واحد من المسارح القليلة التي بنيت في "السويداء" إبان العصر الروماني، وأكبرها مقارنة مع مسارح تلك المدينة، يتألف المسرح من منصة لها ثلاثة مداخل زينت بالمحاريب...

مدونة وطن "eSyria" التقت الكاتب والمترجم الأستاذ "كمال الشوفاني" بتاريخ 10 حزيران 2014، الذي تحدث عما يعرفه عن المسرح قديماً من خلال قراءاته وترجماته، ويقول: «لقد ذكرت الرحالة "غير ترود بل" في مذكراتها التي ترجمتها أن المسرح الروماني في مدينة "شهبا" -الذي يجب أن يكون بأحسن حال لتأدية الغرض الذي أنشئ من أجله- جرى تشويهه وتحويل أروقته إلى مساكن وإسطبلات، فقد قام السكان بتكسير المقاعد أو أزالوها لجعل الطريق أسهل، وبنوا جدراناً من الأحجار المتساقطة في المكان ليفصلوا البيوت بعضها عن بعض، وآخر مآثر هذا المكان هو مشهد المعركة الأخيرة بين سكان الجبل والأتراك، حيث كان انسحاب الثوار نحو "اللجاة" وتحصّنوا خلف الجدار الجنوبي المهدم، وأطلقوا نيرانهم من خلال البوابات الرومانية، وقد هدمت هذه البوابات كلها بفعل قنابل الأتراك التي أطلقوها باتجاه الثوار، وقد جرت تلك المعركة في منتصف تموز 1897م بعد معركة "كبسة قنوات" مباشرة».

لعل هذا المسرح الصغير كبير بما يحوي من ذكريات، وما يمثله من عبق لماض ما زالت أوابده شاهداً على العظمة التي كانت تتمتع فيها المدينة، وقد حرصنا عندما أطلقت جمعيتنا مهرجان "شهبا" للتراث والفنون أن يكون المسرح اختيارنا الأول لإقامة العروض المختلفة، ولم نفاجأ عندما ملأ الجمهور مدرجاته عن آخرها

الباحث في الآثار "ناجي فيصل" تحدث عن موقع المسرح وما يحتويه في الداخل، ويقول: «يعود بناؤه إلى الفترة التي حكم فيها الإمبراطور "فيليب العربي" الإمبراطورية الرومانية بين العامين 244 و249، ويقع المسرح ضمن تجمع معماري ضخم وسط المدينة حيث كثافة الأبنية العامة مع وجود ترابط مشترك مع المدفن الإمبراطوري "الفيليبيون"، والساحة الأمامية التي تتقدمها من الجهة الغربية واجهة المعبد الإمبراطوري، تعرض هذا المبنى لخراب كبير وخاصة مبنى المنصة، أما الأوركسترا والقسم السفلي من أماكن المتفرجين فكانت مطمورة بالتراب والردميات -التي بدأ الكشف عنها مع حلول النصف الثاني من القرن العشرين- يبلغ قطر المسرح 42 متراً حيث يتناسب حجمه مع حجم المدينة القديمة وأهميتها، ويقسم إلى قسمين: قسم التمثيل وقسم الجمهور، يتألف قسم التمثيل من منصة مستقلة وفسيحة تغطي مكاناً سفلياً مفرغاً خصص للملقنين، ويحتضن هذه المنصة من الخلف وبشكل مواجه للمسرح واجهة مستقيمة خالية من أي نحت أو زينة أو ديكور تحتوي ثلاثة مداخل أوسطها أكبرها وعلى جانبيه زينت الواجهة بالمحاريب، خلف هذه الواجهة توجد الكواليس من أجل تهيئة الممثلين وهي عبارة عن رواق على امتداد المنصة، يلاحظ على جانبي المنصة وجود مدخلين يؤديان إلى الممرات الجانبية للمسرح، أما قسم الجمهور فهو عبارة عن مدرجات على طابقين تتجه نحو الجنوب لا ترتكز سوى بشكل بسيط على منحدر طبيعي، وقد بنيت الدهاليز والممرات بينها، ويلاحظ وجود تسع درجات في الطابق السفلي لا تزال قائمة، بينما في الطابق العلوي لم يبق سوى جزء من الصف الأول من الدرجات في الجهة الغربية، وللمسرح سبعة مداخل تتوافق مع أدراج التفريغ ومع الرواق الداخلي الخلفي والأدراج الداخلية».

كواليس مسرح شهبا

لم يكن وجود المسرح الروماني في المدينة عبثياً، فهي التي تشبه "روما" وعلى شاكلتها، وما نفع مدينة عظيمة بلا مسارح وموسيقا، هذا ما أشار إليه الباحث المعروف الدكتور "علي أبو عساف"، وعن أهمية هذا المسرح الصغير يقول: «يقع مسرح "شهبا" وسط المدينة تقريباً، وبعيداً عن المرافق العامة وشوارعها الرئيسية، ولقد اختير لمسرح "شهبا" سفح تلة أسند إليها بناء المنصة والممرات والحجرات التابعة لها، بينما اقتضت الضرورة رفع صفوف مقاعد المشاهدين فوق بناء أرضي حتى يستقيم، غير أن المسرح أصغر بكثير من مسرح "بصرى"؛ ولعل مرد ذلك إلى أن "بصرى" كانت عاصمة الولاية العربية، أما "شهبا" فكانت مقراً إدارياً تابعاً لها».

بعد ترميم المسرح من جديد بطريقة أقرب لما كان عليه في السابق عاد في بعض المواسم ليمارس دوره الثقافي والحضاري كما في السابق، وإن كان بصورة بطيئة، وعن هذا يقول الأستاذ "إبراهيم أبو كرم" نائب رئيس فرع جمعية "العاديات" في "السويداء": «لعل هذا المسرح الصغير كبير بما يحوي من ذكريات، وما يمثله من عبق لماض ما زالت أوابده شاهداً على العظمة التي كانت تتمتع فيها المدينة، وقد حرصنا عندما أطلقت جمعيتنا مهرجان "شهبا" للتراث والفنون أن يكون المسرح اختيارنا الأول لإقامة العروض المختلفة، ولم نفاجأ عندما ملأ الجمهور مدرجاته عن آخرها».

ممرات الدخول إلى المسرح من الغرب
المسرح في إحدى الفعاليات