حين تدخل إلى بلدة "ملح" المعروفة تاريخياً بأنّها "ملح الصرار" لتميزها بريحها الهوجاء المعروفة باسم "صرصر" وتقف أمام صخورها القديمة وتشاهد نقوشها وزخارفها الأثرية العائدة إلى عصور لاتينية ويونانية، تستذكر أهمية المكان التاريخي الطافح بالمساحات المتنوعة والصخور العائد عمرها لزمن ذي خصوصية في علم الآثار.

ازدهرت في العصر اللاتيني واليوناني نقوش وكتابات تحمل دلالات مختلفة في طبيعة ونوع المعابد، مرتبطة مع الروماني في كثير من أشكاله وطريقة إنشائه، وحسب ما يروي الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" رئيس دائرة الآثار في "السويداء" لموقع مدوّنة وطن "eSyria" فقد عثر في هذه البلدة المهمة تاريخياً وأثرياً على العديد من النقوش الكتابية اليونانية واللاتينية التي تشير إلى أحداث تاريخية معينة، أو تقدمات نذرية أو نقوش تأسيسية، فقد عثر على نقش كتابي على حجر ضمن جدار بيت يقع إلى الشمال الغربي من المعبد الموجود في البلدة يذكر "ناجيوس بن خير" كاهن الرب "دوشارا"، عمل المذبح على نفقته الخاصة في عام 59 بصراوية أي 164 ميلادي، وهنا إشارة واضحة إلى عبادة الرب "ذو الشرى" وهو كبير الآلهة عند الأنباط ويقابله "ديونيسيوس" في العصر الروماني، أو "باخوس" وقد عبد هذا الإله في "حوران" وشمال "الأردن" وقد عثر على العديد من المعابد المكرسة لهذا الإله وخصوصاً في "جبل العرب" كما عثر على العديد من الميداليات والسكوكات التي ضرب عليها اسم "دوساريا" أي ألعاب رياضية كانت تقام على شرف الإله».

ويضيف الدكتور "كيوان" أنه عثر في بلدة "ملح" أو كما تسمى "ملح الصرار" على نقوش أخرى تشير إلى عبادة هذا الإله، كما عثر على نقش كتابي في أحد البيوت من الجزء الجنوبي من البلدة، نقوش ترجمتها: "الرب يحمي من الداخل والخارج"، ونقش آخر يبدأ الصليب ويقول: "الرب يحفظ دخولكم وخروجكم"، بالمعنى نفسه للنقش السابق، ونقش آخر في أحد البيوت القريبة من المعبد مكتوب عليه وفق الترجمة: "عود بن برد وصبيح بن سعدو وصادتي بن زيد وعافر بن عجيلي وبن خير المؤمن"، ومن خلال النص اسم عجيلي موجود في كتابات "تدمر"، اكتشف في أحد البيوت القريبة أيضاً من المعبد نقش كتابي يوناني يذكر "نصر وحظ سعيد للمسيحيين"، وهذه النقوش بالتأكيد تعود للعصر البيزنطي، وفي أحد النقوش الكتابية الجنائزية يذكر اسم شخصين أحدهما اسمه "عيط" أي "عياط" والآخر "استون" أبناء "كاسيانوس" يعني هذا القدر ونفذ العمل "كاسيانوس" طبقاً للنقش الناقص ووجد في البلدة نقش يشير إلى أسماء وأماكن مثل نقش كتابي يوناني على حجر يذكر فيه: "فلا فيوس جرف بن جرف وشاعي بن عزيز عام 361 ميلادي غادروا من قرية عجلا المعمار وعام 361 يطابق عام 466 ميلادي و عجلا" هي قرية في محافظة "السويداء" تقع في الجهة الشرقية الشمالية وتسمى "العجيلات" والمعمار هو في هذه القرية المذكورة آنفاً، وهناك نقوش أخرى عديدة تشير إلى إنشاء مرافق عامة مثل أحدها في باحة أحد البيوت بجانب المعبد تذكر "أخيوس بن وسليمان" أشادوا الساحة في عام 300 نووس أي 425 ميلادي، وتوجد كسرة حجر في الباحة نفسها عليها نقش تمت ترجمته: "بني السور التصوينة للباحة" طبعاً هناك نقص في الكتابات بسبب كسر في الحجر أو تشويه في الكتابات أي إنّ النقوش الكتابية في "ملح" متعددة والمواضيع منها التكريمي أو الجنائزي أو التأسيسي أو الديني سواء التي تعود للفترة النبطية أو العصر الروماني أو البيزنطي».

الباحث الدكتور نشأت كيوان

وأشار رئيس شعبة التنقيب والدراسات الأثرية في "السويداء" الباحث الأثري "خلدون الشمعة" إلى أهمية المكان وربطه تاريخياً بالعصور الرومانية، معتبراً بلدة "ملح" الحاضنة لآثار عديدة منها قصرها الروماني المشهور، والذي ينطوي على معلومات أثرية وتاريخية هامة في التاريخ الروماني، ولعل العصر الذي تميز فيه المكان بالنقوش الدالة على أصالة المكان وعراقته، حمّل تلك البلدة وأهلها المعاصرين تاريخاً هاماً في الأحداث المعاصرة، وبالتالي فإن بلدة "ملح الصرار" حملت وقائع تاريخية وأثرية في نقوشها وزخارفها العمرانية وبيوتها القديمة، ونقل العديد من تلك النقوش الى المتحف الوطني في "السويداء"».

الباحث الاثري خلدون الشمعة
من النقوش على الصخور