تبرز قيمة المدافن المكتشفة في آثار تل "دبة بريكة" الواقعة إلى الغرب من مدينة "شهبا" في التعرف على العادات المتبعة في العصور القديمة، وكشف أسرار دفينة تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث "وليد أبو رايد" المتخصص في آثار المنطقة الجنوبية بتاريخ 27/9/2013 الذي تحدث بدايةً عن المدفن الأول المُكتشف في "الدبة" التي تعود إلى عصر "البرونز" الوسيط، فقال: «يقع هذا المدفن شمال السور من الداخل وهو مبني من حجارة "الدبش" الكبيرة والمتوسطة على "مدماك" واحد بارتفاع (1)م، له مدخل من جهة الشمال يفضي إلى فراغ واسع تكثر فيه بقايا المواقد الفخارية وتنتشر حوله نواتج الاحتراق، كما عُثر في المدفن على بقايا هياكل عظمية مخرّبة تعود إلى يافع ورجل مختلطة بالرماد وكسر الفخار، مع عظام حيوانات عاشبة على الأغلب، ما يدل على أن المدفن تعرض للتخريب في وقت ما».

في طبقة الدفن الرئيسية أي الثانية، تم العثور على أوانٍ فخارية هامة، وهي أباريق الزيت الفاخرة المزوّقة بخطٍ زخرفي ناعم مطعم عند العنق والكتف، وأواني لها بطن منتفخ ودون كعب غالباً عنقها رفيع ينتهي بفوهة مستديرة وهي بعروة واحدة، إضافة إلى كسر جرة كبيرة وقدر وقصعة أو أكثر، وجعل من عجينة زجاجية عليها إشارات "هيروغليفية"

ويشير إلى التنوّع الكبير الموجود في لون ونوع التراب داخل المدفن، حيث إنه مختلف عن التراب الموجود في التل فهو إما من مكان ما خارج المنطقة أو ناتج عن تحلل مواد عضوية غير معروفة فيه، حيث يُعتقد أنه كان يتم نثر بعض أنواع الأتربة حول "التابوت الفخاري" بغية الحفاظ على قدسية المكان وطهارته.

الباحث "وليد أبو رايد" في المدفن

وعن باقي الاكتشافات في المدفن الأول يضيف "أبو رايد": «في طبقة الدفن الرئيسية أي الثانية، تم العثور على أوانٍ فخارية هامة، وهي أباريق الزيت الفاخرة المزوّقة بخطٍ زخرفي ناعم مطعم عند العنق والكتف، وأواني لها بطن منتفخ ودون كعب غالباً عنقها رفيع ينتهي بفوهة مستديرة وهي بعروة واحدة، إضافة إلى كسر جرة كبيرة وقدر وقصعة أو أكثر، وجعل من عجينة زجاجية عليها إشارات "هيروغليفية"».

وعن المدفن الثاني يقول: «يقع إلى الشمال من الأول، وعند حافة مدخله من الغرب، وهو مدفن أرضي في "تابوت فخاري" يتجه غرب شرق، وتم العثور داخله على هيكل كامل لطفل يبلغ من العمر عشر سنوات تقريباً، وقد دفن بوضعية القرفصاء وأُلقيَ على جانبه الأيمن، ويتجه وجهه نحو الجنوب ويضم يديه أمام صدره فوق ركبتيه المثنيتين، واستند رأسه إلى إبريق زيت تكسَّر نتيجة انهيار الأنقاض فوق التابوت، وعند قدمي الطفل تم العثور على جمجمة لطفل آخر لكنها بلا فكّه السفلي، ولم يُعثر على لقى ضمن هذا التابوت، وتجدر الإشارة إلى أنه وُضع مباشرة على التراب دون رصفة حجرية أو أرضية من الطين أو ما شابه».

الكشف عن المدفن الرابع

أما عن المدفن الثالث، فأضاف: «يقع إلى الغرب من الثاني، وهو محدد بـ"مداميك" حجرية تشبه أسلوب المدفن الأول، إلا أنها أقل ارتفاعاً، وتم العثور ضمنه على مجموعة من أباريق الزيت وقدر مزخرف بشريط معرج سميك له ثلاث عُرا تنطلق من الفوهة الواسعة إلى الكتف، إضافة إلى جرة متوسّطة الحجم في مكانها الأصلي تبين لاحقاً أنها مدفن لعظام طفل وحيوان أليف (ربما كان حيوانه المفضل أو الأضحية الخاصة بطقس دفنه في هذا المكان)، وقد أحيطت الأواني الفخارية وخاصة جرة الدفن تلك بتراب نظيف برتقالي فاتح مجلوباً من مقلع مجاور، مع كم هائل من العظام البشرية والحيوانية المسحوقة التي يبدو أنها تعرّضت إلى حرق مسبق في غير هذا المكان، فليس هناك آثار دخان حريق على الحجارة أو الأواني الفخارية رغم العثور على كميات كبيرة من الرماد، وفي هذا المدفن ظاهرة معمارية مميزة، وهي بقاء إحدى "ربدات" السقف البازلتية في مكانها، وهي شريحة من البازلت غير موجهة أو مشذبة وضعت عند الزاوية الجنوبية الشرقية، تم تدعيمها بشكل مؤقت إلى حين الانتهاء من تنقيب المدفن وتوثيقه إذ لا يمكن المحافظة عليها في مكانها بعد رفع مجمل الأنقاض في المدفن لأنها استندت بعد انهيار السقف بالكامل على الأنقاض الترابية».

وبشأن المستودع المكتشف تابع بالقول: «عند الزاوية الشمالية الغربية من نفس المربع كُشف عن مستودع بيضوي الشكل مبني على "بانية" واحدة من "الدبش"، رصفت أرضيته بحجارة "الصر" الصغيرة، وهو بلا مدخل أو باب إنما استخدامه (تعبئة وتفريغ) كان يتم من الأعلى، وتم العثور ضمنه في جانبه الشمالي وتحت مستوى الأرضية على "تابوت فخاري" يشبه باقي التوابيت السابقة لكنه مهشَّم تماماً ويحوي عظاماً بشرية بلا لقى مرافقة».

طريقة دفن الأطفال.

وعن الاستفادة من هذه المعلومات، وما يمكن التوصل إليه من نتائج، تحدث الباحث "عدنان مكارم" المهتم بآثار المنطقة، والمقيم بجوار "الدبة" في قرية "بريكة" قائلاً: «هذه العادات في الدفن تعود بنا لما كان يفعله الفراعنة الذين عاصروا سكان "دبة بريكة"، كما تثبت المراسلات بين الفرعون المصري وملوك "الدبة"، وكانت التجارة المتبادلة بينهما دليلاً على تشابه العادات، ويكمن ذلك في الديانات "الوثنية" التي تتبع طقوساً معينة في الدفن، لكن موضوع دفن الحيوانات مع الإنسان يحتاج إلى دراسات معمقة في التاريخ والآثار لمعرفة الحكمة من ذلك الأمر الذي يفتح باباً واسعاً لديانة قد تكون غير مكتشفة عن هؤلاء السكان الذين كانوا في العصر "البرونزي" الوسيط من أهم شعوب المنطقة».