لم تكن آثار قرية "حوط" مخفية على أحد، لكن ما تكتنزه من قصص وأسرار، لا يعرفها إلا القلائل، وأولئك الباحثون عن التوثيق والمعرفة، فكانت جولة "العاديات" المثيرة للاهتمام، التي كشفت عن الكثير من تلك الكنوز.

مدونة وطن "eSyria" تابعت جولة جمعية "العاديات" بتاريخ 24 أيار 2019، والتقت الكاتب المترجم والباحث "كمال الشوفاني"، الذي تحدث عن بداية الجولة، فقال: «بدأت الجولة من منزل مضيفنا "محمد متعب العبد الله" الذي يحتوي العديد من القطع الأثرية المنقولة من القرية، وقد حافظ عليها وحماها من الضياع. فكان أهمها تمثال "أسد" على قاعدة طويلة؛ وهو فريد ولا يشبه المنحوتات الرومانية، وعلى الأغلب أنه يعود إلى مرحلة أقدم من العصور الكلاسيكية، ربما النبطية أو ما قبلها. كما يوجد لديه حجر على شكل مذبح عليه صلبان، نقل من بناء قديم في القرية، قد يكون بقايا كنيسة. كما يحوي منزله قطعاً أخرى من كسر منحوتات لأشكال آدمية، وأجران ماء، وجزء من معصرة زيت».

هي غرفة قديمة منفردة، مقابل بركة القرية الكبيرة، شبه مهدمة أو آيلة إلى السقوط، سقفها مرفوع على قنطرة واحدة، وبابها الحجري (الحلس) ما زال موجوداً في الجدار الشمالي للغرفة. ويظن أهالي القرية أن هذه الغرفة كانت في عهد من بناها لغسل الموتى لاكتشافهم مقبرة قريبة منها

بداية الجولة العملية كانت في غرفة تدعى "الحويطي"، قال عنها "الشوفاني": «هي غرفة قديمة منفردة، مقابل بركة القرية الكبيرة، شبه مهدمة أو آيلة إلى السقوط، سقفها مرفوع على قنطرة واحدة، وبابها الحجري (الحلس) ما زال موجوداً في الجدار الشمالي للغرفة. ويظن أهالي القرية أن هذه الغرفة كانت في عهد من بناها لغسل الموتى لاكتشافهم مقبرة قريبة منها».

الأسد في منزل محمد متعب العبد الله

وأجمل ما في القرية، وهي التي تعدّ متنفساً مهمّاً، وغاية في الجمال، تلك البركة القديمة التي لها تاريخها الخاص مع الأهالي، حيث قال عنها "محمد العبد الله" المهتم بالتراث، وأحد سكان القرية: «أحيطت البركة الكبيرة بسور حديث من الحجارة والإسمنت، مساحتها لا تقل عن 20 دونماً، وكانت مياهها تصل في السابق إلى أحياء القرية عبر قنوات خاصة.

أما دار "محمد حامد العبد الله"، فهي قديمة بنيت نحو عام 1840 عند وصول آل "العبد الله" إلى "حوط"، والسكن فيها. في واجهتها نقشان؛ الأول كتابة يونانية، والثاني كتابة عربية تفيد بوجود مسجد عام 1229 هجري؛ أي إنه يعود إلى العهد العثماني. لا يعرف إن كان هذا المسجد موجوداً في قريتنا، أو أن النقش قد نقل من قرية مجاورة».

أقدم دار في العصور الحديثة 1840

من دار قديمة لآل "الصالح"، إلى دار "صياح العبد الله" اللتين فيهما نقوش يونانية ونبطية، وصل الجميع إلى أقدم بناء في القرية، تحدث عنه "الشوفاني" بالقول: «يعدّ هذا البناء أهم مبنى في القرية؛ وما زالت آثاره الأصلية باقية في مكانها. يتألف من طابقين، وربما أكثر؛ لاحتمال وجود طوابق تحت الأرض. من الجهة الغربية هناك مدخل يفضي إلى قنطرة بديعة وصغيرة، فتحتها لا تتجاوز المتر ونصف المتر. في الداخل مجموعة من الغرف؛ إحداها تحوي طاقات منحوتة قد تكون معالف إذا كان الطابق يستخدم إصطبلاً. في الطابق الثاني من البناء هناك أطلال غرف جدرانها منحوتة، وفي الداخل نفس أشكال الطاقات الموجودة في الطابق الأسفل، لكن الترميمات والإضافات الحديثة للبناء غيرت معالمه الأصلية على الأغلب، لذلك يصعب على المرء أن يتخيل المخطط الكامل لشكل هذا البناء الذي يمكن أن يكون منزلاً سكنياً لأحد الأثرياء، أو معبداً، أو كنيسة، مع أننا لم نشاهد نقوشاً ورسومات تمت إلى المسيحية بصلة كي نصنّفها ككنيسة».

وأكمل الجميع جولتهم خارج القرية، وتحديداً إلى خربة "الربيعة" التي تقع في الشمال، ولم يبقَ منها سوى أساسات وحجارة مبعثرة، يبدو أنها خربة قديمة بنيت من حجارة غير مقصبة، قد ترقى إلى حقب قديمة في عصر البرونز، أو أقدم. وهناك بركتي ماء إلى الجنوب من الخربة لا بد أنهما كانتا تتبعان لها أيام السكن فيها بحسب ما أفاد به المهتمون بالآثار.

بركة الماء

لكن الأهم منها بحسب "العبد الله" هي "سدة حوط"، فهي سدّ صغير غاية في الأهمية، لكون مانعة السد من الحجارة القديمة قد تعود إلى العصر الروماني وما قبله، وقد أضيف إليه حديثاً مانعة من الإسمنت المسلح، إضافة إلى جدران إسمنتية أيضاً تحيط به، وقنوات توجه مياه المفيض باتجاهات مختلفة.

وانتهت الجولة في خربة "الصوخر" جنوب القرية، وتعدّ أراضيها نقطة التقاء لأربع قرى مجاورة، هي: "بكا" من الغرب، و"ذيبين" من الجنوب، و"أم الرمان" من الشرق، و"حوط" من الشمال.

يقول "الشوفاني": «قبل الدخول إلى منطقة البناء القديم في الخربة، شاهدنا بئر ماء دائرية بقطر نحو 10 أمتار. كانت البئر مسقوفةً لوجود بقايا قنطرتين من الجهة الغربية، وهي الآن مردومة بالحجارة والأتربة، وقد أخبرنا مرافقونا من أبناء "حوط"؛ أن هذا الردم حديث العهد. الخربة من الداخل مهدّمة تماماً، ولا يظهر منها سوى بعض الكسر لأبواب وعتبات حجرية، وأساسات لغرف سكنية، لكن في كثير من أجزاء الخربة، ومن خلال التنقيب السري؛ تظهر جدران غرف صغيرة مبنية بأحجار مقصبة، لكنها ليست منحوتة. في الجزء الشرقي هناك بقايا لغرف تحت الأرض، ما يثبت أن هذه الخربة كانت تحوي بيوتاً بأكثر من طابق، وقيل لنا إن الناس يذكرون مثل هذه الأبنية؛ وهي قائمة قبل أن تتهدم.

يصعب تحديد زمن بناء الخربة، لكن الكسر الفخارية متعددة الأشكال التي وجدناها تظهر أنها تعود إلى حقب مختلفة من العصر النبطي ربما، مروراً بالروماني والبيزنطي، ثم العصور الإسلامية».

يذكر، أن قرب هذه الخربة جرت إحدى معارك "الثورة السورية الكبرى" في 9 آب 1926.