بالحجارة البازلتية الضخمة صمدت آلاف السنين على كتف الوادي المنحدر من سفوح الشرقية لـ"جبل العرب"، وشكلت مع عدد من الأبراج الشهيرة موقع حماية للطريق نحو البادية الشرقية في العصر البرونزي، المعبر النبطي الوحيد نحو البادية الشرقية...

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث في الآثار "وليد أبو رايد" بتاريخ 9 أيار 2014، الذي تحدث عن الموقع الاستراتيجي للقلعة، ومكانها الطبيعي في السفح الشرقي من "جبل العرب"، ويقول: «تتميز قرية "المشنف" القديمة بموقع استراتيجي يتوسط المسافة الفاصلة بين الجبل وموقع "الدياثة" الشهير، وهو المكان الذي يشكل معبراً مهماً وأساسياً من غرب "السويداء" نحو القرى الشرقية على حدود البادية، حيث مازلنا نرى اليوم آثار الطريق "النبطي" واضحاً إلى الغرب من قرية "المشنف" يعبر بساتين التفاح بشكل مستقيم نحو مدينة "السويداء"، والمتتبع لهذا الطريق الموغل في القدم يلاحظ مجموعات عمرانية كبيرة هي عبارة عن أبراج حراسة ومراقبة بُنيت على طول الطريق لحمايته من قطاع الطرق، لكن الأهم على الإطلاق في كل ذلك هو القلعة التي تحمل اسم القرية، وتعود إلى الفترات النبطية الرومانية، ومازالت بقاياها تصارع الزمن بمعجزة».

أدت القلعة في أغلب الأوقات دوراً عسكرياً مهماً ومتقدماً لحماية القرية المركزية، حيث كانت "المشنف" النبطية ومن ثم الرومانية مركزاً إدارياً ودينياً متميزاً، ويدل على ذلك وجود معبد "زيوس" الشهير فيها، والمنازل التي مازال معظمها حياً بسكانه حتى اللحظة، إلى جانب المطاحن المائية على جانبي الوادي، التي مازال بناؤها بحالة حفظ جيدة

ويضيف: «تمكث قلعة "المشنف" الضخمة على كتف الوادي المنحدر من سفوح الجبل الشرقية نحو وادي "الغيضة"، فوادي "الدياثة" ثم وادي "الزلف" نقطة النهاية، وتتحكم بالوادي الذي شكل عبر العصور ممراً استراتيجياً حتّم على السكان حمايته من خلال بناء بعض التحصينات على طوله، ومنها أبراج قرية "الغيضة" الشهيرة في المنطقة، وترتبط بالقلعة مجموعة من الأبراج الدائرية مهمتها إيصال الإشارات والرسائل بين القلعة وتلك التحصينات (أي الأبراج)، وقد بنيت من حجارة بازلتية محلية ضخمة موجهة ومشذّبة على شكل كتل متراصّة في مداميك سميكة ودون مونة بينها، مسقطها شبه دائري، ولا يمكن تحديد مدخلها بدقة بسبب التخريب الكبير الذي لحق بها نتيجة العوامل الجوية والبشرية التي تعرضت لها على مر السنين، إلا أن المخطط الحالي يوحي بوجود المدخل من الناحية الشمالية، أي باتجاه القرية القديمة».

الأبراج التي تداخلت مع البناء بعد تهدمها

ويتابع: «أدت القلعة في أغلب الأوقات دوراً عسكرياً مهماً ومتقدماً لحماية القرية المركزية، حيث كانت "المشنف" النبطية ومن ثم الرومانية مركزاً إدارياً ودينياً متميزاً، ويدل على ذلك وجود معبد "زيوس" الشهير فيها، والمنازل التي مازال معظمها حياً بسكانه حتى اللحظة، إلى جانب المطاحن المائية على جانبي الوادي، التي مازال بناؤها بحالة حفظ جيدة».

أما الباحث الآثاري والعامل في دائرة آثار "السويداء" الأستاذ "ناجي فيصل"، فيقول: «إلى الشرق تماماً من القلعة وعلى كتف الوادي المقابل يطالعنا برج دائري متقن الصنعة، لا نعرف له اسم حتى الآن بسبب عدم قيام أي بعثة أثرية بالتنقيب عنه، مسقط البرج دائري تماماً بقي منه جزء جيد محفوظاً حتى يومنا هذا، وقد بني من حجارة محلية مشذّبة بعناية، وفقد كالقلعة مدخله المفتوح نحو الشمال، ونستطيع القول: إن هذا الطراز المعماري يرقى إلى العصر البرونزي الممتد بين 3100 – 1200 قبل الميلاد، وهذا يقربنا من اقتراح تاريخ للقلعة، أي إنها تعود في تأسيسها إلى هذا العصر البرونزي، خاصة أن النماذج المشابهة المدروسة سابقاً في قرية "الغيضة" وقرية "الدياثة" تعود إلى العصور البرونزية أيضاً، مع الإشارة إلى أن آثار "المشنف" إذا ما استثنينا معبدها الشهير المدروس من قبل البعثة السورية – الألمانية لم تدرس حتى الآن ولم تؤرخ بالشكل العلمي المطلوب، وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر في كثير من الأمور المتعلقة بآثار هذه المنطقة إذا تم التنقيب والبحث عنها من قبل مختصين أثريين».

الوادي الذي يخترق البادية من المشنف إلى الزلف
معبد المشنف المدروس، دليل على الحضارة السائدة