في منزل أحد مواطني قرية "المجدل" الواقعة في الجنوب الشرقي من منطقة "اللجاة"، تم وبالمصادفة اكتشاف لوحة فسيفساء تعود إلى العصر الروماني تعد الأول من نوعها في سورية.

إلى الشمال من منزل "فضل الله هنيدي" الأثري المسجل في عداد المباني التاريخية، يقع منزل صغير تتداخل فيه العناصر المحدثة مع الجدران الأثرية القديمة، في الجانب الجنوبي منه، وأثناء محاولة المواطن صاحب العقار "حسين موال" بناء حمام لوالده عثر على لوحة فسيفساء، قام "عادل" ابن شقيق صاحب العقار بإعلام الجهات الأثرية بالحادثة فقامت بالكشف على اللوحة.

الجدران كانت مغطاة بطبقة من المونة الكلسية المعدة لتنفيذ الرسوم الجدارية، فمن المعروف بأن الأماكن التي تضم أرضيات فسيفسائية غالباً ما كانت تزدان جدرانها بالرسوم، وقد تم الكشف عن بقايا المونة الكلسية التي تغطي حوالي 5 سم من القسم السفلي للجدار الجنوبي المكون من صفين من الحجارة البازلتية المستطيلة والمتقنة الصنع ومن المؤكد بأن هذا الجدار يعود إلى فترة اللوحة نفسها

وحسب ما يذكر الباحث الأثري "خلدون الشمعة" رئيس شعبة التنقيب في دائرة آثار السويداء لموقع مدوّنة وطن "eSyria" فقد: «تبين أنّ اللوحة تشكل أرضية من دار سكنية كانت جزءاً من حمام أثري يعود للعصر الروماني، فهي من الناحية الفنية تحتوي على أجزاء ظاهرة من اللوحة تمثل مشهداً لنساء عاريات في الحمام، حيث نرى في الجزء العلوي من اللوحة إلى اليمين تشكيلاً نباتياً مكوناً من ورود ذات أغصان طويلة، يليها جزء مشوّه لم يبق منه سوى أرجل لامرأة تبدو عاريةً تتجه نحو اليسار، ثمّ شكل نسائي يمثل امرأةً عاريةً تلبس أساور في معصمها وكتفها وخالاً في قدمها، تجلس على مقعد وقد بدت عليها ملامح الحزن، يفصلها عن المشهد السابق، وإلى اليسار منها مشهد لامرأة جزؤها السفلي مشوّه، لذلك لا نستطيع تحديد وضعيتها من حيث الجلوس أو الوقوف، ترتدي حليها كاملة: تاجٌ على الرأس، قلادةٌ في الرقبة بالإضافة إلى أساور في يدها، يليها نفس التشكيل النباتي السابق، إلى الأسفل يظهر جزء من مقعد مشوه يليه رَجلٌ غير كامل يظهر بلباسه منتعلاً صندلاً يسند على كتفه الأيمن أداة بأربعة رؤوس، وقد بدا وهو يهم بالانصراف، ربما يكون الخادم الذي بدأ بالانصراف بعد الانتهاء من عمله في إعداد الحمام، يليه امرأة جالسة على مقعد تظهر أيضاً بحليها وتاج على الرأس مشوه، وأخيراً جزء من مقعد لم يبق منه سوى الجزء الأيمن، يحيط باللوحة من الجهة الشمالية والجنوبية مشهد مائي بعرض 50 سم يفصله عن المشهد الأساسي إطار من خمسة صفوف من المكعبات، يتكون المشهد من أسماك وطيور مائية متمثلة ببطتين ولقلق وطفل يسبح وآخرين يركبان قوارب صغيرة لصيد الأسماك بالإضافة إلى تشكيلات نباتية، وبالتالي هو عبارة عن مشهد نيلي، لم تحوي الأجزاء الظاهرة من اللوحة على أي مشاهد أسطورية إنما مشهد مستمد من الحياة اليومية التي كانت تمثل أحد المشاهد الهامة التي تناولها فن الفسيفساء خلال مختلف الفترات، على الرغم من ذلك فإن الموضوع الفني للوحة يعد الأول من نوعه في "سورية"».

الباحث الأثري خلدون الشمعة

وتابع الباحث الأثري "الشمعة" بالقول: «الجدران كانت مغطاة بطبقة من المونة الكلسية المعدة لتنفيذ الرسوم الجدارية، فمن المعروف بأن الأماكن التي تضم أرضيات فسيفسائية غالباً ما كانت تزدان جدرانها بالرسوم، وقد تم الكشف عن بقايا المونة الكلسية التي تغطي حوالي 5 سم من القسم السفلي للجدار الجنوبي المكون من صفين من الحجارة البازلتية المستطيلة والمتقنة الصنع ومن المؤكد بأن هذا الجدار يعود إلى فترة اللوحة نفسها».

وعن الناحية التقنية بيّن الباحث الأثري الأكاديمي الدكتور "نشأت كيوان" بالقول: «نفذت اللوحة بمكعبات من الرخام المتعدد الألوان أخضر، أحمر، أبيض، رمادي، وردي، الأسود، إضافة إلى مكعبات من الفخار الأحمر والأصفر والتي لا تتجاوز مساحتها 1×1 سم في الأجزاء المحيطة بالتشكيلات الفنية التي نفذت بمكعبات لا تتجاوز 5,0 سم ولا سيّما ملامح الوجوه التي نفذت بالتقنية التي تعرف باسم "فيرميكلاتوم" التي ظهرت خلال الفترة الهلنستية ثم أخذت بالتراجع خلال الفترة الرومانية لتختفي تقريبا خلال الفترة البيزنطية، إلا أن الاستخدام المكثف للمكعبات الرخامية ذات اللون الأبيض أفقد اللوحة البعد الثالث، وتاريخياً فإننا أمام لوحة ترجع إلى الفترة الرومانية وذلك اعتماداً على الناحية الفنية والتقنية، الأولى تتمثل بطبيعة الموضوع أي النساء العاريات والذي يعد أمراً غير شائع في الفن البيزنطي، أما الناحية التقنية فتتمثل بصغر حجم المكعبات والدقة في غرسها، وذلك من أهم ميزات الفسيفساء خلال الفترة الرومانية ما لا نراه في الفسيفساء التي ترجع إلى الفترة البيزنطية».

الباحث الدكتور نشأت كيوان

وتابع "د. كيوان" بالقول: «الأجزاء المحفوظة من اللوحة تشكل نسبة 40% تقريباً من الأجزاء الظاهرة الطول الأعظمي 375 سم وعرض 330 سم بين الجدار الشمالي والجنوبي اللذين يرجعان إلى الفترة نفسها، كما تجدر الإشارة إلى وجود امتداد للوحة أسفل الجدار الشرقي والغربي ولكن لا نستطيع الجزم ببقاء هذه الأجزاء أو تلفها، كما أن امتدادها من جهة الشرق لا يتجاوز 40 سم وذلك بسب وجود خزان ماء على عمق 150 سم من سطح اللوحة والذي يبعد حوالي 70 سم، أما الجدار الغربي فامتداد اللوحة غير محدد وذلك اعتماداً على تقرير التنقيب ضمن السبر الذي لم يتم الوصول فيه إلى مستوى اللوحة، كما أن هذا الجدار الآيل للسقوط يحجز خلفه تربة زراعية وبقايا أثرية تم الكشف عنها في عام 2007 بارتفاع 270 سم تقريباً عن سطح اللوحة، وهي تقع ضمن عقار تعود ملكيته إلى السيد "عماد العاقل" هذا الأمر أدى بدوره إلى جعل الطبقات التأسيسية للوحة مكاناً لتصريف مياه الأمطار وهذا ما لاحظناه من ارتفاع عال للرطوبة في الأجزاء التي تم الكشف عنها ضمن الأجزاء المشوهة من اللوحة، ويغطي بعض أجزاء اللوحة قشرة قاسية جداً بنية اللون وكأنها صلصال ملتصق بها نتيجة الضغط، بالإضافة إلى وجود تصبغات صفراء ناتجة عن امتصاص المكعبات للبقايا الحيوانية علماً بأن المكان كان مستخدماً من قبل أصحاب العقار كحظيرة حيوانات، كما لوحظ امتداد لجذور شجر الزيتون والعنب المزروع على بعد 150 سم من الجدار الشرقي للحجرة التي تضم اللوحة، هذه الجذور اخترقت طبقة غرس المكعبات أي أسفل المكعبات مباشرة وأدى ذلك إلى فك ترابط المكعبات مع بعضها، إذاً من المؤكد بأن الجذور قد اخترقت الطبقات التأسيسية للوحة مع العلم أن عمر شجرة الزيتون لا يقل عن 15 سنة والعنب عن 10 سنوات، الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً على لوحة الفسيفساء، وعملية قطع الأشجار ربما تمنع امتداد الجذور ولكن ستتحول هذه الجذور إلى مكمن جيد للحشرات وبيوضها الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تآكل الجذور ونتيجة لذلك تتشكل فراغات تضعف بنية الطبقات التأسيسية، وبالتالي هبوط سطح اللوحة والذي سيؤدي بدوره إلى تخريبها، الأمر الذي يفرض عملية القلع كخيار وحيد من أجل الحفاظ عليها».

اللقاءات أجريت بتاريخ 24 آذار 2021.

اللوحة الأثرية المكتشفة