يتوسط بلدة "ملح" تزينه أقواس القناطر والواجهات الحجرية التي تدل على سوق قديم ردد ترانيم الحياة وبقي عامراً بأنواع البضاعة من التمور والملح إلى مستلزمات تربية الجمال.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 كانون الأول 2013 زارت سوق "ملح" الذي يعبر عن جانب من الحياة الاقتصادية للبلدة، برفقة السيد "أجود الزغير" الذي رافقناه في رحلة تصوير لهذا المعلم الغائب عن وسائل الإعلام الحاضر في قلوب وعيون المهتمين كما حدثنا وقال:

على هامش الدراسة للبلدة قدمنا بعض الاقتراحات التي تتضمن إعادة السوق إلى الحالة القديمة وحسب أحاديث أهالي البلدة ليتم تبليطه على النسق التراثي القديم وكانت لنا رؤية بعد الاطلاع على المباني أن المباني متينة ويمكن الاستفادة منها بطوابق إضافية وحسب رغبة مالكيها لكن لا بد من الانتباه إلى استخدام الحجر البازلتي والمحافظة على الروح الشعبية

«شارع عريض يعطي للمحلات القديمة بقناطرها الحجرية جمالاً وتميزاً، يجد فيه أهالي "ملح" كل ما يشتهون لكونه احتضن الحركة التجارية ومن خلاله يحصلون على احتياجاتهم وبالعودة إلى تاريخ هذه البلدة فإن وجود السوق فكرة غير مستبعدة وقد تكون المسافة التي تفصل "ملح" عن مدينة "السويداء" وتبلغ 42كم وبعدها عن مدينة "صلخد" حافزاً يضاف إلى عدة قضايا ساهمت في المحافظة عليه.

واجهة السوق على الحالة التقليدية القديمة

تتنوع بضائع هذا السوق لتكون بعض المحلات متخصصة في المواد الاستهلاكية والغذائية لكن الجزء الأهم من السوق يتحدث عن تاريخه حيث تجد بضائع تختص في تربية الماشية واحتياجات تربية الإبل، هنا نجد الحبال ومستلزمات غريبة الشكل لكنها مطلوبة إلى جانب أنواع الحبوب وما يستخدم كنوع من الأعلاف وقطع نادرة للمحراث القديم والمعدات الزراعية مثل المعاول والفؤوس وتشكيلية من الحاجات الريفية التي غابت عن أسواق المدينة حتى المتخصصة منها في هذه الأنواع إلى جانب الأصواف ومواد البناء.

والجميل في الفكرة هذا البناء الذي يخلق حالة من الألفة تدفعك إلى التجول فيه لساعات طويلة تجملها أحاديث مع التجار عن قصص السوق وحكاياه».

المهندس أنور سابق

الكاتب "يحيى محمد الحلح" مدير المركز الثقافي ومالك أحد المحلات التجارية فيه؛ الذي أعاد بناءه على الطراز القديم أخبرنا عن السوق: «لسوق "ملح" ذكريات انطبعت في ذاكرة أهالي البلدة هنا وفيه وجدوا احتياجاتهم الغذائية واليومية وكان نقطة تجارية هامة استفاد منها أهالي القرى المجاورة التي تزيد على عشر قرى منها "طليلين" و"شعف" لتجده مكتظاً في مواسم بيع التمور ومقصوداً للحصول على الملح بضاعته الأقدم ومن بعدها البن ليتطور السوق بشكل يفي باحتياجات البداوة من مستلزمات تربية الماشية وبيوت الشعر.

وبقي لسنوات غنياً بالبضاعة وحافظ على ذلك النوع وهو حسب أخبار أهالي "ملح" سوق حديث أسس في ثلاثينيات القرن.

إحدى محلات السوق

وهناك ذكر تردد عن بنائه حيث جلبت الحجارة من خربة "براق والصافي" وهي خرائب قديمة على طريق "دمشق -السويداء"، وحملت على الجمال وبناها مجموعة من البنائين المهرة لتستمر حتى هذا التاريخ متينة ومناسبة للسكن والاستثمار بشكل واضح، ولم تخرج هذه المحلات من الخدمة وهناك حرص على حماية الطراز العمراني فعندما أردنا تجديد المحل الذي نمتلكه كانت رؤية البلدية تتمثل في إعادة البناء من الحجارة السوداء والتقيد بالواجهات.

وهذا ما تم لأن السوق يعني الكثير لكل من عاصره وهو اليوم متنوع غني يفي بالحاجة وقابل للتطوير لأن الأهالي حافظوا عليه لتستمر فيه الحياة، وهو عبارة عن 30 محلاً وقد أنجزت البلدية تبليط الأزقة المتفرعة منهم ولدينا أمل بإكمال المشروع ليبقى بعيداً عن أذى عبور المركبات لهذه الأبنية الجميلة».

"ملح" بأبراجها وما امتلكت من مشاهد تراثية نادرة والسوق القديم استقطبت الباحثين والمتخصصين في نوع من أعمال الترميم لبعض المعالم ومنهم المهندس "أنور سابق" الذي حدثنا عن قصة السوق ومراحل تطوره منذ تأسيسه في عهد الانتداب الفرنسي وقال: «لا يستغرب الدارس لمعالم قرية "ملح" وجود هذا السوق فهي إحدى القرى الواقعة على أطراف منطقة الاستقرار وإلى الشرق منها البادية حيث تغيب العمارة وتظهر تجمعات متنقلة للبداوة وكانت "ملح" نقطة لمرور القوافل، وعندما أسس خلال الانتداب الفرنسي كان -حسب الرواة- لعدة غايات أهمها خلق طريق عريض يقارب عرضه 12متراً يتوسط القرية الذي نراه اليوم يقسم البلدة إلى قسمين ليكون مناسباً لمرور العربات والمركبات القديمة.

فقد احتل وسط البلدة وهو عبارة عن صفين من المحلات التجارية تتراوح مساحة كل منها ما بين 30 و 35 متراً لتكون نواة للحياة التجارية في المنطقة منذ تلك العهود ولغاية اليوم».

ومن تابع الحالة القديمة له يلاحظ أنه حافظ على تصميمه العمراني القديم حيث تظهر القناطر الحجرية وهي أقواس ترتفع فوق فتحات الأبواب صممت بتكوين جميل حيث يبرز القوس بشكل واضح وهذا ما يضفي نوعاً من الجمال على الواجهات التي تأسر الناظر، ولا بد له من التوقف للتعرف أكثر على المكان الذي يفيض بالحياة فقد بقي مأهولاً ويحمل مواصفات السوق الذي يفي باحتياجات أبناء البلدة».

وعن فكرة لتطويره من خلال المحافظة على الروح التراثية والحالة العمرانية أضاف المهندس "أنور سابق": «على هامش الدراسة للبلدة قدمنا بعض الاقتراحات التي تتضمن إعادة السوق إلى الحالة القديمة وحسب أحاديث أهالي البلدة ليتم تبليطه على النسق التراثي القديم وكانت لنا رؤية بعد الاطلاع على المباني أن المباني متينة ويمكن الاستفادة منها بطوابق إضافية وحسب رغبة مالكيها لكن لا بد من الانتباه إلى استخدام الحجر البازلتي والمحافظة على الروح الشعبية».