قدمت مدافن تل "دبة بريكة" مجموعة رائعة من الأواني الفخارية المتنوّعة ذات الاستخدامات الجنائزية والمصنوعة من عجينة محلية ومزخرفة بأسلوب رائع بديع، مطعم بلون مغاير للون العجينة المصقولة غير الملونة، وبعض الأواني المشابهة غير المصقولة الملونة بالأحمر الباهت والكريم أو البرتقالي.

مدونة وطن eSyria التقت الأستاذ "وليد أبو رايد" المتخصص في آثار العصر البرونزي للمنطقة الجنوبية يوم الخميس الواقع في 6/6/2013 الذي تحدث عن أهمية اكتشاف هذه الأواني الفخارية بالقول: «من خلال هذه الأواني الهامة استطعنا تأريخ السوية التي عرفت من عصر البرونز الوسيط وكشفت نماذج منها في موقع "المتونة" و"بصرى الشام" و"الطيبة". والتي تنتمي إلى نمط تل "اليهودية" الذي يقع في دلتا النيل، والتي اكتشف فيه لأول مرة الأواني الفخارية المزخرفة والمطعمة والمؤرخة في عصر البرونز، وقد أطلق على هذه الأواني (نمط تل اليهودية)، وهو فخار محلي صنع في بلاد الشام وانتقل عبر التجارة إلى مصر حيث عثر عليه أول مرة هناك، وأرخ في عصر البرونز الوسيط 2100-1600ق.م».

صنعت الأواني المكتشفة في تل "دبة بريكة" من عجينة محلية رمادية اللون غالباً تكثر فيها الشوائب وذرات الرمل الأسود. سطحها صقيل لم تلون إلا نادراً، إنما زخرفت النماذج غير الملوّنة بالتطعيم بعد فتحها بأداة تركت آثاراً غائرة في صفوف متوازية ومتعامدة على كتف الإناء ملئت بمادة بيضاء مغايرة للون السطح الأساسي

وعن كيفية صناعة هذه الأواني، أضاف: «صنعت الأواني المكتشفة في تل "دبة بريكة" من عجينة محلية رمادية اللون غالباً تكثر فيها الشوائب وذرات الرمل الأسود. سطحها صقيل لم تلون إلا نادراً، إنما زخرفت النماذج غير الملوّنة بالتطعيم بعد فتحها بأداة تركت آثاراً غائرة في صفوف متوازية ومتعامدة على كتف الإناء ملئت بمادة بيضاء مغايرة للون السطح الأساسي».

فخاريات الدبة

وعن هذه النماذج الفخارية المكتشفة في التل، قال: «من اللقى الفخارية وجدنا الأباريق، وهي من أهم وأكثر الأواني الفخارية التي اكتشفت في مدافن سوية عصر البرونز الوسيط في التل، ولم يخل منها مدفن تقريباً سواء أكانت أواني كاملة أم كسراً منها. وهي ذات أحجام مختلفة كلها مطعمة بالطريقة التي ذكرناها باستثناء اثنين منها عثرنا عليهما في المدفن الأول، سطحها غير مصقول أو مصقول بشكل بسيط نفذت زخارفه بالألوان البرتقالية والكريم. ومنها واحد صغير صنع من عجينة سوداء قاتمة سطحه مصقول ومزخرف بالتطعيم».

وتابع قائلاً: «أنتجت الأباريق الفخارية بكثرة وانتشرت في أغلب المواقع في الجنوب السوري التي تنتمي إلى عصر البرونز الوسيط، حيث تنوعت أشكالها بين البيضوية، والكروية، والمتطاولة. واستخدمت تقنيات مختلفة في تنفيذ الزخارف على سطوحها. ولهذه الأواني نماذج متعددة منها الأباريق العادية غير المزخرفة والتي كشف عن نماذج مشابهة لها في موقع "العيس". والأباريق الملونة غير المصقولة فكان سطحها عادياً متوسط الخشونة غير ملمع ولا مزخرف. والأباريق ذات السطوح الملمّعة التي تعرضت للصقل الجيد ويميل سطحها إلى اللمعان قليلاً. وكذلك الأباريق من نموذج تل "اليهودية" المزخرفة بتقنيات متعددة مثل التلميع والتحزيز والطباعة والتطعيم».

رسومات لتوثيق الفخاريات في المتحف الوطني

وعن الجرار المكتشفة في المدافن، قال: «اكتشف منها نوعان الأول الجرار الكبيرة، التي استخدمت كتابوت لدفن الأطفال. وغالباً ما تألفت من جزأين السفلي وضعت الجثة فيه، والعلوي كان بمثابة الغطاء. ومنها النوع المتوسط المصنوع من عجينة محلية رمادية فاتحة، سطحه ذو لون احمر فاتح، زخرف بالحز بخط متعرج على الكتف. والذي دفن فيه جزء من الهيكل العظمي وأحيط بالتراب ذي اللون المغاير لتربة الموقع».

أما فيما يتعلق بالصحون والقصاع والسرج فأضاف: «تم الكشف على عدة قطع من هذا النوع من الأواني الفخارية، وهي قصاع فردية وصحون فتحتها واسعة خالية من الزخارف والألوان مصنّعة من عجينة محلية لونها رمادي فاتح صنعتها عادية مخصصة للاستخدام اليومي لذلك نجد أن الصانع لم يولها اهتماما زائداً. ونماذج السرج المكتشفة في تل دبة "بريكة" تندرج ضمن التقاليد العامة لإنتاج السرج الفخارية في الجنوب، والتي تعود لعصر البرونز الوسيط وتعتمد تقنيتها على إجراء انقراض وأكثر في فوهات الصحون العادية الصغيرة. وقد عثر على مثيلاتها في "لبوة" و"المتونة"».

مدفن تل "بريكة" من الفخار.

وعن العلاقة بين المفترضة في التقاليد والعادات المتبعة في سورية وفلسطين ومثيلاتها في مصر من خلال هذه الأواني، أكد الدكتور "علي أبو عساف" رئيس البعثة الوطنية إلى تل "دبة البريكة" بالقول: «إن فخار تل "الدبة" المكتشف في موسم 2006 هو من نمط فخار تل "اليهودية" الذي اكتشف مثيلاً له في موقع "المتونة" و"الطيبة" و"بصرى الشام"، وهذا النمط يحمل الكثير من الخصائص المحلية في تكوين عجينته الرمادية المخلوطة بالرمل الأسود بنسبة جيدة وبعض ذرات الرمل الأبيض والمصقول سطحه في اغلب الأحيان. وقد لوحظت الشوائب الترابية أو القش والتبن من خلال النظر في سطح الإناء أو في مقطعه. وكذلك نلاحظ أن الإنتاج الفخاري لمواقع جنوب سورية في عصر البرونز بشكل عام وخلال فترة البرونز الوسيط بشكل خاص قد تأثر بالتقاليد العامة السورية – الفلسطينية في تكوين الأشكال وتنفيذ الزخارف والرسومات الملوّنة أو المطبوعة أو المحزوزة على الأواني. لقد ساعد اكتشاف هذه الأواني الهامة في معرفة مدى تطور العلاقات التجارية بين سورية الجنوبية وفلسطين ومصر في هذه المرحلة المبكرة من تاريخ الشرق القديم.

في موقع تل "الدبة" اقترنت الأواني الفخارية من نمط تل "اليهودية" بالجعلان المصرية التي وجدت معها في نفس الطبقة ما يؤكد الصلات الوثيقة لهذا الموقع الذي شكَّل مركزاً حضارياً هاماً على الطريق التجارية التي تحاذيه من جهة الشرق، فقد وصلت علاقاته حتى وادي النيل ويؤكد ذلك ذكره في الوثائق المصرية».