من أجمل الآبار المنحوتة بالصخر في منطقة "اللجاة"، ومن الآبار النادرة التي بقيت صامدة، وتعود إلى العصر البرونزي الجديد، وأكثر ما يميزها وجودها داخل البيوت السكنية التي تحافظ عليها من كل ضرر...

مدونة وطن "eSyria" التقت المدرس المتقاعد "جادو أبو حسون" بتاريخ 8 شباط 2014، والمولود في قرية "جرين" عام 1950؛ الذي تحدث عن هذه البئر، ويقول: «هي من أصل وجود القرية وأهم معالمها القديمة، وحتى وقت قريب ظلت المصدر الرئيس لمياه الشرب والاحتياجات اليومية لسكان القرية، وأجمل ما يميز البئر تلك التقانة في حفرها، حيث لاحظنا قدرة الإنسان القديم على التكيف مع الواقع الذي فُرض عليه، فقد حفر في الصخر القاسي مسافة كبيرة في عمق الأرض، وأكملها بأن رفع السقف بأعمدة بازلتية كبيرة من أجل المحافظة على عدم تهدم السطح، فكانت من الداخل تحفة فنية خالصة، وهي إلى الآن مستقرة في باحة أحد بيوت القرية، وتستمد مياهها من الأمطار التي تتجمع وتصلها عبر قناة حجرية محمية بالبلاط الحجري لتكتمل لوحتها الفنية من الخارج».

في موضع آخر من "اللجاة"، وبطراز مشابه لبئر "جرين" هناك بئر مشابهة لها في قرية "داما" الجارة، وهي متوضعة ضمن منزل رجل من آل "القنطار"، لكن سقفها يقوم على أقواس حسبما شاهدناه من خلال فتحتها الضيقة التي تشبه فوهة بئر "جرين" تماماً، وبلاطات السقف صغيرة الحجم ذات أشكال عشوائية قُطعت من صخور "اللجاة" الرقيقة، وتشكِّل بدورها جزءاً من أرضية الفسحة السماوية لهذا المنزل

وتحدث الباحث "وليد أبو رايد" المختص بآثار المنطقة الجنوبية عن البئر، ووصفها من الداخل، ويقول: «كانت الرحلة في "اللجاة" ممتعة وشيقة أثناء البحث عن تلك المعالم الأثرية التي تعود إلى العصور البرونزية، وكانت هذه البئر من أجمل الآبار التي صادفتها في "اللجاة"، وتحديداً في الجهة الغربية الشمالية منها، والتي تقع في قرية "جرين" فحملت اسمها، والشيء المدهش كان في قدرة الإنسان على حفرها بأدوات بدائية لينتج هذه التحفة تحت الأرض وبأعماق كبيرة، فكانت محفورة في الصخر بشكل دائري، ويقوم سقفها على أعمدة بازلتية مرتفعة تحمل ربدات عرضانية طويلة، وتحمل بدورها باقي ربدات السقف الأقصر، وللبئر فوهة في الوسط صُنعت من حجر واحد يشبه الدولاب جوانب الفتحة من الداخل ناعمة ومصقولة بسبب كثرة الاستعمال، ولها فتحة جانبية أخرى عند الزاوية الجنوبية الشرقية تسدها شريحة بازلتية رقيقة، أحيط الخزان من الخارج والأعلى بجدار دائري سميك يعطي البئر الشكل الدائري بما يتناسب مع شكلها الحقيقي غير الظاهر».

القناة كما بدت داخل الحجارة البازلتية

"جرين" ليست البئر الوحيدة في المنطقة، فبحسب الأهالي في القرية فإن لها أقراناً تشبهها في التصميم والغاية، ويقول السيد "مروان الشاهين" الذي يقطن في قرية "داما" القريبة من قرية "جرين" عن ذلك: «في موضع آخر من "اللجاة"، وبطراز مشابه لبئر "جرين" هناك بئر مشابهة لها في قرية "داما" الجارة، وهي متوضعة ضمن منزل رجل من آل "القنطار"، لكن سقفها يقوم على أقواس حسبما شاهدناه من خلال فتحتها الضيقة التي تشبه فوهة بئر "جرين" تماماً، وبلاطات السقف صغيرة الحجم ذات أشكال عشوائية قُطعت من صخور "اللجاة" الرقيقة، وتشكِّل بدورها جزءاً من أرضية الفسحة السماوية لهذا المنزل».

وعن الطرق التي استخدمها الناس في جر وحفظ المياه من الضياع، يقول الباحث "أبو رايد": «على شاكلة بئر "جرين" يبدو أن السكان القدماء لـ "جبل العرب" و"حوران" والتخوم الجافة قد قطعوا شوطاً متقدماً في التحكم بالمياه السطحية والسيول وجرّها إلى البرك والخزانات المكشوفة، أو حفر الآبار في الصخر، بدليل الانتشار الواسع للبرك ووجود آثار تدل على قنوات قديمة كقناة "العفريت" في "وادي الشام" ومنطقة "النمارة"، وقناة "وادي اللوى" وقناة في منطقة "القريا"، وقد نجح الإنسان منذ القديم في جمع مياه الأمطار عبر سدود بناها في مجرى وادي "الإمباشي" ومطوخ (المطخ عبار عن برك كبيرة جداً غير مسورة بالحجارة، بعكس البرك) وآبار "اللبوة"، و"المرصرص"، و"الدياثة"، و"طفحة"، وخزانات "السويداء"، و"قنوات"، و"شهبا"، إضافة إلى جرَّ المياه من التلال البعيدة إلى هذه الخزانات والمطوخ عبر أقنية حجرية سايرت تعرجات الأرض الطبيعية وسقّفها بالبلاطات الحجرية لحماية المياه داخلها من التلوّث مثل بئر "جرين" التي كانت قناتها محمية بالحجارة، وبالتالي من كل أنواع التلوث».

بئر "داما" المجاورة