مدينة السويداء الأثرية لوحة من الماضي تعيش ضمن لوحة من الحاضر، وهيكل من التاريخ يختال في ثوب من الواقع المعاصر، والسويداء التي كانت تعرف في العصور القديمة باسم سوادا تعد

احد أهم المدن الأثرية في المحافظة حيث تقع على بعد 105 كيلومترات جنوب العاصمة دمشق فمن يزر مدينة السويداء ويَجُلْ في اروقتها وأزقتها القديمة ويطلع على معالمها التاريخية فسيطل عليه حتما وجه التاريخ بهيبته وجلاله وصمته الوقور.

eSyria التقت احد المهتمين بالآثار وهو السيد حافظ عزام فتحدث إلينا قائلاً:

الكنيسة الكبرى- الواجهة الغربية

المتتبع لتاريخ محافظة السويداء يرى أن هذه المحافظة شهدت على الأقل ثلاث مراحل للسكن الحضري خلال أربعة آلاف سنة السابقة لميلاد السيد المسيح: /الحجري النحاسي– البرونزي القديم– البرونزي الوسيط/ ومن المواقع المكتشفة والممثلة لهذه المراحل: /تل ظهير– خربة الأنباشي– خربة الهبارية– تل دبة بريكة/.

وما بقي في المحافظة من أوابد أثرية من العصور: /النبطي– اليوناني– الروماني– الغساني البيزنطي– الإسلامي/ فهي كثيرة نجدها في معظم مناطق وقرى المحافظة.

المسرح الصغير

اما مدينة السويداء فقد سميت خلال العصور القديمة /سوادا/ أي المدينة السوداء نتيجة طبيعتها البركانية وحجارتها السوداء، ثم أطلق عليها اسم /ديونيزياس/ خلال العصور الرومانية والبيزنطية نسبة إلى إله الخمر /ديونيزيوس/ الذي يقابله /ذو الشراة/ عند العرب الأنباط.

عرفت مدينة السويداء الحضارة منذ الألف الثالث قبل الميلاد وسكنها العرب القدامى خاصة زمن الكنعانيين والآراميين وكانت حينها جزءاً من مملكة باشان زمن الملك الكنعاني /عوج/ ثم سكنت من قبل العرب الأنباط الذين استطاعوا إخراج اليونانيين السلوقيين خلال القرن الأول قبل الميلاد كما سكنها العرب الغسانيون زمن الاحتلال البيزنطي وتركوا فيها حضارة متميزة، وفي نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر قدم السكان الحاليون للمدينة حيث هاجر إليها العديد من لبنان وفلسطين واستخدموا المباني والمنازل الأثرية القائمة وعدلوا بأقسامها وأضافوا عليها عناصر معمارية جديدة مستخدمين بذلك الكثير من الحجارة والزخارف الأثرية.

قوس الكنيسة الصغرى

لقد زار مدينة السويداء عدد كبير من الرحالة المؤرخين والآثاريين منذ القرن الخامس عشر وحتى وقتنا هذا نذكر منهم:

فيتزيشتاين (ألماني)- س.غراهام (إنكليزي)- اللورد بانكس (إنكليزي)- جان لويس بركهارت (سويسري)- الكونت م.دوفوغييه (فرنسي)- القس يورنر (إنكليزي)- غيوم راي (فرنسي)- لايورد (فرنسي)- هـ. بتلر (جامعة برنستون الأميركية)- بردنوف ودوماشذيفسكي (ألماني)- ر.دوسو (فرنسي)- ف.ماكلر(فرنسي)- دونان (فرنسي)- ج. ماسكل (فرنسي)- ج.م.دنتزر (فرنسي)- م.سارتر (فرنسي)- ارنست فيل (فرنسي)- ف.فيللنوف (فرنسي)- ك.ش. فرايبرغر (ألماني)- م.كارلوس (فرنسي). جميعهم تركوا لنا دراسات وأبحاثاً ومؤلفات قيمة ومفيدة تضمنت وثائق كتابية ومخططات هندسية وصوراً جوية فوتوغرافية ومعلومات هامة حول المواقع الأثرية في المحافظة وخاصةً مدينة السويداء القديمة.

وخلال العقد الأخير من القرن العشرين جرت دراسات جدية عن السويداء القديمة من قبل بعثة أثرية مشتركة سورية- فرنسية ساعدت في فهم مخطط المدينة القديمة وأماكن الأبنية الأثرية المختفية ضمن النسيج العمراني الحديث الذي أخذ منحى واتجاه النسيج الأثري القديم وعلى أسسه الأصلية ما سمح بوضع فرضيات أولية عن المراحل الأساسية لتطور المدينة منذ عصور البرونز (الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد) وحتى العصر البيزنطي.

وتثير نتائج تلك الأبحاث والدراسات الكثير من التساؤلات عن الوضع الذي كانت تحتله السويداء في العصور القديمة.

ففي العصر الروماني هناك دلالة معطاة لنا بواسطة الطريق القديمة التي لا تزال واضحة حتى اليوم في الريف المجاور، فسوادا ديونيزياس كانت تبدو في الواقع كمحطة عظيمة على المحاور الكبيرة للطريق التجارية المتجهة من الشمال إلى الجنوب بين المدن الرئيسة اعتبارا من دمشق في ولاية سورية وبصرى في الولاية العربية، فظهرت مدينة ديونيزياس أيضاً كمفترق طرق إقليمي، حيث هناك عدة طرق رومانية تصل إليها، ومنها طرق مخصصة إلى المنطقة الجبلية ويتضح على مخطط المدينة باب بصرى على أحد أضلاع السور القديم وهو الباب المخصص للطريق القادمة إلى السويداء من ناحية بصرى الشام.

وعن أهم المواقع الأثرية الموجودة في المدينة والتي مازالت شامخة تقص علينا حكايا الماضي نذكر:

• قوس الكنيسة الصغرى: وهو يتوسط الشارع المحوري ويطلق عليه اسم المشنقة (القرن الخامس الميلادي أجري عليه أعمال ترميم من قبل معهد الآثار الألماني برئاسة البروفسور فرايبرغر خلال عامي / 1997- 1998 م/ كما أحدث فيها تنقيب خلال عامي / 1999-2000 م/ من قبل البعثة الفرنسية برئاسة م. كارلوس.

• معبد آلهة المياه ويقع إلى الغرب من قوس المشنقة وهو مطمور حالياً ومختفي المعالم منذ عشرات السنين وعلى واجهته كتابة يونانية تفيد بأن مياهه قد تم جرّها من موقع الرحى عام 183م في عهد الإمبراطور كومودوس وقد جرت بعض التنقيبات الطارئة نهاية عام 2003م من قبل دائرة آثار السويداء ظهرت فيها بعض المجاري المائية وجدار منحوت من أصل المعبد.

• الكنيسة الكبرى: تطل واجهتها على الشارع المحوري مباشرة وتمتد أجزاؤها في المنازل الواقعة إلى الشرق يعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس الميلادي وعلى أحد جدران مدخلها كتابة يونانية تفيد بأن سالومي والدة الأسقف جورج قد تبرعت ببناء هذه الكنيسة ولا يزال في أرضية مدخلها فسيفساء ملونة ذات نقوش هندسية 15/6/1957م أجريت في قسمها الشرقي بعض أعمال التنظيف والتعزيل من أجل إظهار معالمها عام 2003م أما قسمها الغربي فهو مختف داخل المنازل.

• المسرح الصغير (الأوديون): وهو أحد الأجزاء التي ظهرت إثر شق الشارع وكان يستخدم كصالة كبيرة للاجتماعات جرت عليه بعض التنقيبات والترميمات من قبل بعثة سورية- فرنسية مشتركة برئاسة السيد م. كارلوس خلال الأعوام ( 98..-99..- 2000 م).

• بقايا المسرح الكبير وكواليسه: تبلغ مساحته او حجمه حجم مسرح بصرى ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي بقيت مدرجاته تحت الشارع المحوري وكواليسه ضمن البيوت المجاورة شرقاً وغرباً.