بجمالها السوري البريء، وعمرها الذي لم يتجاوز الاثني عشر عاماً، استطاعت في أول اختبار حقيقي في اللعبة التي تعشق أن تحصد الذهب، وبطولة الجمهورية في لعبة الكاراتيه تحت سن ناقص أربعة عشر عاماً. والأكثر جمالاً في قصة "حنين" تلك العلاقة التي تربطها مع أفراد أسرتها التي يغلفها الغيرة والتشجيع والخوف.

مدونة وطن "eSyria" التقت اللاعبة "حنين محسن غيث" يوم الإثنين الواقع في 19 أيار 2014، حيث تحدثت عن بدايتها مع اللعبة، ومدى تكيفها مع التمارين القاسية: «ولدت في قرية "الجنينة" في العام 2002 ضمن أسرة تسودها المحبة، مكونة من أب أمضى جلّ حياته في الغربة من أجل أن يطعمنا اللقمة الحلال، ويحسن تعليمنا، وأم رؤوف تخاف علينا من الهواء، وأخ يصغرني بعام واحد، أتبادل معه الغيرة في كل الأعمال التي نقوم بها، ونتنافس على إظهار تفوقنا أمام والدينا. وقد دخلت في الصف الرابع الابتدائي دورة تدريبية للعبة الكاراتيه أقامها المدرب المعروف "عدنان عامر" في القرية، وكنت متحمسة كثيراً لها، وأحببت ما تختزنه هذه اللعبة من مهارة وقوة جسدية يكتسبها اللاعب على مر الوقت. غير أن موقفاً صغيراً حصل لي مع المدرب جعلني أترك اللعبة بشكل كلي، حتى جاء عمي اللاعب والبطل السوري "حسام غيث" ليفتتح مركزاً تدريبياً تابعاً لنادي "شقا" في القرية، فالتحق رفاقي بالدورة، وشجعوني على التسجيل، وقد جاء إلى المنزل ليعيدني من جديد إلى اللعبة التي أعشق بساطها، وأحب أفرادها، وأهوى مغامراتها».

تتمتع "حنين" بحب التنافس والإبداع وقوة الشخصية على البساط، والثقة بالنفس، وهو ما يميزها في التدريب من حيث الاستماع إلى المدرب والتركيز فيه، وهو ما يجعل من شخصيتها مستقلة في البيت الذي يجب عليها أن تتدرب بين جدرانه لكسر الحاجز الداخلي. واختيارها لتمثيل منتخب "سورية" مرده إلى التقنية العالية في الأداء. ولا ينقصها إلا القليل من السرعة والرشاقة بأداء القدمين لتكون بطلة عالمية بامتياز

سارت "حنين" خطوة إثر خطوة في الطريق نحو البطولة، وإن صادفها الكثير من المطبات في البداية، غير أنها قبلت التحدي بقلب طفلة مؤمنة بقدراتها على صنع الفوز، وتؤكد: «بعد تدريب متواصل ومستمر على يد المدرب الذي أتقن كل ما توصل إليه من علم حديث في أصول اللعبة، ونقله إلينا بكل أمانة، وبجدية كبيرة جعلت عدداً من زملائي غير قادرين على المتابعة بسبب صعوبة التمارين ومشقتها. وبعد ذلك بدأ يعلمنا تقنيات اللعب على البساط، والإبداع والثقة بالنفس. وفي أول اختبار على مستوى المحافظة خسرت مباراتي الأولى دون أن أعرف لماذا وكيف؟! وشعر كل من له علاقة باللعبة بالظلم الذي لحق بي نتيجة الواسطة؛ لكن الأمر زادني قوة وتصميماً ومثابرة، واجتهدت في دراستي كما يحثنا المدرب وبإصرار على بذل الجهد في الدراسة. وقد لاحظ كل الأهالي أن مستوانا ارتفع بشكل كبير بعد دخولنا عالم الرياضة. وفي بداية العام 2014 استدعيت لتمثيل المحافظة في بطولة تجمع المنطقة الجنوبية، فاصطدمت باعتراض الوالدة التي لم ترغب في دخولي اللعب نهائياً من خوفها عليّ، وباعتقادها أن هذه اللعبة تمثل خطراً على الفتاة، وكانت الامتحانات المدرسية على الأبواب، فزاد ذلك من اعتراضها؛ ولكن إصراري ووقوف الوالد المغترب والمدرب معي جعلني أذهب إلى العاصمة. وهناك لعبت في البداية مع اللاعبة "نور العبد الله" من منتخب "دمشق"، وكانت أجواء البساط الدولي غريبة عليّ بشكل كبير، وأحسست بالدهشة والتشتت، وقد خسرت المباراة. وفي بطولة الجمهورية لعبت مع بطلة منتخب "دمشق" ففزت عليها بالكاتا الخامسة، وتأهلت مباشرة إلى المباراة النهائية في فئة تحت سن أربعة عشر عاماً، وكانت المصادفة البحتة أن تتأهل البطلة "نور العبد الله" التي تغلبت عليّ في التجمع إلى المباراة النهائية، وقد أخذت على أجواء البطولات والبساط، والحكام، واستفدت كثيراً من خبرة المدرب الذي شجعني، ففزت عليها بالكاتا العليا وحصلت على البطولة».

مع مدربها وعمها حسام غيث.

تتابع "حنين" رحلتها مع الكاراتيه بعروض تقدمها مع أبطال النادي، والتدريب للتحضير للبطولات القادمة، وقد لاقت بعد هذه البطولة الكثير من الاحتفاء بها، وتم استدعاؤها لتمثل الوطن في البطولة العربية في "اليمن" على الرغم من وجود لاعبات ذوات خبرة، وأكبر عمراً، ولكن رئيس اللجنة الفنية في المحافظة الكابتن القدير "فادي فرج" يقول عنها: «اللاعبة الصغيرة في العمر الكبيرة في الأداء، "حنين غيث" من اللاعبات الجديدات بالنسبة إلى عمرها التدريبي الصغير أثبتت قدرتها على ساحة القطر، وكانت مفاجأة كبيرة في بطولة الجمهورية عندما تغلبت على أقرانها اللواتي يزدنها في العمر التدريبي، والسن، وقد رأى فيها كل خبراء اللعبة مشروع بطلة على مستوى العالم. وقد قامت اللجنة الفنية في المحافظة بتكريمها، وهي تتميز بالتكنيك العالي والتقنيات وقوة الشخصية، على الرغم من براءة وجهها الطفولي، وهو مرده بالأساس إلى مدربها المتميّز».

ويذهب مدربها "حسام غيث" إلى أن اختيار لاعب الكاتا له مقومات خاصة، منها الخامة التي تشكل الجسم أو (التيب)، والعقل بناء على انسجام اللاعب بالحركات النظامية وسرعته، ويتابع: «تتمتع "حنين" بحب التنافس والإبداع وقوة الشخصية على البساط، والثقة بالنفس، وهو ما يميزها في التدريب من حيث الاستماع إلى المدرب والتركيز فيه، وهو ما يجعل من شخصيتها مستقلة في البيت الذي يجب عليها أن تتدرب بين جدرانه لكسر الحاجز الداخلي. واختيارها لتمثيل منتخب "سورية" مرده إلى التقنية العالية في الأداء. ولا ينقصها إلا القليل من السرعة والرشاقة بأداء القدمين لتكون بطلة عالمية بامتياز».

من تدريباتها مع زملائها في مركز الجنينة.
البراءة مع القوة تصنع الذهب