بهدف استمراريتها؛ وهذا ينطبق أيضاً على طلابها في المدرسة، ويسجل عدة نقاط لمصلحتها في مجال الحرف اليدوية».

أما "منذر رمضان" رئيس مكتب الثقافة والإعلام والنشر في "اتحاد حرفيي طرطوس"، فقال: «لقد أدركت جيداً طرائق التعامل مع مختلف أنواع الأخشاب الصلب منها والطري، وهذا لأنها تمكنت من مقومات وأساليب العمل، كما أنها تقدم لوحات تحريق جميلة وتعتني بأدق تفاصيلها؛ وهو ما يعني أنها تحب حرفتها وتوليها أكبر الاهتمام، وتمنحها الوقت الكافي في ظل زحمة الأعمال ضمن هذه الظروف الصعبة، وهذا أدركته خلال متابعة معرضها الأخير في المركز الثقافي العربي في "الشيخ بدر" ضمن الأسبوع التراثي».

يشار إلى أن "هيام محمد صبح" من مواليد عام 1980، قرية "بريصين" التابعة لمدينة "الشيخ بدر".