كان ينادي على بضاعته بصوت عالي، طالباً من المارة الإسراع قبل أن تنفق، فمنهم من يبتسم لهذه الطريقة في العرض، ومنهم من يقف لفترة يعاينها عن قرب، ويشم رائحتها، وهو لا يحرك ساكناً إلا إذا سأله أحدهم عن مصدرها، وبات منظر الفطر البري مألوفاً في العديد من الأماكن التي تكثر بها الحركة، ويبدو أنها أصبحت مهنة معتمدة عند الكثيرين من أبناء المحافظة....

وهم الذين اعتادوا طوال فترة الشتاء الخروج من أجل (التسليق أي جني الأعشاب الصالحة للأكل)، إن لم يكن للبيع فهي غذاء رئيسي كامل الدسم لأفراد العائلة، وفرصة للتفريغ عن النفس في بلاد الله الواسعة.

ويبرز الفطر كأحد أهم المنتجات الطبيعية التي تدر دخلاً كبيراً إذا عرف الشخص كيفية الوصول إلى مكان نموها، يقول البائع المتجول "معن الشاهين" لموقع eSuweda عن كيفية حصوله على هذه الكمية من الفطر البري، قال: «بمساعدة من أفراد عائلتي، ومع بزوغ الفجر نذهب باتجاه بادية قرية "ملح" الواقعة إلى أقصى الجنوب من مدينة "السويداء"، وفي الحقيقة لم تكن لي أي خبرة في معرفة الفطر الجيد من السام، غير أن بدوياً وجدني في البادية حائراً بأمري، فقام بإرشادي إلى مكان تواجدها، وفي المرات الأولى كنت أجلبها من أجل الأولاد، وبعد ثلاثة أيام رزقني الله بكمية معقولة منه، فقررت جلبه إلى مدينة "السويداء" والمتاجرة به بعد السؤال عن سعر الكيلو الواحد، وأنا على هذه الحالة منذ ستين يوماً، حيث ربحت خلالها ما يقارب الخمسين ألفاً، وأبيع الكيلو الواحد بين 150 و200 ليرة سورية، وفي الكثير من الأحيان تكون عائلتي قد أفرطت في العمل فتكون الزيادة من نصيب أبنائي».

الهندباء البري

وينسب "معين" غلاء الكيلو من الفطر إلى أن فطر المزارع التي انتشرت زراعتها في "الجولان" وتغرق الأسواق في "السويداء" تباع بمبلغ 250 ليرة، مع العلم أنها ليست من إنتاج الطبيعة، ولكن الفطر الذي يأتي به رائحته تدل عليه، ونوعه مرغوب بشكل كبير، وسعره أرخص بكثير من سعر المزارع.

وفي مدينة "شهبا" يتحلق الناس حول بائع سيارة الحشائش "منصور أبو لطيف" الذي يبيع (الهندباء والدردار وقرص العنا والرشاد والخبيزي والعويني والفطر)، ويبرز غلاء بعضها بشكل غير عادي مثل الفطر الذي يسمى (بوز العجل) الذي يباع بمبلغ 250 ليرة سورية، والرشاد البري الذي يباع الكيلو منه بمبلغ 125 ليرة سورية، والهندباء بـ 85 ليرة وقرص العنا بتسعين ليرة والعويني بخمس وسبعين ليرة، أما أرخصها فهو الدردار البري الذي يباع بخمس وعشرين ليرة، والخبيزي بنفس الثمن.

قرص العنا.

وعلى الرغم من ذلك فإن غلاء هذه الحشائش لا يثير الناس كما هي أسعار اللحمة على كافة أشكالها، لأنها كما قال أحد المتسوقين منها أكثر فائدة وأضمن للصحة من كل الأصناف المتوفرة في السوق.

أما صاحب البضاعة أبو لطيف" فقال عن مصدر بضاعته المتعددة الأشكال والألوان: «إنني متعاقد مع عدد من الناس الذين يذهبون للتسليق مع كل صباح، وهم الذين يحددون سعر المبيع، وهذا حقهم لأن العملية فيها تعب كبير، وليست مخصصة للنزهة».

البائع منصور أبو لطيف

أما عن الفوائد الطبية من هذه الحشائش فيؤكد أن لها مفعول السحر على الكثير من المرضى، وقال: «يعتقد الناس وخاصة المرضى منهم أن عدد من هذه الأعشاب توازن السكر بالدم، وهم يقبلون على شرائها دائماً مثل قرص العنا والهندباء البري، وهو ما أكده عدد من الباحثين في النباتات، وهناك اعتقاد أن قرص العنا يشفي من التسمم، وذلك عند مراقبة الضب البري الذي يقوم بأكل الأفاعي وبعدها يلتهم بشراهة هذه النبتة، والباقي خفيف على المعدة وملين طبيعي لها ولا يصاب آكلها بأي تلبك معوي».

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فكثير من الناس تستغل أيام العطل الرسمية من أجل قضاء وقت طويل في البرية، بقصد جمع الأعشاب البرية، والنزهة في فضاء الله الرحب، وبعد فترة لا تتعدى الشهرين يبدأ هؤلاء بالبحث عن العكوب والبابونج والزعتر البري والكما، فمن يحفر في الأرض يجد كنزاً ولكن يجب أن يحفر بإيمان فلاح!.