شكّلت العصورُ التاريخية تعدداً للآلهةِ الأثريةِ في "جبل العرب"، وتركزت في العديد من مناطق مختلفة فيه، ومنها الإله "ميترا" الرابط بينَ مناطقِ وجوده وإقامته ونشاطه، من "سيع" بالعصر الروماني إلى حاضرنا.

حولَ الإله "ميترا" مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 27 آب 2019 التقت الباحث في الآثار الدكتور "نشأت كيوان" الذي أوضح قائلاً: «عرف في "حوران" أنّ عبادة "ميترا" كان له نصيبٌ في هذه المنطقة، ودلّ على ذلك المنحوتات النافرة، وكذلك المعابد التي عثر عليها في قرية "سيع"، حيث عثرتْ بعثةُ جامعةِ "برنستون" الأمريكية برئاسة "هنري بتلر" على بلاطة لوح حجرية من البازلت، تمثّل الإله "ميترا" إله النور عند الفرس وهو يجلس بشكلٍ جانبي على ثور، حيث ينقل الغراب الواقف على نهاية وشاح "ميترا" ما يمليه عليه إله الشمس بأن يضحي بالثور، ويضع يده اليسرى على رأسه، والأخرى تدخل سكيناً في كتفه، وتوجد حيوانات مصاحبة له كالكلب الذي يلعق دم الثور، والأفعى والعقرب اللذين يرسلهما "أهريمان" الممثل لمبدأ الشر، يقابله "أهورامازدا" الذي يمثل مبدأ الخير، لكن هناك طيور على الجوانب تبدو جاثمة فوق "ميترا"، وهو يحمل وشاحاً حول الرقبة يرتد متطايراً إلى الوراء، وطياته تشبه طيات القميص، لكن تبدو متراكبة وتحددها أيضاً حزوز عميقة، ويرتدي أيضاً سروالاً يصل إلى القدمين لكن طيات السروال غير واضحة، أي تخلو من التفاصيل على عكس طيات القميص والوشاح، وفي نحت آخر لـ"ميترا" من "روما" مكون بالطريقة نفسها في اللباس مع الحيوانات المرافقة، لكن على الزوايا العلوية يركب إلها الشمس والقمر على عربتين تجرهما حيوانات مثل الخيول والغزلان، وفي "الفاتيكان" يوجد تصوير لـ"ميترا"، لكن من دون الظهور الإلهي للشمس والقمر، كما مُثّل على المسكوكات كأحد الآلهة المهمة، ولا بدّ أن نذكر أن هذه العبادة دخلت إلى "روما" لأول مرة عام 60 ميلادي، ثم انتشرت في القرن الثاني منه».

لقد انتشرت عبادته في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية على الرغم من أصله الفارسي الأقدم، وقد انتشرت الميثرائية في العالم الروماني وأصبحت في وقتٍ من الأوقات ديانة رئيسة، أي إن الرومان أخذوا هذه العبادة الشرقية وقبلوها، وقد كانت الشعائر الدينية لعبادة "ميترا" تجري في مبانٍ صممت بشكلٍ يشابه الكهوف، وتسمى باللاتينية الجنة، وقد عثر الباحث الفرنسي "ميكائيل كالوس" على مبنى من هذا التصميم في موقع "شعارة" في "درعا" على الأرجح مخصص لعبادة "ميترا"، وبالعودة إلى طبيعة لباس "ميترا"، فهو موحد في كل التمثيلات في "سورية" ككل، حتى في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية، حيث العباءة القصيرة والوشاح، وتبدو مطرزة بشكلٍ جيد، كما يرتدي اللباس الفارسي التقليدي المطرز في المنتصف بشكلٍ عمودي تصل هذه الزخرفة من اللياقة التي يشكلها الوشاح الذي يرتديه، أي إنّ جميع مكونات لباس "ميترا" هي شرقية بامتياز، مع تفاوت تفاصيل هذه المكونات، لذلك ليس هناك خلاف بين الباحثين على نوع اللباس أو أصله، بل كان الخلاف على معنى المنحوتات النافرة الميثرائية التي أوقعتهم في حيرة لأكثر من قرن، والتخمينات كانت متشعبة ومتعددة حيث إنّ الفن الميثرائي حمل رمزية معقدة، كل هذه التفاصيل لم تنعكس على طبيعة اللباس، بل بقي ثابتاً في تعاطي الفنانين مع تشكيلاته، وكان التغيير في تنظيم النحت النافر والأشكال المعبرة عنها

وتابع بالقول: «لقد انتشرت عبادته في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية على الرغم من أصله الفارسي الأقدم، وقد انتشرت الميثرائية في العالم الروماني وأصبحت في وقتٍ من الأوقات ديانة رئيسة، أي إن الرومان أخذوا هذه العبادة الشرقية وقبلوها، وقد كانت الشعائر الدينية لعبادة "ميترا" تجري في مبانٍ صممت بشكلٍ يشابه الكهوف، وتسمى باللاتينية الجنة، وقد عثر الباحث الفرنسي "ميكائيل كالوس" على مبنى من هذا التصميم في موقع "شعارة" في "درعا" على الأرجح مخصص لعبادة "ميترا"، وبالعودة إلى طبيعة لباس "ميترا"، فهو موحد في كل التمثيلات في "سورية" ككل، حتى في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية، حيث العباءة القصيرة والوشاح، وتبدو مطرزة بشكلٍ جيد، كما يرتدي اللباس الفارسي التقليدي المطرز في المنتصف بشكلٍ عمودي تصل هذه الزخرفة من اللياقة التي يشكلها الوشاح الذي يرتديه، أي إنّ جميع مكونات لباس "ميترا" هي شرقية بامتياز، مع تفاوت تفاصيل هذه المكونات، لذلك ليس هناك خلاف بين الباحثين على نوع اللباس أو أصله، بل كان الخلاف على معنى المنحوتات النافرة الميثرائية التي أوقعتهم في حيرة لأكثر من قرن، والتخمينات كانت متشعبة ومتعددة حيث إنّ الفن الميثرائي حمل رمزية معقدة، كل هذه التفاصيل لم تنعكس على طبيعة اللباس، بل بقي ثابتاً في تعاطي الفنانين مع تشكيلاته، وكان التغيير في تنظيم النحت النافر والأشكال المعبرة عنها».

الباحث الدكتور نشأت كيوان

وحول التفاصيل المتعلقة بالإله "ميترا" أشار الباحث في الآثار "خلدون الشمعة" قائلاً: «هناك ميّزات مثل شعر "ميترا" أو إله الشمس أو القمر، وتقنية النحت، وكيفية الصقل وخطم الثور وشعره، إلى ما هنالك من تفاصيل وإشارات بوضع تأريخ للمنحوتات، فمثلاً شعر "ميترا" الثخين والمنسدل إلى أسفل الرقبة من دون تجمع هي تقنية شائعة في المنحوتات النافرة للقرن الثالث الميلادي، كما أنّ صقل الوجه وتنعيمه هي أشكال يمكن أن نراها في ورشات عمل كبيرة في "الأناضول"، ووجه "ميترا" الذي يدل على المشاعر والمثير للعواطف هو أمرٌ شائع في الفترة السيفيرية وما تلاها، ومنحوتات "سيع" أرخت بالقرن الثالث الميلادي على أبعد تقدير النموذجين الوحيدين إضافة إلى بعض الدلائل من معبد "شعارة" في "درعا" التي عثر فيها على عبادة هذا الإله في "حوران"، لكنها تعبر بشكلٍ أكيد على وجودها، وهذه بدورها هي انعكاس واضح للطراز التقليدي التصويري لـ "ميترا"، وتقدم الدليل الكافي على وجود هذا الإله الشرقي في "سيع"، و"شعارة"، والشيء المثير للاهتمام والذي يدعو للتساؤل هو لماذا وجد لوحان في "سيع" يمثلان الإله نفسه في الموقع نفسه ضمن حيّزٍ مكاني صغير نسبياً، هل كانا تقدمة لمعبد "ميترا" في "سيع"؟، وهنا تبرز الأهمية الدينية لموقع "سيع" كونه يحتوي على مجمع ديني لكبار الآلهة التي أخذت حيّزاً واسعاً ضمن العبادات في "حوران"، وبالتأكيد كان يحظى بينها بدرجة عالية من التقديس، وبالتالي فهو نحت نافر من العصر الروماني إلى يومنا».

الباحث الآثري خلدون الشمعة
كسر من بلاط حجرية عليها نحت للإله ميترا من سيع