غيّرت حالة ابنها مسار حياتها بالكامل لتصنع منه ومن رفاقه الذين يشبهونه بالحالة أبطالاً على مستوى العالم؛ متحدية الظروف ونظرة المجتمع القاصرة لذوي الاحتياجات الخاصة.

مدونة وطن "eSyria" التقت المدربة "مها رزق" بتاريخ 25 أيلول 2015، فتحدثت عن تجربتها الطويلة مع ولدها بطل لعبة البوتشي "هاشم الطويل"، وتقول: «نشأت في أسرة تحب العلم والثقافة، وحصلت عام 1987 على شهادة دبلوم تربية رياضية، وكنت قبلها ضمن منتخب "ريف دمشق" لألعاب القوى، دخلت عالم التدريب في مدارس "شهبا" عن طريق الدورات التي أقامتها مديرية التربية في "السويداء"، وجميع الدورات الخاصة بألعاب القوى من تدريب وتحكيم تمّت في الاتحاد الرياضي العام، وأصبحت من خلالها مدرباً وحكماً درجة أولى، وقد خولني ذلك لتحكيم جميع بطولات الجمهورية وعدد من البطولات العربية التي أقيمت في "دمشق"، وأصبحت عضواً في اللجنة الفنية الفرعية لدورتين متتاليتين بسبب النتائج الجيدة التي حصل عليها اللاعبين المتميزين، وعضواً في اللجنة الآسيوية لألعاب القوى، وكان عدد من اللاعبين الذين أشرفت عليهم من ضمن المنتخبات الوطنية السورية».

هي أمنا وأختنا ومعلمتنا التي تسهر وتعمل من أجلنا، ونحن لا نسير إلا بمعرفتها، ولولا وجودها بيننا لما عرفنا أحد على الإطلاق، لأنها تعرف من نحن، وتعرف قدراتنا وحاجاتنا أكثر من أهلنا

وتابعت: «في عام 1991 رزقت بطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، فتركت كل اللجان وبقيت مدربة للرياضة في مدرسة "مهنا الشحف" بمدينة "شهبا"، حيث كانت إعاقته حركية أكثر منها ذهنية، وكان لديه صعوبة في التعلم لعدم التوافق الحركي، وحاولت بكل طاقتي أن يتجاوز المرحلة الابتدائية، ولم يتمكن من المشي حتى سن السادسة عشرة على الرغم من كل العلاجات والجهود التي قمنا بها من أجل ذلك، بعد هذا بدأنا نبحث له عن وسائل تنمية ذهنية وحركية، فأدخلته عالم الرياضة وتحديداً الكرة الحديدية، وكان جيداً فيها، غير أن عدم توازنه جعلني أعدل عن الفكرة، رحت أزور "مركز الإعاقة" في "شهبا" وتطوعت فيه لتدريب الأطفال مدة ساعة يومياً، واكتشفت عدداً من المواهب الذين ضممتهم للتدريب مع ولدي، وهكذا أسست نواة فريق في منطقة "شهبا"، وكنت حريصة على البحث عن هؤلاء الصغار لأن بعض الأهالي كانوا يخجلون من أبنائهم ويدارونهم عن العين، وترافق ذلك مع اتباعي لدورات في ألعاب البوتشي والبولينغ والقوى الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة».

البطل أشرف دنون

وعمّا حققته مع ابنها من بطولات وما رافق ذلك من معاناة، تضيف: «في عام 2009 بدأت المشاركة في بطولات الجمهورية والأولمبياد الخاص الذي يقام سنوياً، وحصلنا على مراكز متقدمة عن طريق "هاشم" في لعبة البوتشي، و"أشرف دنون" في ألعاب القوى، كانت المعاناة كبيرة في التنقل وجمع اللاعبين لأنني كنت وحيدة مع أربعة عشر لاعباً، وكانت "البطولة الإقليمية السابعة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" التي أقيمت في "دمشق" عام 2010؛ الاختبار الحقيقي لعملي ولقدرة اللاعبين، وحقق خلالها ابني المركز الثالث في لعبة البوتشي بمشاركة 18 دولة، و"أشرف دنون" المركز الأول 200 متر جري، والثاني 100 متر، والمركز الرابع تتابع، وفريق الهوكي الأرضي المركز الثالث، و"أصالة حاتم" المركز الأول في رمي الكرة اللينة، والمشاركة الأهم كانت في بطولة العالم التي أقيمت في اليونان عام 2011 وحاز فيها "دنون" المركز الثالث بمشاركة 52 دولة، وهي نتيجة لم يستطع أي من أبطال المحافظة الأصحاء الوصول إليها، وكانت الأحداث قد أثرت كثيراً باللاعبين وعطائهم، لكننا قررنا تنظيم بطولة المحافظة حسب التصنيف الدولي بمشاركة 61 لاعباً ولاعبة، وكانت البطولة متميزة، كل ذلك كان له التأثير الكبير في ابني ورفاقه من خلال دمجهم في المجتمع وشعورهم الدائم بالاهتمام من قبل الناس الذين باتوا ينتظرون نتائجهم، وتتالت الدورات والبطولات حتى بات ابني ينال الذهب في لعبته المحببة، وبات "أشرف دنون" بطلاً على مستوى العالم».

وتطالب صاحبة الفضل على الكثيرين من الأطفال في المحافظة "مها رزق" بلفت النظر من قبل المعنيين والتطلع إلى طاقات هؤلاء الصغار ودعمها، وتقول: «أتمنى أن يتم تخصيص مكان محدد لهوايات أبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة غير المتعلقة بالرياضة، مثل الفنون والموسيقا والحفلات، والعمل على توفير وسيلة نقل خاصة تنقلهم من القرى إلى "السويداء"، وتوفير الوظيفة الملائمة لهم لكي يستطيعوا العيش بكرامة ويشعرون بالانتماء، فهؤلاء تحدّوا بإعاقتهم الأصحاء ولم يكتفوا بالفوز على مستوى الجمهورية، بل رفعوا علم "سورية" في المحافل الدولية وعادوا وصدورهم ملأى بالذهب».

أثناء التكريم

وكان فريق "لمّة محبة" قد أقام حفلة موسيقية تكريماً للمدربة "مها رزق" ولاعبيها على مدرج المسرح الروماني في مدينة "شهبا"، حيث أوضح أستاذ الرياضيات "نشأت مقلد" بالقول: «هذه الفئة الصغيرة من الأطفال والشباب الذين يعيشون بيننا لديهم طاقة كبيرة تفوق ما نعتقده عند الأصحاء لأن إرادتهم أقوى من كل الظروف، وقد اجتمعنا لنقول لهم إنكم أبطال بفضل إرادتكم وفضل هذه المدربة التي تعمل بصمت وبعيداً عن المفاخرة من أجل هؤلاء، وهي التي غيرت مسار حياتها من أجل ابنها أولاً، ومن أجل من كان لديه نفس المشكلة من دون أن تنتظر كلمة شكر من أحد، وقد صبرت فترة طويلة من الزمن من أجل ولدها الذي أثبت أنه بطل بكل ما للكلمة من معنى».

أما اللاعب "أشرف دنون" البطل العالمي المعروف في رياضة ألعاب القوى، الذي يعتبر أن وصوله إلى هذه المرحلة كانت بفضل مدرّبته "مها رزق" يقول: «هي أمنا وأختنا ومعلمتنا التي تسهر وتعمل من أجلنا، ونحن لا نسير إلا بمعرفتها، ولولا وجودها بيننا لما عرفنا أحد على الإطلاق، لأنها تعرف من نحن، وتعرف قدراتنا وحاجاتنا أكثر من أهلنا».

هاشم في جامعة القلمون بطلاً