لم تكن المشغولات اليدوية التراثية مجرد أعمال تزيينية يتدرب عليها الباحثون عن فرص عمل، وإنما كانت فرصة لتدريب الشباب وتوظيف طاقاتهم وصولاً إلى أعمال يتعطش لها سوق التصريف.

فالمبادرة فكرة، والشاب "خالد عبد الكريم كمون" حقق الفائدة لذاته بعد اتباعه الدورات المهنية الحرفية في مشروع "باقون على العهد"، فهو يعمل في مجال الخيزران، وهنا يقول عن تجربته: «اكتشفت موهبتي وحبي لأعمال الخيزران منذ الصغر، لكن لم أبدأ العمل فيها إلاّ منذ ثلاث سنوات عبر مشروع "باقون على العهد"، وتعلّم هذه الحرفة لم يستغرق مني سوى شهر ونصف الشهر لأتقن العمل؛ فأنا أصنع من الخيزران الصواني والسلال والساعات وأي شيء يطلب مني يتناسب والخيزران وبمدة زمنية قصيرة».

عملنا لا يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، وإنما له بعد جمالي أيضاً يساهم في تنمية الذوق والحسّ الفني بالألوان والمواد المستخدمة، وتقدير قيمة أي شيء على أرض وطننا، مهما كان بسيطاً

ويتابع في مجال استثمار حرفته، فيقول: «كثيراً ما يقوم "طوني" و"هالة" بمساعدتي على تصريف وبيع منتجاتي عبر المحل التجاري المفتتح لهذا الغرض وأعمال حرفية أخرى، لذلك أعمل وأنا أعلم بوجود سوق تصريف متعطش للأعمال الحرفية التراثية؛ وهو الأمر الذي ساعدني كثيراً وخصوصاً بتأمين مستلزمات دراستي الجامعية في إدارة الأعمال، وأظنّ أنها ستكون نواة حقيقية لمشروعي المستقبلي، وهنا يجب التأكيد على أن هذه المهنة تحتاج إلى الكثير من الموهبة والعزيمة والصبر لإبداع قطع متفردة لها رواجها في سوق التصريف».

طوني ديب

حالة الانتماء والمواطنة مضمون تأصل في القول والفعل، وأعاد، بل حرّض العلاقة التي تربط المغترب بوطنه، ومن هنا انطلقت فكرة المبادرة "باقون على العهد" لتصبح حقيقة واقعة مستثمرة للمواهب والقدرات الشابة، وهنا قال الفنان الحرفي في مجال الأشغال اليدوية "طوني موسى ديب" من مؤسسي المبادرة، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 21 أيلول 2016: «لم تكن المصادفة ما جمعني بشريكتي "هالة غنام"، وإنما إيماننا بأهمية العمل وبقدرتنا على التشجيع والتحفيز على الإنتاج، كما سعينا إلى المساهمة في إعداد المجتمع المحلي لمواجهة الظرف الذي فرضته الأزمة، وتحويله إلى مجتمع منتج بواقع أفضل، ليكون لكل شخص في هذا المجتمع دوره في إعادة إعمار البلد، ولنكون شعباً فاعلاً وقادراً على النهوض من محنته كما كنا نحن السوريين منذ آلاف السنين».

ويكمل: «قمنا بالبحث عن أفكار منتجة يمكننا من خلالها دعم الاقتصاد الوطني، وتحقيق هذه الغاية كان مع بداية تأسيس مجموعة "باقون على العهد"، ومن خلالها اتجهنا إلى تدريب العديد من أبناء مجتمعنا ومساعدتهم في استثمار الموارد الذاتية المتوافرة في البيئة المحيطة وبعض المهارات الفنية لخلق فرص عمل تساهم في تحسين مستوى معيشتهم وتأمين متطلبات أسرهم، علماً أن هدفنا من هذا المشروع ليس الربح والكسب المادي، بل لدينا الكثير من الأعمال من صنع أشخاص قمنا بتدريبهم، وأحياناً نشتري منتجات من صنعهم أو نساعدهم في تصريفها وبيعها، وبذلك نكون أمّنا لهم مورد رزق كريماً وفق طاقاتنا وقدراتنا المتواضعة».

وعن أهمية القيام بمثل هذه المبادرات، يقول: «هدفنا الأول والأساسي التأكيد على أهمية العمل والتحفيز عليه، والتأكيد على أهميته في إعادة إعمار مجتمعنا السوري، ومن أبرز أهدافنا اكتشاف الطاقات الإبداعية لدى المتدرب ومساعدته على استثمارها وتطويرها، ولعملنا أهمية كبيرة في إعادة إحياء حرف تراثية قاربت على الاندثار، وهذه الحرف اليوم تعاني تحديات كبيرة في ظل الاعتماد على المنتجات المصنعة آلياً والمستوردة من الخارج، فكان من واجبنا تشجيع إحياء هذه الصناعات والعمل على تخفيف الاعتماد على ما هو مستورد من الأسواق الخارجية، وذلك بدعم اليد العاملة في المجتمع المحلي، وتوفير الكثير من فرص العمل بوقت سريع وتكلفة أقل، نظراً إلى سهولة إتقانها ووفرة مردودها وسرعة تحصيله، وسهولة توفير المواد الأولية، التي أساساً هي متوافرة في البيئة المحلية. وعلينا ألا نغفل عن دور هذه الأشغال في دعم الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة الحالية، حيث إنه لا يعود هناك حاجة كبيرة إلى التعامل بالنقد الأجنبي، بل نكتفي بالعملة المحلية للبيع والشراء؛ وهذه مساهمة حقيقية لحماية ليرتنا السورية».

وفي لقاء مع "هالة جابر غنام" من القائمين على المبادرة، قالت: «حبي للعمل اليدوي يعود إلى طفولتي ومشاركاتي في مسابقات الرواد أثناء المدرسة، وبعد انتهائي من المرحلة الثانوية سافرت إلى "إسبانيا"، لكن خلال الأزمة قررت العودة لأتمكن من تقديم المساعدة لأبناء مدينتي، وكان ذلك من خلال مبادرتنا لتعليم الأشغال اليدوية، بالاستفادة من مواد بسيطة ربما كنا في السابق نرميها، كأوراق الصحف، وأطباق البيض، والملابس القديمة، وحتى الاستفادة من النباتات كالصباريات مثلاً، وبقايا أشجار الصنوبر، والقش والخيزران، وغيرها الكثير. كل ذلك حولناه إلى أعمال فنية ذات قيمة مضافة، ولم نكتفِ بذلك، بل ساعدناهم على عرضها ضمن معارض أقامتها مجموعتنا في عدة مناطق كمدينة "جبلة"، و"بانياس"، و"طرطوس"، ومساعدتهم في تصريف هذه المنتجات؛ وهو ما يساعد في زيادة دخلهم المادي».

هالة غنام

وتضيف: «عملنا لا يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، وإنما له بعد جمالي أيضاً يساهم في تنمية الذوق والحسّ الفني بالألوان والمواد المستخدمة، وتقدير قيمة أي شيء على أرض وطننا، مهما كان بسيطاً».