يعدّ المحامي "فوزي مهنا" واحداً من الرياضيين القدامى الذين تميزوا برياضة المسافات الطويلة، قبل أن يمتهن المحاماة، وبعدها الإعلام في المغترب. لكن قصة المسافات الطويلة التي قطعها بين القرى لها حكاية طريفة يرويها لأول مرة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع المحامي "فوزي مهنا" في مغتربه بـ"المملكة العربية السعودية"، بتاريخ 30 تشرين الثاني 2016، حيث تحدث عن طفولته في قريته "أم الزيتون"، قائلاً: «ولدت عام 1959 في قريتي الجميلة "أم الزيتون"، التي اتصفت بكرومها وتينها وزيتونها وأهلها الطيبين، ولها مكانة في الروح والذاكرة، بينها وبين تل "شيحان" خلطة وجود، وأحدهما يفضي إلى حتمية الآخر.

تعود معرفتي به عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية، حيث كنت مدرّساً لمادة التربية الرياضية. هو بطل المسافات الطويلة، أو "الماراثون"، وكان مع "زياد عامر" و"نواف مكارم" من الأسماء التي تشترك على مستوى "السويداء"، وتحقق نتائج جيدة جداً؛ وهو ما أهّلهم لتمثيل المحافظة ببطولة الجمهورية في "دمشق". بالنسبة للمحامي "فوزي مهنا"، أذكر جيداً أنه لاعب فطري تدرّب وحده وبرز وحده، والحقيقة إنني لم أتعامل معه كلاعب يجب تدريبه؛ لأنه انطلق وحده انطلاقة مفاجئة

قرية تغوي القمر بالاقتراب منها ليسمع جيداً أصوات أهلها من الأحياء، وأصوات من راحوا، أرضها تودعك بلهفة وتستقبلك بلهفة، لذلك تجدها كما "السويداء" تسكنني دوماً، في حلي وترحالي، هناك في بيتنا الحجري ولدت وترعرعت، هناك كل الأشياء، هناك كَبُرَت أحلامي، بعضها تكسّر، وبعضها الآخر انتصر. طفولتي كانت مشاغبة شقية معذبة مثلها مثل أبناء جيلي. كان موسم الشتاء بالنسبة لي يعني الكآبة، فما أن يحلّ المساء حتى نتحّلق حول "البابور"، وضوء "الكاز" المتراقص، لكن للربيع كما للصيف، كان لهما طعم آخر. في مدرستها الابتدائية تعلّمت أول الحروف، بعدها انتقلت إلى مدينة "شهبا" لأتابع دراستي الإعدادية والثانوية في مدرسة "إبراهيم زين الدين"».

مهنا في الجامعة

وعن قصته مع الجري، يضيف: «في صبيحة أحد الأيام من عام 1975 كنت قد نسيت دفتر الوظيفة في البيت، وما أن علمت أن هناك سباقاً للضاحية بمسافة 5000 متر من "مردك" إلى "شهبا"، حتى تذرعت بالمشاركة به، حيث حزت المركز الثاني، بعد أخي الأكبر "فايز"، الذي حصل لاحقاً على بطولة "الضباط" في "سورية" لعدة مرات، من هنا بدأت قصتي مع رياضة الجري للمسافات الطويلة، ففي شتاء عام ١٩٧٦ كان لي أول مشاركة في بطولة المحافظة لمسافة ١٥٠٠ متر في الملعب البلدي في "السويداء"، لأحتل حينها المركز الأول، ثم بعدها بأيام شاركت في سباق ٥٠٠٠ متر لأحتل المركز الأول أيضاً، وأحتفظ بلقب هذه البطولة لعامين آخرين ١٩٧٧، ١٩٧٨على التوالي، حيث قمت بتمثيل المحافظة ببطولة الجمهورية، لسباق الضاحية في "دمشق" لتلك السنوات الثلاث. وهنا لا بد لي من التوقف قليلاً عند سباق البطولة الذي جرى في عام 1978 بين "قنوات" و"السويداء"، وقصة هذا السباق أنني كنت على وشك اجتياز الخط النهائي عندما كان خلفي الزميل "زياد عامر"، وعلى بعد أكثر من ثلاثين متراً، حيث أخذ يناديني بأعلى صوته (فوزي انتظرني)، وهو ما قمت به فعلاً، انتظرته حتى وصوله خلفي تماماً، وبينما كنت أهِمُّ بوضع قدمي على خط النهاية، قام "زياد" بشبك يده بطرف يدي، ليتم بسببها حرماني من الفوز بالمركز الأول وحرمانه من المركز الثاني، بحجة المساعدة. والحقيقة المرة الأخرى هي أن مشرفي السباق كانوا جميعهم من مدينة "السويداء"، واستبعادنا من الفوز، كان نتيجة تواطؤ من قبلهم، لأنني كنت على مقربة منهم عند نهاية خط السباق بعدة أمتار، لكنهم لم يقوموا بتنبيهي، من تبعية التوقف عن الجري بشكل مفاجئ، ولا تنبيه "زياد" عند قيامه بالإمساك بطرف يدي، كما تتحتم عليهم الروح الرياضية».

ومن المواقف الطريفة التي يتذكرها، أضاف: «أذكر أنه تقرر إجراء لقاء كروي بين فريق "أم الزيتون" لكرة القدم وفريق "الخرسا" لبطولة المنطقة في عام 1977، كان لفريق القرية صولاته وجولاته حينذاك، كنت عندها في حراسة المرمى، لكنني لم ألمس الكرة رغم مضي أكثر من ثلث ساعة على بدء المباراة، كانت النتيجة سبعة صفر، تململت كثيراً قبل أن أقوم بالتقدم حتى منتصف الملعب، لأخطف الكرة واتجه مسرعاً باتجاه مرمى فريق الخصم، الذي ما أن شاهدني رئيسه، حتى أخذ ينادي بأعلى صوته على أعضاء فريقه أن يبتعدوا عن طريقي، بحجة أنه لا يجوز لحارس المرمى تسجيل الأهداف، لكن الكرة استقرت في الشباك، وهنا كانت خاتمة اللقاء».

البطل سليم الخطيب

في الحياة العملية، يأخذك "مهنا" لأماكن جميلة على الرغم من بعض مرارتها، كما هو حاله مع الغربة، ويقول: «هوايتي الموسيقى والقراءة والكتابة، ففي الاستماع للموسيقى ننتصر على آلامنا، أما في القراءة والكتابة، فإنني أجد ذاتي التي أبحث عنها، في لحظات أفراحي وأحزاني، لحظات تضيع منّا في هذا الزمن الحزين، لذلك تجدني أكتب منذ عدة سنوات في عدة صحف كجريدة "الحياة" و"رأي اليوم"، و"سوريتي". وللرقم تسعة سنة ولادتي، كان مؤشراً لاغترابي الطويل عن الوطن، ففي عام ١٩٧٩ كان الاغتراب الأكبر عندما فارقتنا الوالدة أثناء تقدمي لامتحان الثانوية العامة، بعدها بأيام غادرت إلى "ليبيا"، لكن ما لبثت بعد أشهر أن عدت للالتحاق بكلية الحقوق جامعة دمشق، ثم سافرت بعدها إلى "اليونان" ١٩٨٩ ثم إلى "قبرص"، ف"بريطانيا" في ١٩٩٦، ثم "ألمانيا" ١٩٩٩، فالسعودية ٢٠٠٩ لعدة مرات متقطعة، إلى أن استقر بي الحال فيها منذ ٢٠١٢ وحتى الآن. في عام 1999 كنت قد انتسبت لنقابة المحامين السوريين، مارست عملي في مكتبي الكائن في "شهبا"، بكل جد واهتمام وبما يمليه الضمير، والحديث عن هذه المهنة حديث طويل، عريق بعراقة هذه النقابة، التي تحمّلت منذ نشأتها الأولى بالعام ١٩٢١ مسؤولياتها الوطنية، تعرفت خلالها على زملاء محامين وقضاة كثيرين باتوا أصدقاء أعزاء، منهم من كانوا بحق وما زالوا فرساناً للعدالة، وصوتاً للحق وضميراً للوطن. قلبي اليوم يقطر دماً على "سورية"، وقلبي على جميع السوريين، الذين ضحوا بكل غالٍ ورخيص، وتحول كل منا إلى مجموعة أشلاء ممزقة، وأنا مثلاً بتُّ مبعثراً؛ فابنتي "دينا" في "ألمانيا"، وابني "باسم" في "الإمارات"، وزوجتي وابني "وسيم" في "السعودية"».

المربيّ المتقاعد "سليم الخطيب"، والمعروف بـ"البطل" كلقب اكتسبه طوال مسيرته الرياضية الحافلة مع الرياضة، قال عن معرفته بما أنجزه "مهنا": «تعود معرفتي به عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية، حيث كنت مدرّساً لمادة التربية الرياضية. هو بطل المسافات الطويلة، أو "الماراثون"، وكان مع "زياد عامر" و"نواف مكارم" من الأسماء التي تشترك على مستوى "السويداء"، وتحقق نتائج جيدة جداً؛ وهو ما أهّلهم لتمثيل المحافظة ببطولة الجمهورية في "دمشق".

بالنسبة للمحامي "فوزي مهنا"، أذكر جيداً أنه لاعب فطري تدرّب وحده وبرز وحده، والحقيقة إنني لم أتعامل معه كلاعب يجب تدريبه؛ لأنه انطلق وحده انطلاقة مفاجئة».