«تحتوي مياه المجاري المسببة للتلوث على كمية كبيرة من المركبات العضوية وأعداد رهيبة من الكائنات الحية الدقيقة الهوائية واللاهوائية وهذه الكائنات تؤثر في المركبات العضوية وغير العضوية مسببة نقصا في الأوكسجين إذا ألقيت في البحر وبذلك تختنق الكائنات التي تعيش في البحر وقد تموت».

هذا ما تحدث به المهندس الزراعي "موفق عبد الرحيم" الباحث في مجال التغذية، لموقع eSyria بتاريخ 23/10/2008، وهو يضيف بالقول: «رغم أن سورية لا تعتبر دولة صناعية حيث إن الإنتاج الصناعي فيها لا يشكل إلا نسبة قليلة من قيمة الإنتاج العام بما في ذلك صناعة استخراج النفط وتكريره، فقد قفزت معدلات التلوث البيئي فيها الى نسب مخيفة، خاصة في المدن الكبيرة، كما تحولت معظم أنهارها الى مصارف مكشوفة».

رغم أن سورية لا تعتبر دولة صناعية حيث إن الإنتاج الصناعي فيها لا يشكل إلا نسبة قليلة من قيمة الإنتاج العام بما في ذلك صناعة استخراج النفط وتكريره، فقد قفزت معدلات التلوث البيئي فيها الى نسب مخيفة، خاصة في المدن الكبيرة، كما تحولت معظم أنهارها الى مصارف مكشوفة

موقع eSyria التقى المهندس "أسامة انديوي" مدير التقارير وتنسيق العقود في مشروع تزويد قرى جنوب غرب "دمشق" في مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي وأجرى معه الحوار التالي:

منظر للتلوث

  • من أين يأتي هذا التلوث وما مصادره؟
  • ** مصادر التلوث كثيرة أهمها مصادر صناعية وهي تشكل مياه المصانع وفضلاتها 60% من مجموع المواد الملوثة للبحار والبحيرات والأنهار. ويصدر أغلب الملوثات من مصانع مثل مصانع الدباغة والرصاص والزئبق والنحاس والنيكل ومصانع الدهانات والإسمنت والزجاج والمنظفات ومصانع تعقيم الألبان والمسالخ ومصانع تكرير السكر، إلا أن الطرق التقليدية لتنقية المياه لا تقضي على الملوثات الصناعية "مثل الهيدروكربون" والملوثات غير العضوية والمبيدات الحشرية والمركبات الكيميائية المختلفة، وقد يتفاعل الكلور المستخدم في تعقيم المياه مع "الهيدروكربونات" مكونا مواد "كربوهيدراتية كلورينية" مسرطنة، ونوع آخر من التلوث الصناعي هو استخدام بعض المصانع الماء للتبريد وبذلك يلقى الماء الساخن في الأنهار أو البحيرات ما يزيد حرارتها ويؤثر على الحياة الحيوانية والنباتية فيها، أما عن مصادر الصرف الصحي فهي مياه المجاري واحدة من أخطر المشاكل على الصحة العامة في معظم دول العالم الثالث، لأن أغلب هذه الدول ليس لديها شبكة صرف صحي متكاملة، والمشكلة الكبري عندما تلقي المدن الساحلية مياه الصرف الصحي في البحار دون معالجة مسببة بذلك مشكلة صحية خطيرة، وأن استخدام البيارات في الأماكن التي لا يتوافر فيها شبكة صرف صحي له أضراره على الصحة العامة خاصة إذا تركت مكشوفة أو ألقيت مخلفاتها في الأماكن القريبة من المساكن حيث يتوالد البعوض والذباب ما يسبب الكثير من الأمراض بالإضافة إلى استخدام المبيدات المنزلية التي لها أضرارها على صحة الإنسان وطبقة الأوزون، وكذلك من المصادر الزراعية لأن استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية في الزراعة يتسبب في تلوث الماء وذلك عند سقوط الأمطار حيث تجرف تلك المواد إلى الأنهار أو البحيرات وأيضا الري قد ينقل تلك المواد إلى المياه الجوفية.

    م. موفق عبد الرحيم.JPG

  • ما انعكاس أضرار تلوث الماء على الصحة العامة؟
  • ** تتلخص أضرار تلوث الماء على صحة الإنسان بتلوث الماء ميكروبياً، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن مياه الصرف الصحي إذا لم تعالج جيدا تسبب أمراضا خطيرة للإنسان وخاصة إذا تسربت لمياه الشرب. إن مياه الصرف الصحي تحتوي على أعداد كثيرة من الكائنات الدقيقة الممرضة مثل البكتريا والفيروسات والطفيليات وبذلك تنقل العديد من الأمراض مثل الكوليرا والتيفود وشلل الأطفال وتلعب الكائنات الحية الدقيقة دورا في تحولات الميثان والكبريت والفسفور والنترات، فبكتريا الميثان تنتج غاز الميثان في الظروف الهوائية واللاهوائية، وبكتريا التعفن تنتج الأمونيا التي تتأكسد إلي نترات التي تكون ما يعرف باخضرار الماء وتظهر على شكل طبقة خضراء من الأعشاب على سطح خزانات المياه والبحيرات وشواطئ البحار وأكثر ما تكون في المياه الراكدة وتسبب في إعاقة تسرب الأوكسجين إلي الماء، وتسبب زيادة الأعشاب الخضراء إلى مرض زرقة العيون لدى الأطفال. تلوث الماء كيميائيا: يمكن أن يكون خطرا على البيئة وعلى صحة الإنسان.

    منظر التلوث البيئي

  • ما المركبات الضارة التي تتكون منها المياه الملوثة؟
  • ** يمكن تلخيص أهم المركبات التي تلوث الماء، وهي مركبات حمضية أو قلوية تغير كل من المركبات الحمضية أو القلوية درجة PH للماء، وإذا تلوث الماء بالأحماض فإن ذلك يسبب الصدأ للأنابيب وتآكلها هذا ناهيك عما تسببه من آثار على صحة الإنسان حسب نوع الحمض الملوث، أما التلوث بالقلويات فينتج عن تكون الأملاح مثل /كربونات وبيكربونات وهيدروكسيدات والكلوريدات وتسبب كربونات وبيكربونات الكاليسيوم والمغنيسيوم/ عسر الماء كما أن مركبات الكلوريدات والسلفات تسبب ملوحة الماء، ومركبات النترات والفوسفات التي تسبب هذه المركبات ظاهرة اخضرار الماء أو ما يعرف بالازدهار وتظهر على شكل طبقة خضراء من الأعشاب على سطح مياه الخزانات والبحيرات وشواطئ البحار والمياه الراكدة وقد تغطي سطح الماء ما يمنع الأوكسجين من الدخول للماء ويؤثر على الحياة المائية وتتكون الأعشاب الخضراء من الطحالب وهي من عناصر الكربون والنتروجين والفسفور. ومن الجدير بالذكر أن النترات تتحد مع الهيموغلوبين وتمنع اتحاد الأوكسجين معه ما يسبب الاختناق وهناك المعادن الثقيلة أكثر المعادن الثقيلة انتشارا في مياه المجاري الرصاص والزئبق. ويمكن أن يتسرب الرصاص أيضا من أنابيب المياه ويلوثها وقد يسبب تلف الدماغ وخاصة للأطفال والزئبق يوجد في الماء على هيئة كبريتيد الزئبق وهو غير قابل للذوبان ويتواجد على شكل عضوي مثل فينول ومثيل وأخطرها هو مثيل الزئبق الذي يسبب شلل الجهاز العصبي والعمى، وحديد مغنيسيوم الذي يسبب تغير لون الماء إلى أشبه بالصدأ ولا يسبب ضررا إلا إذا كان بكمية كبيرة وأكثر وجودهما في المياه الجوفية، وهناك مركبات عضوية إن كثير من المركبات العضوية تسبب تلوث الماء وأشهرها التلوث بالبترول ومشتقاته والمبيدات الحشرية والمبيدات الفطرية وغيرها من الكيماويات الصناعية، ويستخدم الكلور والفلور لتنقية المياه من الميكروبات الضارة واللذين ساهما كثيرا في تنقية المياه ولكن الكلور يتفاعل مع الهيدروكربونات إذا وجدت مكونة مركبات هيدروكربونية كلورية مسرطنة، وهناك قول إن الكلور يمكن أن يسبب سرطان لكن ذلك لم يثبت بعد. في الولايات المتحدة يستخدم الفلور لتنقية المياه ووجد أنه يحمي الأسنان من التسوس بتركيز 10 مليغرام/ لتر، ومن المواد المشعة الراديوم المسبب للسرطان وخاصة سرطان العظام، إن التلوث الكيميائي يفوق أحيانا التلوث الميكروبي بسبب كثرة المصانع وازديادها وعدم التخلص من فصلاتها بالطريق الصحيحة، ولابد من الإشارة أن ما ذكر من تلوث سواء الميكروبي أو الكيميائي لا يشمل التلوث أو التسمم الذي يلقي في الماء بقصد تسممه.

    وهل هناك عوامل أخرى تلحق ضررا بالبيئة وأخص منها مثلا التعدي على الغابات والمناطق الحراجية والبادية حيث تقلصت مساحة الغابات بشكل كبير جدا وأدى الاستخدام الخاطئ لأراضي البادية بفلاحتها وزراعتها بطريقة عشوائية الى اختفاء كثير من النباتات الطبيعية وزحف الصحراء وهبوط مستوى المياه الجوفية، وإذا أخذنا بالاعتبار الإمكانية المفتوحة لتحول الاستثمارات نحو الصناعة، والانفجار السكاني، فان المستقبل يوحي بتفاقم المعضلة البيئية الى درجة خطيرة .

    *ما الحلول الناجعة برأيك لتفادي خطر التلوث البيئي وانعكاسه على المجتمع؟

    ** لقد أصبح مطلوبا بإلحاح إعادة تقييم حجم المعضلة البيئية على كل صعيد، وتقييم طرائق المعالجة واستراتيجيات العمل ومدى نجاعتها، والخروج بالاستنتاجات الضرورية ووضعها أمام صناع القرار، وخلال السنوات الماضية ساد الاعتقاد أن مواجهة المشكلات البيئية مناط بالدولة وحدها، حيث مال البعض الى النظر الى حل المسألة من زاوية وضع القوانين والأنظمة التي تكفل حماية البيئة، بينما نظر البعض الآخر للمسألة من زاوية الحلول الجزئية الإجرائية كإنشاء بعض محطات المعالجة للصرف الصحي، ووقف تراخيص حفر الآبار الجوفية، وكذلك إحداث مديريات للبيئة تتولى مباشرة دراسة المشكلات البيئية وتقديم الحلول إن هذا كله صحيح لكنه جزء من الحل، إذ إننا نحتاج اليوم لإضافة مشاركة المجتمع الأهلي للجهود السابقة وذلك لأسباب منها: اعتبار المجتمع الأهلي الجهة المتضررة مباشرة بنتائج تدهور البيئة وبالتالي فهو معني بوضع الحلول والمشاركة في تنفيذها، وإن قسما هاما من مؤسساتنا العامة يعاني من البيرقراطية التي تنظر للمشاريع البيئية كترف وليس كأولوية يجب إدراجها في كل الخطط الحالية والمستقبلية، ويمكن للمجتمع الأهلي أن يلعب دور المحرض على الاهتمام بالمشكلات البيئية على أساس نظرة موضوعية ومحايدة، وإن للعمل الأهلي ديناميكية ذاتية لا تتوافر في العمل الحكومي، خاصة إذا أخذنا بالاعتبار الكوادر ذات الخبرة والحماس التي يمكن أن يضمها في شتى الاختصاصات البيئية، والعمل الأهلي يمكن للدولة الاستفادة من المساعدات التي تخصصها المؤسسات الدولية للجمعيات الأهلية في مجال البيئة، وكذلك الاستفادة من برامج التدريب وتبادل المعلومات والخبرات على المستوى الإقليمي والدولي، مع مساهمة الجمعيات الأهلية التي تهتم بخلق ونشر وعي بيئي داخل المجتمع، لأن الجمعيات الأهلية يمكن أن تلعب دور الوسيط النزيه والنشيط بين مختلف جهات الدولة ذات الصلة بموضوع البيئة.

    أود أن أؤكد أنه لا بد من وجود علاقة ايجابية بين جمعيات البيئة ومؤسسات الدولة، تبنى على أساس التكامل والتفاعل والاحترام وليس المنافسة والاحتكاك، لأن الجمعيات الأهلية تستطيع تأمين موارد لدعم المشروعات البيئية سواء عن طريق التبرعات الأهلية أو عن طريق منظمات الأمم المتحدة للبيئة مثل برنامج البيئة للأمم المتحدة (. u. n. e. p) ما يخفف الأعباء المالية على الدولة، من ذلك كله يتضح لنا مدى أهمية انخراط المجتمع الأهلي في العمل البيئي وضرورة دعم الجمعيات الأهلية البيئية بطريقة أفضل مما نشاهده حتى الآن.