تبرع المغترب "محسن صلاح الحناوي" ومجموعة من المتطوعين، حباً بالعلم والمعرفة، وتخليداً لمآثر الأبطال وتذكيراً بأعمالهم النضالية، فأنتج نصباً تذكارياً وسط قرية "سهوة البلاطة" بشكل هندسي يحمل أبعاداً اجتماعية ووطنية وإنسانية وثقافية وبتكلفة مالية باهظة.

حول الدوافع الاجتماعية والإنسانية وتأثير النصب التذكاري في المجتمع؛ مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 19 شباط 2015، التقت المصمم والمشرف على التنفيذ "حمود نصر الحناوي" المهتم بالهندسة المعمارية، فبيّن قائلاً: «يعود سبب إقامة النصب إلى زمن ماضٍ يعود إلى عام 1994، حيث فجع أهالي "سهوة البلاطة" بفقدان شاب مهندس "منير محسن صلاح الحناوي" الذي وافته المنية إثر حادث أليم، مثّل تميزه وحبه للعلم والمعرفة نموذجاً للاجتهاد، وفقدانه رسخ حالة من الحزن الشديد، لكن والده الذي تحلى بالعقل والإرادة أراد أن يحول خلجات روحه إلى عمل فني يبقى أمام عينيه بما ينسجم مع شهادة ولده المهندس المعماري، طلب من الناس المعنيين ذلك ووافقت كافة الجهات على الفكرة، وبعد أن اختمرت الفكرة طرحت عليه أن يكون الطابع العام يضم مآثر وتخليد الشهداء فكان يقول لنفسه ذلك، وبدأنا جدياً التفكير في المكان، حيث انتشر الخبر لدى أهالي القرية، وكل عائلة أرسلت أسماء شهدائها حسب المراحل الزمنية منذ الاستعمار العثماني والفرنسي وصولاً إلى الشهداء ضد العدو الصهيوني، حيث تم إعداد الدراسة الفنية من هندسة معمارية وإنشائية وقمت بالإشراف على التنفيذ، بعد أن تم تكليف الفنان التشكيلي "بادي الحناوي" بالأعمال الفنية والإنشاء».

في الحقيقة النصب التذكاري أشعر أفراد المجتمع بأن ارتباطهم به هو علاقة احترام للتاريخ ولشخصيات وأعمال بطولية نضالية من جهة، وأضاف سلوكاً معرفياً جديداً بالتاريخ من جهة أخرى، والمحافظة عليه أصبحت لزاماً علينا، والأهم أن الساحة تبقى مزهوة بالعطاء والاخضرار دون المساس بها بسوء دليل الصلة والروابط التي تكونت بينها وبين أفراد المجتمع، وهذا النصب تبرع إنساني من المحسن الكبير "محسن صلاح الحناوي"، واستمر بنشر ثقافة التطوع والتكافل والحياة الاجتماعية الواحدة جاعلاً الحاضر تنويراً والماضي رؤية وقاعدة للمستقبل

وعن تصميم النصب تابع "حمود الحناوي" بالقول: «إن فكرة المخطط قائمة على قاعدة مربعة مصبوغة بصبغة عربية إسلامية عسكرية توحي للمتأمل والمشاهد بأبعاد متعددة في عدة مجالات، خاصة أن الصرح قام على ثمانية أجنحة تعبر دلالة عن العرش؛ حيث كان التناص واضحاً في ذلك "ويحمل عرش ربك يومئذ ثمانية"، ثم القبة المأخوذة من الطابع الإسلامي والعسكري على شكل خوذة عسكرية ينطلق منها ذراعان يحملان شعلة وهي ترمز إلى النضال والحرية والاستقلال، امتدت مسيرة العمل لعام ونصف العام وتم إنجاز الصرح، وبعد الانتهاء من البناء عمل أهالي القرية على تدشينه رسمياً وشعبياً، حيث جرى احتفال كبير ضم النخب الاجتماعية والثقافية والجهات الرسمية، بعد أن قدم جميع التكاليف المادية للحفل والنصب المحسن الكبير "محسن الحناوي" بقيمة مالية تجاوزت المليون ليرة سورية في عام 1994، وهذا النصب له مكانة في قلب كل واحد من أهالي القرية لأنه يمثل جزءاً منه من أهله وتراثه وشهدائه».

حمود الحناوي مصمم النصب التذكاري

وعن الأثر الاجتماعي والدعم النفسي أوضح المهندس "طارق الحناوي" نجل المتبرع المرحوم "محسن الحناوي" بالقول: «تكمن القيمة الاجتماعية للنصب في استذكار الشهداء والأبطال والشعور بأن هناك سهماً لكل فرد من أهالي القرية كما يقال، والغاية أن المرحوم الوالد "محسن الحناوي" أراده تخليداً للشهداء وتعبيراً عن أخي المرحوم "منير الحناوي" الذي كان فراقه حسرة كبيرة في القلوب، لكن الصرح والنصب يحمل في رأيي دلالات عديدة؛ حيث انطلق من قاعدة دينية بثماني قواعد، ووصل إلى القومية العربية للشعوب المتمثلة بالشعلة، وهي دمج بين العلمانية الدينية وبين العقل الحامل للتنوير والفكر والثقافة، خاصة أن التنوير ينبذ التطرف ويدخل عالم السعادة والفرح والإنسانية والمحبة والإخاء بين الشعوب والأطياف الاجتماعية بمختلف ألوانها ومشاربها، لعل هذه الدلالات والمعاني وما خلفه الصرح من تعابير مسلكية عند زواره من خارج القرية جعلنا نشعر بأهميته وأثره الاجتماعي في مساحة واسعة من الوطن الحبيب وليس على نطاق ضيق في قريتنا وبلدتنا "سهوة البلاطة"، ولهذا يبقى النصب شاهداً على عمق التجذر بين الزمان والمكان من خلال ربطه الحاضر بالماضي والعكس أيضاً».

"سعيد البني" من أهالي "سهوة البلاطة" أوضح العلاقة بين المجتمع وبينه قائلاً: «في الحقيقة النصب التذكاري أشعر أفراد المجتمع بأن ارتباطهم به هو علاقة احترام للتاريخ ولشخصيات وأعمال بطولية نضالية من جهة، وأضاف سلوكاً معرفياً جديداً بالتاريخ من جهة أخرى، والمحافظة عليه أصبحت لزاماً علينا، والأهم أن الساحة تبقى مزهوة بالعطاء والاخضرار دون المساس بها بسوء دليل الصلة والروابط التي تكونت بينها وبين أفراد المجتمع، وهذا النصب تبرع إنساني من المحسن الكبير "محسن صلاح الحناوي"، واستمر بنشر ثقافة التطوع والتكافل والحياة الاجتماعية الواحدة جاعلاً الحاضر تنويراً والماضي رؤية وقاعدة للمستقبل».

المتبرع محسن الحناوي
المهندس طارق الحناوي