"بلاطة المائدة" صخرة حصينة في ريف محافظة "طرطوس"، تقول الرواية التاريخية إنها كانت ملجأ الفارين من الجندية في الجيش العثماني، تمتاز بموقعها الجغرافي وإطلالتها متعددة الاتجاهات.

يقول "محمود سلامة" مختار قرية "مزرعة حميصية" التي تقع البلاطة في أراضيها، إن العثمانيين وخلال احتلالهم لـ"سورية" كانوا يسوقون الناس عنوةً للخدمة في الجيش العثماني، ويجبرونهم على أداء خدمتهم في اليمن والأردن وووو.. إلخ، ما كان يدفعهم للهرب من الخدمة واللجوء إلى أماكن أخرى.

هي صخرة طبيعية بالمطلق، وليس فيها أي تدخل بشري سوى رسم محفور في وسط سطحها لدائرة وضعها الفرنسيون كنقطة رصد جغرافية أيام احتلالهم لـ"سورية"

ويضيف "سلامة" خلال حديثه لمدونة وطن "eSyria" في 1 آب 2014: «أهالي قريتنا وبعض القرى المجاورة لجؤوا إلى غابة حراجية يصعب الوصول إليها، حيث لم يكن هناك طريق يمكن سلكه نحوها سوى بين الأحراج، وفي وسطها صخرة عملاقة تلتصق بها سلسلة صخور على شكل سور ممتد نحو الشمال الشرقي والشمال الغربي.

بلاطة المائدة

وهي صخرة حصينة يستطيع الفارون من خلالها أن يراقبوا المنطقة بشكل جيد، حتى إنهم استخدموها أحياناً للرصد وما إلى ذلك».

هذه الصخرة سميت "بلاطة المائدة" ويعتقد أن تسميتها تعود إلى واحد من سببين شرح عنهما المختار قائلاً: «هناك روايات شعبية عدة تتحدث عن سبب تسميتها إلا أن الأقرب للدقة هو أنها إما كانت المكان الذي يتناول عليه الشبان الفارون طعامهم، وإما أنها المكان الذي كانت توضع عليه "الزوادة" وهي (بقجة الطعام) التي كانت تأتي بها النساء من القرية لإطعام أزواجهن أو أبنائهن الفارين، حيث تضعها السيدة وتذهب، وعندما تحين الفرصة للرجل يأتي إلى الصخرة ويفتح (زوادته) ويتناول طعامه، ومن ثم يتركها في المكان ذاته حتى تأتي المرأة لأخذها في اليوم التالي».

المختار "محمود سلامة"

مازالت هذه الصخرة مقصد الأهالي حتى وقتنا الراهن، حيث تحولت من مائدة للطعام إلى مائدة للمتة والنارجيلة، حيث يأتيها الشبان من القرى المحيطة بها كـ"مزرعة حميصية، الزريقة، خربة تقلا، الصوراني... إلخ".

الطريق إلى "بلاطة المائدة" تنطلق من جوار مقام الشيخ "محمد" (قرية مزرعة حميصية) وتتجه شمالاً في الوادي مروراً من عين "شرورو" و"نبع الشرشور" وصولاً إلى وادي نهر المزرعة، حيث يتم اجتياز النهر عبر جسر روماني (عبارة عن صف من الأحجار) وتتجه صعوداً باتجاهها، وهي مفتوحة على ثلاث جهات جنوب وغرب وشرق، وتقدر مساحتها بحوالي 600م2، وتحيط بها غابة من "القطلب، السنديان، البلوط، القيسي، الشفشاف والبلان".

موقع تقريبي للبلاطة

يستعيد المختار "سلامة" ذاكرته مع هذه البلاطة قائلا: «كنا نصل في الرعي إليها، ونمضي عليها النهار بطوله وتنتشر مواشينا حولها خصوصاً الماعز، وفي طريق العودة كنا نقوم بسقايتها من نبع ماء على جانب النهر أسفل الوادي».

تبدو الصخرة من بعيد وكأنها جزء من قلعة حصينة كانت يوماً في هذا المكان، وتزداد الشكوك من خلال السور الحجري المتصل بها، إلا أن الباحث "إياد السليم" يرفض هذه الفكرة، ويقول لمدونة وطن: «هي صخرة طبيعية بالمطلق، وليس فيها أي تدخل بشري سوى رسم محفور في وسط سطحها لدائرة وضعها الفرنسيون كنقطة رصد جغرافية أيام احتلالهم لـ"سورية"».

"السليم" وهو مدير مؤسسة الاستكشاف والتوثيق في محافظة "طرطوس"، أشار إلى أنهم نظموا عدداً من الرحلات إليها لتعريف الناس بها، وأضاف: «أهمية الصخرة تكمن في موقعها الجغرافي وشكلها الطبيعي وإطلالتها المتميزة، وقد نظمنا مسيراً على الأقدام باتجاهها، حيث شق المشاركون طريقهم بين الأحراج للوصول إلى هذه الصخرة والاستمتاع بجمالها».

المدرّسة "ابتسام فرحات" كانت واحدة من الذين قطعوا المسافات للوصول إلى بلاطة المائدة، وتقول "فرحات": «كانت رحلة شاقة جداً، لقد بذلت جهداً كبيراً للوصول إليها، إنها أشبه بالقلعة الطبيعية، وتستحق عناء الوصول لها، لكنني أعتقد أن لتسميتها سراً ما غير معروف، حيث إنني لم أقتنع بالسبب الذي قالوه عن تسميتها بلاطة المائدة، علماً أنها موقع جميل لتناول الطعام، وتتسع لعشرات الموائد والأشخاص لكي يتناولوا طعامهم عليها، وخلال زيارتنا لها وقفنا عليها جميعاً وكنا قرابة 100 شخص».

يذكر أن "بلاطة المائدة" تقع إلى الشمال من قرية "مزرعة حميصية" التابعة لمدينة "الشيخ بدر" في محافظة "طرطوس".