لا تزال مدرسة قرية "أمتان" التي بنيت قبل قرن من الزمن على مساحة تقارب ثمانية آلاف متر مربع (ثماني دونمات)، تشهد على العلاقة القائمة بينها وبين تاريخ إنشائها، فالحجارة البازلتية القديمة تنبئ الزائر عن عمق ارتباطها بالمكان وتجذر خريجيها بها.

المدرسة، التي بنيت بحسب معظم المعلومات في عشرينيات القرن الماضي، لا تزال صفوفها تستقبل عشرات طالبي العلم والمعرفة، وإن كانت بعض معالمها المعمارية قد شهدت تغيراً فرضته سلامة البناء والطلاب، فمثلاً أسقف صفوفها العالية التي كانت مبنية فيما مضى من "الربد"، ثم من الخشب الزان الطويل، أصبحت حالياً من الإسمنت المسلح، لكن جدرانها لا تزال تحافظ على ميزتها كعازل جيد للحرارة في الصيف والبرودة في الشتاء، وحسب ما يذكره المهندس "نجم بحصاص" أحد خريجي هذه المدرسة في حديثه لموقع مدوّنة وطن "eSyria" فهي «المدرسة الأقدم القائمة منذ ما يزيد على قرن من الزمن، حيث يذكر بعض المعمرين أنها بنيت مع بداية الاحتلال الفرنسي وقبيل الثورة السورية الكبرى أي قبل عام 1925، وبعضهم أكد أنها بنيت في العام 1927، وكان لها فضل كبير في تخريج شخصيات برزت في مجالات الفكر والاقتصاد والعلوم التطبيقية الأخرى منهم على سبيل المثال "تركي نمير" الذي علّم جميع شباب القرية، وشبلي العيسمي، والبروفيسور سليم الحسنية أستاذ علم الإدارة، وهناك شخصيات أخرى توزعت في دول العالم واحتلت مراكز قيادية سياسية واقتصادية وعلمية، إضافة إلى عدد كبير من الأطباء، المهندسين، الحقوقيين، وغير ذلك من مجالات العلوم الإنسانية والتطبيقية بمختلف اختصاصاتها، إضافة إلى عدد من ضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي، وأفخر بنفسي أنني ممن درست في صفوفها وتخرجت منها لمرحلة علمية انتقالية لأعود وأبني من حجارتها رواسي العلم والمعرفة».

بنيت منذ قرن بالحجارة البازلتية على أرض رملية، حيث تمتاز أسقف غرفها بالارتفاع الذي يصل في كل منها إلى حوالي أربعة أمتار ونيف، وجدران مقاومة لعوامل الطبيعة وظروف المناخ، وهي لا تزال تجتذب اهتمام الباحثين عن التراث والجمال المعماري وعلافة المكان في تركيبة العلاقات الاجتماعية

يعود المعمر "توفيق عماد" الذي اقترب عمره من 100 عام وهو من أهالي قرية "امتان"، بذاكرته إلى الوراء كثيراً ليؤكد أن شقيقه الأكبر وهو من مواليد عام 1915 درس فيها المرحلة الابتدائية، وقد تم بناء هذه المدرسة من قبل أهالي القرية، حيث نقلت حجارتها من مكان بعيد إلى مكانها الحالي، وهي تحتوي على ثمانية صفوف و(برندة) بمساحة مئة وستين متراً وساحة، الصفوف الثمانية تستوعب في كل صف ثلاثين طالباً ولكل شعبة مدرس خاص بها، إضافة لإدارة وأمين سر وكادر إداري وخدمي، أما مساحتها الإجمالية فقد بلغت ثمانية دونمات وقد تبرع بها آنذاك "فهد الأطرش" لمصلحة القرية، لتشهد حجارتها أنها علّمت أجيالاً متعاقبة من أبناء القرية، ومع تطور العملية التربوية والتعليمية تحولت في الوقت الحاضر إلى مدرسة مختلطة من الإناث والذكور، وهي تضم 240 طالباً وطالبة، إذ قبل ذلك كانت ابتدائية للبنات وتضم 150 طالبة، وما يميزها عن أقرانها التفوق والتميز وخصوصيتها عند أهالي القرية بما شهدت من أحداث ووقائع دوّنَ بعضها في كتب التاريخ واستخدمها الباحثون كمرجع لهم في التوثيق والتدوين».

الشيخ توفيق عماد والمهندس نجم بحصاص

بعض الطلاب ممن تعلموا في المدرسة عادوا إليها بعد فترة من الزمن كمعلمين بعد أن أنهوا تحصيلهم الدراسي، "معن جابر" أحد خريجي المدرسة سابقاً وحالياً هو معلم فيها يصف بكثير من الحب بيته الثاني فيقول في حديثه لمدوّنة وطن: «بنيت منذ قرن بالحجارة البازلتية على أرض رملية، حيث تمتاز أسقف غرفها بالارتفاع الذي يصل في كل منها إلى حوالي أربعة أمتار ونيف، وجدران مقاومة لعوامل الطبيعة وظروف المناخ، وهي لا تزال تجتذب اهتمام الباحثين عن التراث والجمال المعماري وعلافة المكان في تركيبة العلاقات الاجتماعية»، ويضيف "جابر": «رغم ما طرأ على المدرسة من عمليات ترميم، إلا أنها لا تزال تعدُّ مكاناً أثرياً تعليمياً لقدمها وقيمتها الإنسانية والاجتماعية".

"بسام أبو محمود" مدير التربية في السويداء أوضح في تصريح لمدوّنة وطن أنّ مدرسة قرية "أمتان" تعدُّ «من أقدم المدارس التي بنيت أثناء الاحتلال الفرنسي وما زالت إلى يومنا مستمرة في العملية التعليمية رغم تعرضها لتصدعات واهتلاك في أقسام المبنى، وهناك تقارير موثقة تؤكد أن بناءها لم يعد يتحمل، الأمر الذي دفع الأهالي لزيادة الأبنية حولها، وجعلها بمنزلة منارة ومتحف يلجأ إليه أفراد القرية، وربما بفضل هذه المدرسة سجلت "أمتان" أكثر نسبة تعليم بين القرى المجاورة لها نتيجة للوعي التعليمي والسعي نحو انتشار العلم لفئات عمرية مختلفة، وما تزال هذه المدرسة تشكل الذاكرة التي منها ومن بين صفوفها برزت قامات علمية هامة على مستوى الوطن والعالم، والعديد منهم هاجر إلى بلدان العالم وكان التفوق حليفهم وباتوا مراجع في علمهم واختصاصهم، ويمكن القول إن المدارس الأولى التي بينت في ذاك الزمن ورغم اشتداد ظلمة الاحتلال إلا أن الأهالي استطاعوا كسر حواجز الجهل والانتصار عليه بطلب العلم والتعليم، وتخرّج منها أساتذة شكلوا علامة فارقة في التربية في محافظة "السويداء"، كالراحل "تركي نمير" الذي علم اللغة والمعلومات العلمية اللغوية البسيطة أثناء الاحتلال الفرنسي».

جانب من المدرسة القديمة

الجدير بالذكر أن هناك مدارس أخرى تمتاز بالقدم نفسه، كالمدرسة الموجودة في قرية "القريا"، و"الكفر" والتي لا تزال قائمة وتقوم بالعملية التربوية، ومدرسة أخرى في مدينة "صلخد"، وثالثة في قرية "قنوات". كما أنّ هناك مدارس بنيت في عهد الوحدة عام 1958 مثل مدرسة "الفتاة" وغيرها من المدارس.

مدير التربية بسام أبو محمود