تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من "اللجاة". في وسطِ مسطّحٍ صخري، تشكّل من السيل البركاني. السبيل إليها صعب حتى على المشاة. يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 846 متراً، وترتفع حوالي 8- 10 أمتار عن محيطها. تبلغ مساحتها خمسة هكتارات تقريباً.

صنِّفَت "لبوة" على خرائط الجيش الفرنسي من عام 1920 في عداد الخرب الرومانية. إلا أنّه في عام 1980 حين زارها المختصون أدركوا أهميتها وصنفوها في عداد مواقع البرونز القديم. وإلى الشمال الشرقي منها يوجد معسكر يعود إلى عصر البرونز الوسيط. وإلى الشمال الغربي يوجد بئران للماء من المفروض أنهما كانا يزوّدان المدينة بالماء إلى جانب البرك والمطوخ.

على المستوى الإقليمي تبقى "لبوة" حالة فريدة في العصر البرونزي القديم. وفي هذا العصر نجد أن عدد المواقع الأثرية المعروفة فيه قليل نسبياً في جنوب سورية والأردن، وهي ليست بحجم "لبوة". وفي المنطقة الممتدة على حوض اليرموك تقع مثل هذه المواقع التي تتشابه مع خربة "الزيرقون" على بعد مئة كيلومتر إلى الجنوب الغربي. إن ظاهرة التحضر وتنوّع المباني وأحجامها يدلان على تحول اجتماعي تجسده" لبوة". وخلال العصر البرونزي القديم يصبح عدد المواقع أكثر وتبقى "لبوة" مميزة من خلال تحصيناتها وعظمة عماراتها

مدونة وطن eSyria التقت الباحث الأثري "وليد أبو رايد" يوم الأحد الواقع في 15/9/2013 وهو المختص بآثار المنطقة الجنوبية، حيث تحدث بداية عن الموقع الجغرافي وتضاريس المدينة فقال: «شُيّدت المدينة فوق صبة بازلتية واسعة مسطحة تحيط بها بقعة مستوية. تشبه هذه الصبة شكل جلد ثور محيطه مدوّر، تبلغ مساحتها حوالي 3.5 هكتارات صالحة للسكن يحيط بها سور منيع بنيت داخله اغلب المساكن باستثناء عدد منها في الجهة الشمالية الشرقية خارجه.. تنحدر سفوح الصبة حوالي 40 إلى 60 درجة ويبلغ عرضها من 10- 20 م ويخف هذا الانحدار في الجهة الشمالية والشمالية الشرقية. في مركز المدينة انهدام أو تجويف صخري طبيعي بعمق جيد يبلغ حوالي 8 أمتار، استخدم كبركة لجمع مياه الأمطار. إلى الجنوب من الصبة انهدام طبيعي كبير، ومنخفض بمساحة بضع مئات من الأمتار. في الجنوب الشرقي برزخ صخري عرضه 12م يخفف الاتصال بين الصبة والمحيط المؤلف من اللحف البازلتية أي إنّه يمثل صبة بازلتية واسعة جداً. ومن خلال دراسة الفخار في هذه الخربة تبين أنها تحتوي على سويتين أثريتين: الأولى تعود إلى عصر البرونز الوسيط والثانية والأهم تعود إلى عصر البرونز القديم».

السور الشرقي المنيع.

أما عن السور الكبير، فوصفه بالقول: «هو جدار منيع فيه ثلاثة مداخل، واحد في الجنوب الغربي يقابله آخر في الشمال، وثالث في الجنوب الشرقي. وهو مستمر بارتفاع يتراوح من 2- 10 أمتار. يمتد السور بارتفاع وسطي بين المتر والمترين. تعزز دفاعاته أبراج ودعامات بارتفاع يتراوح من 2- 10 أمتار. يمتد السور فوق نقطة انكسار السفح في الجنوب إلى الغرب وإلى الشمال الغربي وعلى السفح في الجهة الشرقية، ويتراجع عن هذا الخط مقدار 2- 5 أمتار في الشمال والجنوب الشرقي. واستفاد المصممون من السفوح الصخرية الطبيعية المنزلقة لينزلق من فوقه المهاجمون.

أما في الجنوب فقد أقيم جدار آخر أمام السور عند نهاية السفح، ويبدو أن الجزء الجنوبي الشرقي منه هو الأكثر حفظاً ومتانة، وما زال يرتفع وسطياً من 3- 4 أمتار فوق السطح. وقد دعم بأربع أعمدة بارزة من الخارج من 2 - 3.5 أمتار، وبطول 12- 32 متراً. أما من الداخل فدعم بكتل تلتصق بالسور، عددها ثمانية، جوانبها الثلاثة غير منتظمة يبلغ عرضها ضعف عرض السور وزيّنت بالأبراج الدفاعية. واجهته من 3- 3.58 أمتار. وقد دعم السور الجنوبي بجدار أقيم عند نهاية السفح، ويتألف من مصطبة ممتدة ترتفع فوق جدار بارتفاع 3- 4 أمتار. قسّمت إلى خمس (عضادات) عمودية على السفح منها اثنان مربعان قد يكونان برجين. أما الجزء الغربي من هذا الجدار الداعم فيمكن الوصول إليه من البوابة الجنوبية الغربية.

البرج الرئيسي المتهدم.

تقود (ترعة) إلى ممر يقطع برجاً صغيراً يتحكم بالطريق العابر من البرج الأعلى إلى الأسفل أي إلى الجدار الداعم. يُشكِّل الجدار الأمامي في أقصى الجنوب الغربي مستطيلاً يحوي جرفاً صخرياً يتراصف كالجدار إياه ويشكّل درعاً لحماية البوابة. ويمكن الوصول إلى قمة السور بواسطة ثلاثة أدراج تتألف من درجات طولانية أدخلت في الجدار وتبرز عنه قليلاً.

يحيط جزء من السور الجنوبي الشرقي بالحي المقدس أو القصر وهذا الجزء ذو ارتفاع منخفض يشير إليه بقايا برجين في الشرق ومتراس يحيط بالزاوية من الجنوب وبجزء من ضلعها الشرقي. أما الجدار الشمالي لهذا الحي فهو مزدوج وفيه بوابة تسمح بالوصول إلى هذا الحي. كما يوحي الجزء المتهدم من السور الممتد من البوابة نحو الشمال الغربي بوجود متراس به من الخارج. في أقصى الشمال من هذا الجزء المتهدم بقيت آثار معمارية لها وظيفة دفاعية خاصة. أعدت حجرتان صغيرتان في الزاويتين المنحنيتين في الجزء الشمالي الشرقي بارتفاع السور».

مخطط لبوة.

وعن كيفية الوصول إلى الموقع، قال: «نظِّم الدخول إلى المدينة عبر بوابة في الشمال وأخرى في الجنوب الغربي وثالثة في الشرق خاصة بالحي الملكي أو الرسمي. يشبه الممر عبر البوابة الشمالية السهم بطول 1.90 متر، ويخترق السور في هذا الموضع القسم الظاهر من الجدار وطوله 8 أمتار يتراجع حوالي المتر بالنسبة إلى الآثار الباقية من السور. نعبر البوابة إلى قاعة 2×3.60 أمتار، ثم ننعطف إلى اليسار لنبتعد إلى المدينة. يتصل بهذه البوابة شارع يخترق الحي الشمالي.

يبدو أن البوابة الشمالية الشرقية هي أكثر تعقيداً من غيرها حينما يتجه المرء نحوها قادماً من الخارج من خلال سبيل بعرض 1.50 متر. يعبر أول باب بعرض 1.60 متر. أقيم خلال المتراس ثم ينعطف نحو اليسار ثم اليمين ومرة أخرى نحو اليسار ليمر خلال المنشآت الدفاعية للسور وهي برج أصم بطول 15 متر. وعرض من 2- 5 أمتار بالواجهة داخل السور، أما الممر داخل البرج فهو بعرض 2.50م ومسقوف. وعندما يدخل المرء إلى المدينة يواجه جدار بيت، وحركة سير دورانية ضيقة حوالي مترين أو أقل حول الجدار.

نظّم العبور خلال البوابة الشرقية بوساطة ممر على شكل زاوية قائمة داخل برج متقن البناء. تتراجع واجهة البرج عن السور حوالي 3 أمتار. البابان المتتاليان كل منهما بعرض 2.5 متر. وبينهما قاعة أبعادها 7.50×3.50 أمتار. ومازال فيها (العضادات) الحاملة للسقف ومنها يخرج المرء عبر الباب الثاني إلى باحة بطول 15 متراً، وعرض 5 أمتار موازية للسور، وشرقها تنتشر المنشآت السكنية وغيرها».

أما عن الحي الملكي أو الرسمي، فتابع: «يضم مبنيين منعزلين عن أحياء الموقع في الجنوب الشرقي من المدينة ويميزهما أسلوب وتقانة البناء والتشييد. في الشمال مبنى يتقدمه رواق ينفتح نحو الشرق، ليصل إلى قاعة غير مستقيمة يحمل سقفها الأعمدة المربعة. عمق المدخل 2.50-3م وخلف هذا المبنى في الغرب مشيدات بجدران بمقاييس صغيرة مشتركة في وحدات معمارية تساوي ضعف الساحة المستثمرة. وإلى الجنوب مبنى آخر من نفس الطراز، ينفتح بابه نحو الشرق. يتألف من قاعة واحدة معمَّدة تلتصق بها من الجنوب قاعة أخرى. وتبرز نحو الغرب على القاعة السابقة، بنيت بتقانة جيدة، وقد وجد بداخلها ربدات السقف المنفذ على مبدأ الحامل والمحمول. تحيط ساحات بهذه المباني مهمتها الفصل بينها وبين السور.

في الغرب ساحة واسعة على جانبيها وحدتان معماريتان، وسلسلة من العمائر تمتد من البوابة الشمالية حتى السور الجنوبي. يحدُّ هذه السلسلة من البيوت في الغرب جدار ملتو يحدُّ جزءاً من التجمعات السكنية. وهو مشابه في تشييده الجدران العادية للبيوت وهو ليس تحصيناً وإنما حدٌ فاصل. وفي هذا الحي مبنى وربما كان في الحي معبد وقاعة اجتماعات وقصر».

في محاضرة كبيرة عن موقع "اللبوة" الأثري ألقيت في "باريس" أكد الدكتور "علي أبو عساف" الحديث عن الحي الملكي بالقول: «التنظيم المدهش للآثار، والتناسق في تخطيط المشيدات يحدو بنا للاعتقاد بأن المرء في "لبوة" قد بني وفق أنموذج موحد تبناه مجتمع تعاوني متحد يرشده ويشرف على تنظيمه الحي الرسمي. ونحن ما زلنا في بداية الدراسة للمباني القديمة والأخرى الأحدث التي تنتظم حجراتها حول باحة. ويلاحظ المرء في هذه الحالة الاختلاف الجوهري لهذا النسيج مع ذلك المركّب الذي يراه المرء في خربة "دبب" في التناظر في أحجام البيوت المركبة ليس تعبيراً عن مثال موحد لكل حي بل هو مخطط البيت نفسه المقلّد بتصرّف.

ويلاحظ الدارس أن التخطيط على هذا النحو لا يرتكز على تسهيل الحركة والتنقل إنما على ترتيب البيوت وتوزيعها واستغلال الفراغ بينها للحركة بوساطة أزقة وشوارع ليس فقط بين البيوت، إنما أيضاً بين الأحياء بتناسق يمثله ثلاثة شوارع تخترق المدينة. ومع ذلك يبقى تلاحم والتقاء هذا النظام ضعيف كما نلاحظه في حالة ربط البركة مع الشوارع. فبقيت مفتوحة على محيطها ليتمكن كل شخص من الوصول إليها فهي منهل عام لا يجوز استغلال محيطه المباشر.

نلاحظ تشابهاً عاماً في التحصينات بين "لبوة" وخربة "زيرقون" في الأردن! فوجود سور متواصل وقليل الارتفاع الذي يلف حوله ترتيبات دفاعية معينة مثل المتاريس والأبراج الداخلية والخارجية توحي بتقانة وأسلوب متشابهين في عقيدة أو خطة الدفاع. ويشير أيضاً إلى تقارب زمني وتحسينات متتالية كما نراها في "لبوة" فقط في السور. بدءاً من التشييد في المرحلة الأولى، وصولاً إلى التحسينات العديدة. تتشابه هنا وفي موقع "فارة" الشمالي المرحلة الأولى وموقع "أراد".

أما إقامة بوابات ضخمة في السور التي نعبرها خلال ممشى بمنعطفات، فيختلف عما نعرفه في المنطقة من بوابات معاصرة نعبرها من خلال ممرات مستقيمة عبر برج. إن نظام العبور المعقّد للدخول إلى تل "يرمون" كما في العصور اللاحقة يشابه "لبوة"، غير أن ضخامة وأبّهة البوابات في "لبوة" تبقى فريدة».

ويختم "أبو عساف" بالقول: «على المستوى الإقليمي تبقى "لبوة" حالة فريدة في العصر البرونزي القديم. وفي هذا العصر نجد أن عدد المواقع الأثرية المعروفة فيه قليل نسبياً في جنوب سورية والأردن، وهي ليست بحجم "لبوة". وفي المنطقة الممتدة على حوض اليرموك تقع مثل هذه المواقع التي تتشابه مع خربة "الزيرقون" على بعد مئة كيلومتر إلى الجنوب الغربي.

إن ظاهرة التحضر وتنوّع المباني وأحجامها يدلان على تحول اجتماعي تجسده" لبوة". وخلال العصر البرونزي القديم يصبح عدد المواقع أكثر وتبقى "لبوة" مميزة من خلال تحصيناتها وعظمة عماراتها».