في خربة "مساكب" معبد فريد من نوعه يعود إلى القرون الأولى قبل الميلاد، يشبه إلى حد كبير معبد "بريكة"، غير أن الديانة التي اعتنقها أهلها غير معروفة...

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث الأثري المختص بآثار المنطقة الجنوبية "وليد أبو رايد"، بتاريخ 14 شباط 2014؛ الذي تحدث في البداية عن موقع "المساكب" وما طرأ عليه من تغييرات منذ نشأتها، ويقول: «أثناء المسح الأثري الذي قامت به البعثة الفرنسية لاستكشاف "حوران" مرّت بالخربة الصغيرة فعلمت بوجود كسر تماثيل، فأجرت برئاسة "ميكائيل كالوس" موسمي تنقيب خلال عامي 1997-1998 في أماكن مختارة كان قد سبقهم إليها لصوص التنقيب عن الآثار، وانصرفت جهود البعثة إلى الكشف على مبنى ديني كانت معالمه ظاهرة جزئياً مثل المدخل والمصلى والحرم، حيث يبدو أنه شيد نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الأول قبل الميلاد، ومورست فيه الطقوس الدينية حتى القرن الأول ميلادي، فكان المعبد في الأصل عادياً ويشبه معبد قرية "بريكة" كثيراً، ثم أجريت عليه منتصف القرن الأول الميلادي تعديلات وتجديدات معمارية وزخرفة تقليداً للمعابد اليونانية، وقد هجر الموقع على الأرجح عند خضوع المنطقة للرومان في عام 92 - 93 قبل الميلاد، وبقي مهجوراً حتى أيام الأيوبيين والمماليك الذين أولوا "حوران" اهتماماً خاصاً».

إن شكل وأطلال الخربة المغايرة لما هو معروف من العصر اليوناني يعود إلى عصر أقدم، وهو العصر الحديدي الذي معلوماتنا عنه ضحلة جنوب "سورية"، والذي يتصل مباشرة بالعصر الهلنستي دون انقطاع، وعلى أية حال تعود آثار "مساكب" إلى العصر الآرامي النبطي والهلنستي الروماني والأيوبي، ويوحي الاسم بأنه عربي مثل "مجادل" ويعني الموقع الذي تنسكب فيه المياه، وهذا وصف لحال الموقع الذي تنسكب مياه الأمطار في بركة، ومع ذلك نفضل أن يكون الاسم آرامياً (مشكب) ويعني الحصن المنيع

ويتابع وصف المعبد: «المعبد مستطيل الشكل ما بقي منه واجهته الشرقية، وتحوي المدخل الرئيسي للمعبد حيث الباحة والمذبح ثم عتبة مدخل المصلى الذي تهدم، وبقيت أرضيته المبلطة والمزوقة التي تعود إلى مرحلة التجديد، إضافة إلى الجدران الصامدة، وقد تم الكشف على الواجهة والمدخل الذي يتم الوصول إليه من الجنوب ويتداخل جدار المعبد الشمالي مع الحي السكني في الشمال المحاط بسور استفاد منه الرعاة، وبنيت الواجهة الرئيسية بعناية فائقة، ومكسوة بحجارة كبيرة مربعة تقريباً، مدماكها في الأسفل لوحات مزوقة، وعرض المدخل 1.50م زود بفرزات وجعدات لتلقي درفات الباب الخشبية، إذ ليس هناك دلائل على أبواب (حلس) كما هو معتاد في المنطقة، ووضع حجر النحر تحت نهاية الفرزة والجعدة ما يدل على توافقهما وتعلقهما ببعضهما بعضاً، كما بنيت الواجهة بدقة وإتقان، ويميزها رأس ثور أو عجل إلى يمين الباب الشمالي بين حجرين كبيرين وفوق قاعدة أعدت خصيصاً لذلك، وقد زينت بعض الحجارة بقرص الشمس والأشعة، ونقش عدة جمل كتابية قصيرة على الحجارة بعضها في موقعها الأصلي عند الزاوية الجنوبية وفوق صفح الباب الجنوبي، وهي أسماء أشخاص آراميين، وتعود إلى فترة ما بين القرنين الثاني والأول قبل الميلاد وهي متلازمة مع المرحلة الأولى للمعبد وفيها كلمات دينية تعبدية، والواقع أن الواجهة هي عبارة عن لافتة جميلة تدل على المعبد الذي لا يُعرف إلهه. وقد يدل عليه رأس العجل الذي هو رمز من رموز رب الطقس».

تمثال من الخربة في المتحف

أما عن المذبح، وما وجد فيه فأكد أنه كُشف في مكانه الأصلي بالباحة محاطاً بدعامة من الحجارة الصغيرة لتثبيته، وينتصب خلفه محل شعائري عاث به اللصوص تخريباً، وعثر فيه على تماثيل وعشرين شاهدة منحوتة ومزخرفة بأشكال تلفت النظر وتستحق الاهتمام، ويوحي شكلها بأن لها وظائف دينية شعائرية مناسكية، وقد يخيل للمرء أن العملية مدبرة ومقصودة. وكانت البلاطات سقف للحجرة، وكسرت الشواهد قصداً ليسهل اقتلاعها واستمرار أعمال الحفر، ولحسن الحظ تخلوا عن الاستمرار في العمل بعد أن أصبح في نظرهم عديم الفائدة، ونقلت الكسر إلى متحف "السويداء" حيث جمعت ورممت».

وعن المنحوتات والمواد المستعملة يقول: «إن اختيار المادة الخشنة لصنع الشواهد والتقانة في تزويقها خاصتان لافتتان للنظر، فتبدو زخارف الحجارة التي تميزها زوايا بارزة رشيقة منحنية، والوجوه المحدبة نقشت بخفة أو بقيت بارتفاع الفراغات في الوجه الخشن الناتجة عن استعمال مدق أو منقار صواني في النحت أو في النقش بحسب قول المختصين، وهذا ما نراه في بعض منحوتات "إيبلا" و"عين دارة"، ويعد الاقتصاد في براعة النقوش ما فرضه استعمال نوع من البازلت ذي المسام والخشن، الذي يكون نحته أسهل من البازلت الناعم الذي يفضله النحات بشكل خاص في نقوش المباني والمنحوتات التي تستخدم فيها أدوات النحت الحديدية، وقد استخدمت هذه الطريقة في نحت حجارة ونقوش المبنى الديني هذا قديمه وحديثه، كما أن أسلوب نقش المنضدة هو نقش خفيف غير عميق ويتألف من شريط هندسي على شكل صليب مائل وخطوط متعرجة تنساب في تتابع سلس، أما الصور فهي رموز دينية (شمس ورؤوس عجول وثعبان)، وليس لهذه الزخارف مثيل في جنوب "سورية"، وروعة وشكل هذه الآنية وتنفيذ الزخارف التي تشير إلى طبيعتها أو وظيفتها الدينية والمكان الذي تحتله في أقصى المعبد وراء المذبح وتواجه المدخل، يضاف إليها التماثيل والنذور كل هذه تشير إلى وظيفة المنضدة التي هي لتقديم الأضحية».

القوس الرئيسي في المعبد.

وعن التماثيل الموجودة في متحف "السويداء"، التي عثر عليها في الخربة، يقول: «هي أربعة أصنام بشرية عثر عليها بين الأنقاض المؤلفة من حجارة مزوقة، ويُحدد شكلها من خلال رؤوسها البشرية، واحد منها فيه أعضاء تشريحية تامة الوضوح (الوجه مع العينين والأنف والفم والصدر والعضد)، ومثل هذه الأصنام غير معروفة في منطقة "حوران" ويبدو أنها تعود إلى العصر البرونزي في "سورية وفلسطين"، إضافة إلى تمثال عجل خشن مرتبط بموكب الآلهة كان ينتصب على ما يظن فوق منضدة النذور، وهناك محراب قوسي من حجر واحد معد ليوضع في جدار، ويضم صنماً من نفس النوع في أرضيته فرضة جانبية، وبيت الرب هذا الذي يبدو كأنه (من خلال التقانة والزخارف والنحت بالأدوات المعدنية والزخارف النباتية البسيطة) نسر باسط جناحيه يتوج المحراب، وهو مألوف في المنطقة، ومحراب آخر مهشم ومذبح مزوق بالنسور».

وتحدث الدكتور "علي أبو عساف" الباحث المعروف بآثار المنطقة الجنوبية عن المعبد في خربة "مساكب" بالقول: «إن معبد خربة "مساكب" أقدم من معبد "بعل شمين" في قرية "سيع" الذي يعود بناؤه إلى عام 33 قبل الميلاد، واعتبر وقت اكتشافه أقدم شاهد على المباني الدينية في "حوران"، ويمثل مخططه عملاً محلياً بامتياز تأثرت نقوشه وتقانته بالأساليب اليونانية، بينما خلا معبد "مساكب" الأصلي من تأثيرات مشابهة، ويُنظر إليه وإلى محتوياته والمنحوتات البدائية البسيطة فيه وتقانة إعداد أحجاره وأسلوب بنائه على أنه استمرار للتقاليد المحلية في بلاد الشام، وتمثل السرج المستوردة من "أفيس" التركية أقدم المواد في الموقع وبواسطتها يؤرخ المعبد، ويبدو أنه يحوي متناقضات تشير إلى تيار تغييري بدأ في "سورية" مع العصر الهلنستي وشمل النواحي الحضرية والسياسية والاقتصادية كقلعة "السويداء"، ويبقى شيء هام يصعب تفسيره أن نقوش الشواهد التي تتمتع بخصائص محلية قد تتقارب مع فن النحت قبل تأسيس المقاطعة العربية وربما هو مرحلة بين المرحلتين في المعبد».

من اللقى الأثرية في المعبد.

ويضيف: «إن شكل وأطلال الخربة المغايرة لما هو معروف من العصر اليوناني يعود إلى عصر أقدم، وهو العصر الحديدي الذي معلوماتنا عنه ضحلة جنوب "سورية"، والذي يتصل مباشرة بالعصر الهلنستي دون انقطاع، وعلى أية حال تعود آثار "مساكب" إلى العصر الآرامي النبطي والهلنستي الروماني والأيوبي، ويوحي الاسم بأنه عربي مثل "مجادل" ويعني الموقع الذي تنسكب فيه المياه، وهذا وصف لحال الموقع الذي تنسكب مياه الأمطار في بركة، ومع ذلك نفضل أن يكون الاسم آرامياً (مشكب) ويعني الحصن المنيع».