تحاكيك من بعيد من بين سهول واسعة تلة تحمل بصمات "الغساسنة" الذين ازدهرت مملكتهم في هذه الرحاب التي تحمل اليوم اسم "المجيمر"، تلك القرية الجنوبية صغيرة الحجم ذات التاريخ العريق، المرتسم على تلتها وأبنيتها القديمة وعلى عدد كبير من المواقع التي ارتبطت بروايات التاريخ.

في زيارة لهذه القرية التي تبعد 16 كم عن مدينة "السويداء" يشدك جمال المنظر وغنى هذه التلة ويحرضك للبحث عن قصص الماضي التي كانت فيها "المجيمر" مملكة تفيض ينابيعها بالخير ومستقراً آمنا لقبائل عربية لقرون طويلة، موقع eSuweda كانت له وقفة مع أحد أبناء القرية ممن اختصوا بالتاريخ وجمعوا قصص وحكايا عن مواقع مازالت شاهداً على حضارة ازدهرت في هذا المكان الجميل.

عندما تصعد للبلدة القديمة المتوضعة على تلة "المجيمر" ستلاحظ أن ما هو موجود من منازل يستقر على منازل وأبنية قديمة من عصور مغرقة في القدم، إلى جانب المغر التي كانت مخصصة للسكن وهي عميقة وممتدة وقد يستهجن الزائر جمالها، لكنها للأسف غير مؤهلة، وبالتالي فوجود الآثار يعتبر أحد القضايا الشائكة التي تحتاج للدراسة وهي تتعرض لعوامل الطبيعة، لذا لابد من دراستها بشكل يسمح للأهالي بإصلاح ما يتهدم من البيوت واستثمارها بالسكن لأن جزء من المنازل هجر لهذه الأسباب، ومطلبنا بدراسة واقع القرية القديمة يبنى على ضرورة المحافظة عليها مأهولة تنبض بالحياة

العميد المتقاعد "محمود هايل الجباعي" درس تاريخ القرية وكان له عدد من الإصدارات التي تناول فيها تاريخ القرية حدثنا بقوله: «لابد للباحث في تاريخ "المجيمر" من البحث أولاً عن الاسم لأنه يقدم الكثير من المعلومات عن تلة كانت منارة توقد فيها النيران لتهدي التائهين، لأن معنى "المجيمر" المكان المرتفع الشاهق الصالح لأن يكون منبراً أو منارة توقد عليها النيران، فهذه التلة كانت معقل بنو "غسان" حيث تحيط بها السهول من الجهات الثلاث ومن الشرق هضاب وتلال أهلتها لتكون مقراً لقبيلة كانت تسمى "أزد" التي هاجر أهلها من الجزيرة العربية بعد سقوط سد "مأرب" ليخرجوا طالبين الماء والخضرة ولتحط بهم عصا الترحال في هذا المكان، الذي كان عبر التاريخ ملتقى لستة ينابيع منها نبع "عرى "و "حزز"، وبئرين على مجرى وادي "الزيدي" و"الدلافة" و"جهير بصرى" ويحيط بها سبعة وديان شكلت الثروة المائية ويبدو أن الشاعر "امرؤ القيس" قد مر بها في موسم الربيع حيث تحاط هذه التلة بالماء ليصفها بقوله:

العميد المتقاعد محمود هايل الجباعي

"كأن ذرى رأس المجيمر غدوة / من السيل والغثاء فلكة مغزل".

وفي هذا الموقع الكاشف استقر بنو "أزد" بعد أن حاربوا "الضجاغمة" سكان هذه المنطقة وانتصروا عليهم ليؤسسوا إمارة في عهد أميرهم "عمرو بن عامر ميزيقيا" ولتتحول لمملكة استقت اسمها من صفاء ونقاء مياه ينابيعها الذي وصف بالغساني وهو الاسم الذي التصق بهذه المملكة، التي اشتهرت بالزراعة وعشق أهلها العمل الزراعي الذي كان مزدهراً بحكم غنى تربتها والمياه الوفيرة، ومن الآثار الباقية والتي تدل على وجود هذه المملكة ما بقي من أبنية حجرية قديمة وما وجد من مغر تحفر باطن هذه التلة التي كانت تحمل اسم قلعة "المجيمر" إلى جانب تلة "غسان" التي تحدها من الجهة الشرقية والتي وجد فيها عدد كبير من المغر التي استخدمت كمساكن للأهالي الذين اشتهروا بالزراعة إلى جانب تصميم البرك التي كان يستحم بها الأمراء والملوك تحت ضوء القمر حيث كانت تطلى بالزئبق، وتحمل ذاكرتنا صورا جميلة لأيام الطفولة التي كنا فيها أطفالا نجمع من أحجار هذه البرك التي يغطيها الزئبق ومازالت بقايا هذه البرك موجودة لغاية هذا التاريخ».

منازل قديمة على سفح التلة

وعن هذه القرية التي كانت تقع على طريق الحج يضيف: «تظهر آثار البرك التي خصصت لسقاية القوافل القادمة من الجزيرة العربية لبلاد الشام جنوب القرية، بالقرب من خربة سميت "خربة وطر"، ففي هذا المكان كان تستريح القوافل القادمة من "بصرى الشام" لتتزود بالمياه في أرض سهلة ومن هنا جاءت كلمة تقضي وطراً وسميت لذلك بهذا الاسم فلان شرب حتى قضى منه وطراً.

ويحكى أنه مع إحدى القوافل قدم "أبي طالب" ومعه النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام وعندما شاهده الراهب "بحيرة" قال له: اهتم بهذا الغلام إنه لذو شأن عظيم، فكان الراهب بحيرة أول من بشر الرسول بالنبوءة في هذا المكان الذي يقع جنوب غرب "وطر" على طريق "بصرى الشام" وعلى أراضي قرية "المجيمر" على بعد 500 إلى 700 م جنوب القرية ولا تبعد أكثر من 2كم عن طريق "بصرى" يدعى الدير هذا الدير له قصة واسمه خلوة الراهب "بحيرة" الذي كانت تستأنس برأيه "فتاة غسان" ابنة الملك "الحارث الغساني" التي اشتهرت قصتها عبر التاريخ، وقد كرمت هذا الراهب وبنت له قصراً كبيراً وقد بنيت معظم منازل "المجيمر" القديمة من حجارة هذا القصر الذي تهدمت جدرانه مع مرور العصور».

إحدى المغائر التي تحمل فوقها منازل لازالت مأهولة

آثار القرية وما تمتلكه من مواقع يحتاج لدراسة متخصصة للتعريف بهذا التاريخ وتوثيقه، وأضاف الأستاذ "ثائر الأطرش" رئيس بلدية "المجيمر" قالئلاً: «عندما تصعد للبلدة القديمة المتوضعة على تلة "المجيمر" ستلاحظ أن ما هو موجود من منازل يستقر على منازل وأبنية قديمة من عصور مغرقة في القدم، إلى جانب المغر التي كانت مخصصة للسكن وهي عميقة وممتدة وقد يستهجن الزائر جمالها، لكنها للأسف غير مؤهلة، وبالتالي فوجود الآثار يعتبر أحد القضايا الشائكة التي تحتاج للدراسة وهي تتعرض لعوامل الطبيعة، لذا لابد من دراستها بشكل يسمح للأهالي بإصلاح ما يتهدم من البيوت واستثمارها بالسكن لأن جزء من المنازل هجر لهذه الأسباب، ومطلبنا بدراسة واقع القرية القديمة يبنى على ضرورة المحافظة عليها مأهولة تنبض بالحياة».