من النادر أن يوجد منزل قديم في القرية التي تبعد عن مدينة "شهبا" 15 كم باتجاه الشرق، إلا وبني على سطح مغارة تشكلت بفعل البراكين التي غيّرت معالم المنطقة قبل آلاف السنين، حتى باتت كل مغارة تروي حكاية.

المغر البديعة في رسمها وأشكالها الفريدة مهدت للبحث في التلال الصغيرة، والصحراء المزروعة بأحجار البازلت التي لا تنتهي كبحر متحجر، عن مغر كبيرة في المنطقة الواصلة شرقاً حتى الحدود العراقية البعيدة.

يبدو أن هذه المغر التي ما زال بعضها مسكوناً إلى الآن قد تشكلت منذ ملايين السنين، وكانت قبل السكن مرتعاً مهماً للباحثين عن الأمان والهاربين من بطش محتل أو غاصب، وهو ما جعلها مقصداً دائماً وممراً للرعاة الباحثين عن الأمان لهم ولقطعانهم من الثلج والبرد والشتاء وقطاع الطرق، وهذه المغر متوضعة على تلة صغيرة غير عالية قياساً بالتلال المجاورة للقرية، ويبدو من تفاصيلها أن المياه كانت متوافرة هنا بوجود الآبار التي نشأت مع المغر وطورها الإنسان الذي لجأ إليها من خلال القنوات التي سلطت المياه نحو باب البئر

فكان منها مغارة "سطح نملة" التي عرفت لاحقاً بمغارة "سؤادا"، مدونة وطن eSyria التقت عدداً من أهالي قرية "بارك" بتاريخ 11/2/2013، لمعرفة حقيقة هذه المغر، والقصص التي دارت بين جدرانها وأنفاقها العديدة الواصلة فيما بينها، حيث أكد السيد "مثقال الأعور" بالقول: «يبدو أن هذه المغر التي ما زال بعضها مسكوناً إلى الآن قد تشكلت منذ ملايين السنين، وكانت قبل السكن مرتعاً مهماً للباحثين عن الأمان والهاربين من بطش محتل أو غاصب، وهو ما جعلها مقصداً دائماً وممراً للرعاة الباحثين عن الأمان لهم ولقطعانهم من الثلج والبرد والشتاء وقطاع الطرق، وهذه المغر متوضعة على تلة صغيرة غير عالية قياساً بالتلال المجاورة للقرية، ويبدو من تفاصيلها أن المياه كانت متوافرة هنا بوجود الآبار التي نشأت مع المغر وطورها الإنسان الذي لجأ إليها من خلال القنوات التي سلطت المياه نحو باب البئر».

السيد "ذياب أبو رسلان" صاحب إحدى هذه المغر، تحدث عما يعرفه من قصص تظهر القيمة المادية لها: «أعتقد أن هذه المغر كانت معزباً لمربي الأغنام في القرى المجاورة قديماً، والمغارة التي املكها صغيرة مقارنة بالباقي، حيث قمت مع أبنائي بتوسيعها عن طريق الحفر في صخورها الهشة المائلة إلى الأحمر والأسود، وقد استفدنا منها بالكثير من الأشياء مثل تربية المواشي والدجاج، وفي قسم آخر منها جعلناها مستودعاً للمؤونة، وعلى مقربة منها تتوضع مغارة أحد عمومتي التي ما زالت مسكونة إلى الآن، وهي عبارة عن بهو كبير، ومقسمة إلى أكثر من قسم فمنها مخصص للنوم والمؤونة والاستقبال، وينزل إليها بدرج حجري.

أما القصص المتعلقة بالمغر في القرية، فهي متعددة ومتوارثة من جيل إلى جيل، ولها معان كبيرة في الدفاع عن الأرض والعرض والمستجير القادم للنجاة بحياته، ومنها قصة رجل يدعى "محمد خير" الذي هرب من قريته ولجأ إلى القرية هرباً من بطش الاحتلال الفرنسي، وسكن في إحدى المغر فترة طويلة قبل أن تعرف الشرطة الفرنسية مكانه وتأتي دورية من أربعة أشخاص للقبض عليه، فقام كل من "فايز الأعور"، و"طلال الصحناوي"، و"يوسف زرزور"، و"علي الصحناوي"، و"علي تبل" بالالتفاف على الدورية من تحت الأرض، فمشوا من دار آل "السلمان" إلى دار آل "تبل" بمسافة لا تقل عن 300 متر، فاشتبكوا مع الدورية التي بوغتت بالخارجين من الأرض، وأنقذوا دخيلهم من المصير المجهول، وحموا سمعة القرية وكرامتها».

السيد "ماهر فواز زرزور" تحدث عن مغارة جده ووالده، وكيفية المحافظة عليها، بالقول: «أذكر قصة يتحدث فيها كبار السن في القرية عن المغر، وكيف أنها متصلة ببعضها، ففي أحد أيام الشتاء هطلت الأمطار بغزارة شديدة لم تشهدها القرية من قبل، وكان والدي يخزن الحمص في المغارة التي كادت السيول الكثيفة تخرقها وتتلف المحصول، حيث قام بمساعدة الجيران بنقل المحصول إلى المغارة المجاورة لنا عن طريق النفق الواصل بينهما دون أن يتأثر بالمياه التي غمرت المغارة بعد ذلك بدقائق.

والآن المغارة التي تتوضع تحت منزلنا مفروشة (بالمدات) العربية القديمة، وفيها يرقد (وجاق) قديم للتدفئة، حيث يأتي الأصدقاء في الليل للتسامر والسهر بين جدرانها الدافئة، ولا حاجة أبداً للخروج منها من أجل الضيافة مثلاً، ففي القسم الصغير منها هناك الطعام والشراب، وكل وسائل الراحة التي تتطلبها ليالي الشتاء الطويلة.

قرية "بارك" من غوغل إرث

وقد قام عدد من الأهالي الذين يمتلكون المغر بتطوير الخدمات فيها، فمنهم من قام بتوسيعها، ومنهم من بنى حولها وأكمل سقفها بالقناطر التي نقلت من أماكن قريبة من القرية، ومنهم من أوصل الخدمات الصحية والكهربائية والمياه إليها».

من الجدير بالذكر أن المغر صنعتها الطبيعة، وقام الإنسان بتطويرها لتقيه من الخطر، ولا أحد يعلم من قام باختراع الأنفاق فيما بينها.