إلى الجنوب الغربي من مقبرة "أحمد رافع" الأرضية وعلى مسافة نحو 25 متراً منها، تم الكشف عن مبنى دائري الشكل تبين أنه مقبرة أثرية ظهرت فيها حجرات وثلاثة طوابق ولقى متعددة...

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث الأثري "وليد أبو رايد" بتاريخ 4 شباط 2014؛ الذي تحدث كيف تم الكشف عن مقبرة "السويداء" الثانية، ويقول: «بدأت البعثة الوطنية العمل اعتباراً من 20 آب 2005 حيث ظهرت جدران البناء كاملة، وهي تشكل دائرة كبيرة قطرها الأبعد 12م، ومن الداخل تشكل مربعاً تاماً مدخله من الشرق، يتوسط البناء قاعدة عمود منحوتة بشكل جيد ومتقن، ويبدو أنها منقولة من موقع أثري آخر في فترة إشغال لاحقة للمبنى، وهي تشبه الطراز النبطي المحلي في المنطقة، يحد هذه القاعدة من الغرب حجرة مستطيلة تشغل كامل الجزء الغربي من المبنى، كما تقوم على نهايتي جداريها الغربي والشرقي ميازين لحمل ربدات السقف، وهي من النوع الكبير والمزدوج أي إنه مخصص لحمل ثقل كبير جداً يتمثل ببلاطات السقف، وربما طابق ثانٍ على ما يبدو، إضافة إلى قاعدة العمود التي تقوم في منتصف الجدار الشرقي، وكأنها تخترق الميازين والجدار حيث نلاحظ قاعدة مربعة منحوتة، ولكن بشكل أقل دقة تحت القاعدة مباشرة، وتحت الأخيرة قاعدة مكعبة ضخمة جداً وتحتها كذلك، ما يوحي أن القاعدة في غير مكانها، حيث لا يمكن تحميل الربدات على الجدار أو ميازينه في نقطة بناء القاعدة التي تفصل بين الحجرتين الغربية والشرقية التي يتضح سقفها من خلال الربدات المتوضعة في مكانها».

يتم الدخول إلى الطابق الثاني من الشرق بدرج، وقد بني من الخارج بنفس نوعية حجارة الجدران الخارجية للبناء ككل، وكانت حجارته من الداخل أحسن بصورة عامة حيث جاءت أصغر ومشذبة وموجهة، ولكن اللافت للنظر وجود طبقة من الطينة الكلسية على الجدران نراها بوضوح من الداخل، وبمساحات جيدة على جدران المدخل الداخلية، وفي عدة نقاط من جدران وزوايا الحجرة الغربية، والبناء من الخارج محاط برصيف من حجارة الدبش صغيرة الحجم والمرصوفة فوق التراب العادي، وهي بلا شك من زمن لاحق للبناء، ولا يبدو أنها طريق؛ حيث لا يبدو في مقطعها آثار رص نتيجة السير فوقها، وقد أعطانا عمل (سبرين) في الشمال والجنوب تصوراً حول هذا الرصيف المحدث لغرض غير معروف، ويبدو أنها ناتجة عن تهدم الجدران

وعن الطابق الثاني من المقبرة وما تحتويه، يتابع: «يتم الدخول إلى الطابق الثاني من الشرق بدرج، وقد بني من الخارج بنفس نوعية حجارة الجدران الخارجية للبناء ككل، وكانت حجارته من الداخل أحسن بصورة عامة حيث جاءت أصغر ومشذبة وموجهة، ولكن اللافت للنظر وجود طبقة من الطينة الكلسية على الجدران نراها بوضوح من الداخل، وبمساحات جيدة على جدران المدخل الداخلية، وفي عدة نقاط من جدران وزوايا الحجرة الغربية، والبناء من الخارج محاط برصيف من حجارة الدبش صغيرة الحجم والمرصوفة فوق التراب العادي، وهي بلا شك من زمن لاحق للبناء، ولا يبدو أنها طريق؛ حيث لا يبدو في مقطعها آثار رص نتيجة السير فوقها، وقد أعطانا عمل (سبرين) في الشمال والجنوب تصوراً حول هذا الرصيف المحدث لغرض غير معروف، ويبدو أنها ناتجة عن تهدم الجدران».

لقى فخارية في قلب المقبرة.

ويتابع وصف الطابق السفلي، ويقول: «يتألف بشكل أساسي من حجرتين غربية وشرقية يفصل بينهما كما ذكرنا قاعدة العمود المركزي، الحجرتان طويلتان باتجاه جنوب شمال، مدخلهما من جهة الجنوب، في مدخل الحجرة الغربية لم نعثر على الباب (ربما مازال مدفوناً تحت أنقاض العقار المجاور من الجنوب)، إنما المدخل طويل وسقفه من الربد العادي غير المنحوت تعرضت نهايته الشمالية وأجزاء منه في الجنوب لانهيار الربدات، ينتهي بدرجتين تنتهيان إلى أرضية الحجرة المبلطة ببلاطات بازلتية غير مستوية السطح حيث تحتاج لتسوية سطحها إلى مادة طينية، بنيت جدرانها من حجارة ضخمة غير منحوتة وغير منتظمة في مداميك واضحة، سدت الفراغات المتكونة بين حجارة الجدران بشظايا الحجارة والصر، وتمت كسوتها بالطينة الكلسية المشابهة لطينة مدخل الطابق الثاني، تنتهي جدران الحجرة من الأعلى بميازين مزدوجة كبيرة وقوية لحمل السقف الثقيل الذي كان قوامه الربدات البازلتية الطويلة التي لم نعثر على أي منها؛ ربما لأن السكان المحليين قد أخذوها واستخدموها في أبنيتهم».

أما عن أعمال التنقيب واللقى، فتحدث الأستاذ "حسين زين الدين" مدير دائرة الآثار الذي كان يشغل وقتها رئيس شعبة التنقيب في المديرية، ويقول: «على عمق يقارب ثلاثة أمتار وصلنا في نهاية الطبقة الثالثة إلى طبقة عظام مؤلفة من مجموعة من الهياكل العظمية شبه الكاملة، وجميع هذه الهياكل رؤوسها باتجاه الغرب وقد مددت الأجسام بشكل سيء نحو الشرق، تندر اللقى الفخارية بين العظام باستثناء بعض الأزرار والكسر البرونزية والفخارية، إنما بعد عمل سبر صغير في هذه الطبقة وجدنا أن الدفن كان سابقاً في عصور أقدم؛ حيث نلاحظ بشكل عام وجود ثلاث طبقات من العظام أعطينا السطحية رقم 1، والثانية رقم 2، والثالثة رقم 3، إلا أن الطبقتين 2 و 3 لا يمكن استخلاص أي أجزاء عظمية كاملة منها حيث التلف الشديد الناتج عن الدفن الطويل والرطوبة، إلا أن الطبقة 2 هي الأغنى باللقى الأثرية كالسرج الفخارية والأساور والخواتم البرونزية، وبعض كسر الحلي البرونزية، والخرز المصنوع من العجينة الزجاجية المحلية، إضافة إلى قرط ذهبي صغير الحجم خال تماماً من الزخارف، بعد الانتهاء من رفع الطبقات سابقة الذكر وصلنا إلى الأرضية الحجرية المؤلفة من حجارة كبيرة مشذبة السطح ومرصوفة إلى جانب بعضها بعضاً دون فراغات، إلا أن سطحها غير مستوٍ، وعلى جانبي الدرجات نلاحظ استمرار الطينة الجدارية التقليدية حتى الأرضية في الأسفل وعلى كثير من أجزاء الجدران».

العمود الدائري الذي يمتد نحو الأسفل.

وتابع يصف الحجرة الشرقية، وأهم لقاها: «في السبر الذي أجريناه أمام المدخل المنحوت عثرنا على سرج فخارية مشابهة لمعظم السرج التي عثرنا عليها في بقية أجزاء المقبرة، وبعض الكسر الفخاري العائدة لآنية متنوعة. إنما كثرة الردميات خلف درفة الباب دعتنا للعمل من الجانب الشمالي المقابل حيث انهيار جزئي للسقف عند نهاية المدخل الشمالية وبداية الحجرة، بيّن لنا هذا العمل المدخل كاملاً وماهية الأنقاض حيث تضم بقايا عظام بشرية، وتابعت البعثة أعمال الكشف على الجزء المتبقي من المقبرة الدائرية الكبيرة، فقامت بالكشف على المدخل الجنوبي المنحوت المؤدي إلى الحجرة الشرقية، وهي حجرة مشابهة للغربية في المساحة والتركيب العام، من حيث الجدران والسقف والميازين الحاملة للسقف واتجاه المدخل، كان المدخل كتلة حجرية منحوتة مؤلفة من باب حجري بدرفة واحدة تفتح للداخل باتجاه الشرق، الأجزاء المنحوتة هي (عضادتا) الباب الجانبيتان، والساكف والعتبة السفلية أما باقي الأجزاء فهي من نفس طراز حجارة المقبرة ككل، يرتفع المدخل نحو متر عند الجزء الجنوبي المنحوت، أما الجزء الشمالي فهو منخفض ويضطر المرء للانحناء كثيراً للعبور نحو الحجرة، وهو مشابه تماماً لمدخل الحجرة الغربية من حيث حجارة الجدران والسقوف الموجهة وغير المنحوتة، وكان بلاط الأرضية عادياً، مع وجود طينة الجدران الكلسية في كثير من الأجزاء، يوحي التركيب العام لجزأي المدخل بأن القسم الجنوبي الخارجي والأكثر ارتفاعاً منقول من مكـان آخر ومركب في هذا الموضع، حيث نلاحظ أن لساكف الباب صاغرين اثنين، بينما له درفة واحدة فقط».

المقبرة قبل الكشف عنها من الخارج.