لن تستطيع إخفاء دهشتك عند الزيارة الأولى.. فأنت ستدخل مكاناً بعمر الجبل، فما إن تدخل من ذلك الباب الخشبي العتيق حتى تعود بذاكرتك إلى تلك الحقبة من الزمن بكل ما تحمله من قدم.

سترى أمك تعد خبز التنور، وجاراتك اللواتي أتقن الخياطة وجدتك وهي تغزل الصوف.. والنساء اللواتي يملأن المناشل من النبع، وفي ركن آخر ستأخذك الذاكرة إلى عرس أحد عمومتك الذي أقامه عندما كنت في الخامسة أو السادسة من العمر..

الرجل صنع أدوات كالتي صنعتها المرأة، ولكن ليس بنفس الدقة والاتقان، فأدوات صنع القهوة العربية كمحمصة القهوة، وأدوات المطبخ وأطباق القش بما فيها القفف المخصصة للملابس وأخرى للصوف الذي تغزله ومنها ما هو مخصص للمؤونة والبيض وغيرها، وجرار الفخار لتعبئة المياه والغربال الذي يستخدم لفصل الحبوب عن الحصى بعد حصادها والمذراية التي تستخدم أثناء دراسة الحبوب والمخباط وهو ما كان يستخدم لغسل الثياب، والنول الذي كانت تحيك عليه البسط وما نسميه "البلاس" وهو مصنوع من صوف الماعز، إضافة إلى الملاعق والصحون الخشبية. وهناك شيء مميز حصلت عليه وهو سرج حصان "سلطان باشا الأطرش" قائد الثورة السورية الكبرى

هذه ليست حكاية نرويها.. وإنما هو وصف لمتحف المرأة الجبلية الذي افتتح مؤخراً في بلدة "القريا" في محافظة "السويداء".

الفنان "كمي الحلبي"

تفاصيل كثيرة تتعلق بحكاية إنشاء هذا المتحف حدثنا عنها الفنان "كمي الحلبي" قائلاً: «للمرأة في الجبل تاريخ عتيق يستحق أن يذكر دائماً، فهي رفيقة الرجل وشريكته في كل ما يقوم به من أعمال، وتفوقت عليه في الكثير منها.

فكرة إنشاء المتحف هي فكرة السيدة "نيللي الجمال" رئيسة مكتب الاتحاد النسائي في "السويداء"، وشاءت الصدفة أن ألتقيها في إطار بحثها عن فنان يقوم بنحت التماثيل الخاصة للمتحف، لم تكن الفكرة عادية فقد كانت مدروسة بأن نقوم بتجسيد واقع حياة المرأة في القديم بتماثيل منحوتة تبين تفاصيل الحياة اليومية.

السيدة "نيللي الجمال" رئيسة فرع "السويداء" للاتحاد النسائي

كان الأمر بمثابة تحد، فالزمن كان ضئيلاً والإمكانات المادية كانت محدودة، والشرط الأساسي هو وجود منحوتات بالحجم الطبيعي.

والحمد لله أني استطعت انجاز 15 تمثال في 13 يوم فقط، ووضعت الأعمال في الصالة وبدأنا بتحسين المشهد، قمنا برسم لوحات جدارية ووضعنا أشجار طبيعية واستخدمنا أدوات تراثية قديمة جداً، استغرقت منا بحثاً وجهداً كبيرين، ومنها ما كان تقدمة من الناس عندما علموا بفكرة إنشاء المتحف.

أدوات منزلية عمرها تجاوز 200 عام

في أول دخول للمتحف يستقبلك العرس الشعبي بتفاصيله الجميلة والدقيقة، ومن ثم تدخل في أرجاء البيت العربي القديم لتشاهد كيفية صناعة خبز التنور وأطباق القش وخياطة الملابس وصناعة البسط، إضافة إلى عرض للأدوات القديمة التي صنعتها المرأة، وكان الهدف من عرضها إظهار كيفية تأقلم المرأة مع الطبيعة من حولها والاستفادة من كل ما فيها، واعتمدنا أن نلبس المنحوتات الزي العربي الخاص بنساء الجبل لإظهار جمالياته».

أدوات تراثية عديدة عرضت في المتحف تفاجئك دقة صنعها، وهي مقتنيات حقيقية ومنها ما يعود عمره إلى 200 عام مضت، وعنها تابع الأستاذ "كمي" قائلاً: «الرجل صنع أدوات كالتي صنعتها المرأة، ولكن ليس بنفس الدقة والاتقان، فأدوات صنع القهوة العربية كمحمصة القهوة، وأدوات المطبخ وأطباق القش بما فيها القفف المخصصة للملابس وأخرى للصوف الذي تغزله ومنها ما هو مخصص للمؤونة والبيض وغيرها، وجرار الفخار لتعبئة المياه والغربال الذي يستخدم لفصل الحبوب عن الحصى بعد حصادها والمذراية التي تستخدم أثناء دراسة الحبوب والمخباط وهو ما كان يستخدم لغسل الثياب، والنول الذي كانت تحيك عليه البسط وما نسميه "البلاس" وهو مصنوع من صوف الماعز، إضافة إلى الملاعق والصحون الخشبية.

وهناك شيء مميز حصلت عليه وهو سرج حصان "سلطان باشا الأطرش" قائد الثورة السورية الكبرى».

هذا والتقى موقعنا السيدة "نيللي الجمال" رئيسة فرع "السويداء" للاتحاد العام النسائي، تحدثت عن سبب اختيار قرية "القريا" لإنشاء المتحف:

«لدينا روضة تتبع للاتحاد النسائي في القرية، تعتبر ثاني أفضل روضة على مستوى سورية بعد روضة "حلب"، هي عبارة عن ثلاث طوابق مصممة وفق النظام الفرنسي، وهي بعيدة عن مكان السكن وغير مستثمرة بالكامل، إضافة إلى وجود مساحات واسعة دفعتنا للتفكير في شيء مميز يشغل تلك المساحة ويجذب الزوار والسياح الذين يرتادون بلدة "القريا" بكثرة بسبب وجود كتحف الثورة السورية الكبرى وضريح قائد الثورة.

هذا المتحف هو متحف توثيقي، لن نكتفي بتوثيق الماضي بإعماله وإنما بانجازاته، ففي الصالة الرئيسية سنوثق تفاصيل الحياة اليومية للمرأة الجبلية، أما في باقي الغرف اعتمدنا ومن خلال الديكور على اعادتها إلى الماضي، بجدرانها وأسقفها لتكون معارض دائمة للأعمال اليدوية والصناعات الغذائية التي تقوم بها السيدات إلى اليوم، وصالات توثق لأعلام النساء والرائدات على مستوى المحافظة والقطر في المجالات كافة من خلال صور ووثائق.

إضافة إلى معارض رسم لسيدات مبدعات لم يسلط عليهن الضوء ولم تكشف مواهبهن بعد.

هذا ويوجد لدينا قاعة واسعة ومجهزة بطاولات، سنستثمرها في إقامة دورات تدريبية للسيدات أو دورات تعلم لغات، وأيضاً لإقامة الأمسيات الشعرية».

السيدة "هدى زرقطة" مسؤولة مكتب الإعلام والثقافة في الاتحاد النسائي فرع "السويداء" تحدثت عن القاعة التوثيقية ومكتبة الاتحاد قائلة: «خصصنا جزء من المتحف ليكون قاعة توثيقية لأعلام النساء في المحافظة، تواصلنا مع النقابات واستطعنا جمع الأسماء والحصول على صور ولمحة عن حياة كل سيدة وتم توثيقها، الشيء المثير للانتباه أنهن كن عضوات في الاتحاد النسائي وعضوات نشيطات، إما أمينة وحدة نسائية أو عضو قيادة رابطة.

وثقنا لأول طبيبة في المحافظة وأول محامية وأول ممرضة وأول مديرة وأول منتسبة للحزب وأول عضو مجلس شعب وأول رئيسة اتحاد وغيرهن الكثير.

وبالنسبة لمكتبة الاتحاد فلدينا كتب عديدة ومتنوعة موضوعة في الأدراج، أردنا أن نستثمرها من خلال عرضها أمام الجميع للاستفادة منها ومن مواضيعها المختلفة وسنقوم بطباعة إيصالات إعارة خاصة بالمكتبة التي تضم حالياً قرابة 1700 كتاب، هذا وسنسعى ومن خلال المكتبة على التواصل مع أمهات الأطفال المسجلين في رياض الاتحاد المنتشرة على ساحة المحافظة والذين يبلغ عددهم 1800 طفل».

جهود كبيرة بذلت للقيام بهذا المتحف.. وآمال كبيرة علقت عليه كونه أول متحف توثيقي في الجبل يقدم الصورة الصحيحة لحياة الجبل في حقبة نجهلها، ويسلط الضوء على إبداع المرأة وكفاحها اللذان لا يزالا رفيقاها إلى اليوم.