جسّدت مضافة "آل البسيط" منذ قرنٍ ونيف تميزاً في تاريخها الاجتماعي والوطني، حيث جمعت بين الصليب والهلال على موقف ثابت لإصلاح ذات البين في المجتمع.

مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 6 نيسان 2020 التقت "سميح البسيط" حفيد مؤسس المضافة للحديث عن تأسيس مضافة جده فقال: «تتميز بلدتنا بتنوع الطيف الاجتماعي منذ أن سُكنت وفق ما نقل عن الأجداد والأهل، وحين تدخل شوارعها لا تجد الفوارق المجتمعية بها، والأهم ترى الكنيسة إلى جانب الجامع والخلوة أو المجلس، وعمد جدنا "أسعد فارس البسيط" إلى إشادة مضافة العائلة بين الحجارة التاريخية التي تتوسط البلدة، حتى إذا ما مرّ ضيف لا بدّ له وأن ينال نصيبه من الكرم والضيافة، أسوة بجميع مضافات العائلات الكريمة في البلدة، وذلك مع نهاية الحكم العثماني البغيض، أي قبل عام 1918، حيث أشادها وفق النمط الهندسي المعتمد، وذلك لأن طبيعة المنطقة الجغرافية لا تتلاءم إلا مع طريقة هندسية معمارية تقي من برد الشتاء وحر الصيف، وطرأت مجموعة من التعديلات على الأرضية والغرف الجانبية حولها، لكنها ما تزال تشهد على أمرين أولهما قناطرها الداخلية التي يعود شكل تصميمها للعصر روماني، وهي شاهدة على عمق العلاقة المجتمعية بين الأطياف المتنوعة على مبدأ واحد وثابت في الموقف واتخاذ القرارات الجريئة التي من شأنها زرع المحبة والإيثار بين الناس، والثاني أنها شهدت أحداثاً تاريخية ووطنية، تنبئك عن ثقافة أفراد المجتمع الأخلاقية والوطنية، إذ كثيراً ما كانت تستضيف الخصوم لإصلاح ذات البين بينهما».

لقد شهدت هذه المضافة أحداثاً كثيرة في ظل صاحبها "فارس البسيط"، وخاصة بالوقائع الاجتماعية المتعلقة بالإصلاح والتمهيد لعقدة الراية في زمن مشبع بالخلافات المحلية، أو مع الجوار أو مع العشائر، ومن تلك الاجتماعات المتداولة الخلاف مع العشائر في منتصف الأربعينيات الذي أدى لاتساع دائرة الخلاف، وقتل رجل من البلدة، وبمساعٍ خيرة من قادة الرأي آنذاك تم اختيار هذه المضافة لتقريب وجهات النظر والصلح، وتم ذلك بوثيقة محفوظة ضمن أوراق هذه الدار، وهو دليل على ثقة الأهالي والعيش المميز بين أطياف المجتمع. تتصدر جدرانها صور السيدة "العذراء"، والسيد "المسيح" عليه السلام، والصليب الدال على توحيد الرؤية والانتماء، ونشر معنى العيش المشترك الواحد للأطياف المتنوعة، ولعل التميز في الشخصيات التاريخية أمثال القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" الذي كان يصر حينما يقع خلاف بين الأطراف المتنازعة المحلية من عائلات البلدة ألا يقبل الحل إلا في مضافة "آل البسيط"، وهم متفقون على ذلك

وتابع "سميح البسيط" بالقول: «لقد شهدت هذه المضافة أحداثاً كثيرة في ظل صاحبها "فارس البسيط"، وخاصة بالوقائع الاجتماعية المتعلقة بالإصلاح والتمهيد لعقدة الراية في زمن مشبع بالخلافات المحلية، أو مع الجوار أو مع العشائر، ومن تلك الاجتماعات المتداولة الخلاف مع العشائر في منتصف الأربعينيات الذي أدى لاتساع دائرة الخلاف، وقتل رجل من البلدة، وبمساعٍ خيرة من قادة الرأي آنذاك تم اختيار هذه المضافة لتقريب وجهات النظر والصلح، وتم ذلك بوثيقة محفوظة ضمن أوراق هذه الدار، وهو دليل على ثقة الأهالي والعيش المميز بين أطياف المجتمع.

المؤرخ ابراهيم جودية مع الحفيد

تتصدر جدرانها صور السيدة "العذراء"، والسيد "المسيح" عليه السلام، والصليب الدال على توحيد الرؤية والانتماء، ونشر معنى العيش المشترك الواحد للأطياف المتنوعة، ولعل التميز في الشخصيات التاريخية أمثال القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" الذي كان يصر حينما يقع خلاف بين الأطراف المتنازعة المحلية من عائلات البلدة ألا يقبل الحل إلا في مضافة "آل البسيط"، وهم متفقون على ذلك».

وأوضح "إبراهيم جودية" عضو الجمعية العلمية التاريخية بالقول: «تكررت زيارات "سلطان الأطرش" القائد العام للثورة السورية الكبرى إلى هذه المضافة، وخاصة بعد عودته من "وادي السرحان" في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، نظراً للاتزان والوطنية الصادقة لهذه الشريحة من أبناء "ملح" الغيارى، وحكمة وشجاعة "فارس البسيط" في الحقل الاجتماعي، وتقديراً واحتراماً لهذا البيت الكريم.

سميح بسيط مع صورة العذراء

وفي إحدى الزيارات حصلت بعض الإشكاليات في البلدة بين العائلات، وقد حل ضيفاً على مضافة "آل البسيط" لوضع الحلول المناسبة، لكن المفاجأة كانت باجتماع المتخاصمين ودخولهم مجتمعين ومتفاهمين إكراماً للمضافة وصاحبها ومكانتها بين الأهالي، واحتراماً للضيف الكبير الذي أثنى على "ملح" وأهلها، وقيل أن عينه ذرفت دمعة على هذا الموقف النبيل، وقال كلمته المشهور يومها (ملح شيطانها صغير).

وفي عام 1936 شهدت المضافة اجتماعاً إنسانياً هاماً لكل أهالي البلدة، وذلك لجمع كمية من الحبوب وتوزيعها على الفقراء والعمال القادمين من "دمشق" وريفها نظراً للجفاف الحاصل في ذلك العام، وفي عام 1947 انتشرت زراعة لم تكن مستحسنة عند الكثير رغم اعتراض الأهالي والفلاحين على زراعتها، ولم تتعاط حكومة "جميل مردم بك" مع هذا التوجه، الأمر الذي فرض لقاء ضمن مضافة "فارس البسيط" حضره زعماء ورجال دين من كل أطياف منطقة الجبل، ومنهم "مطران حوران وجبل العرب" مع العلامة الشيخ "نصر الدين رزق"، والهدف من هذا الاجتماع مناشدة المسؤولين في المحافظة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمطالب الفلاحين، وكان لهم ما أرادوا. ونستطيع القول أن مضافة "آل البسيط" هي محطة الإصلاح والموقف الواحد لمجتمع متنوع».

صورة وثائقية أمام المضافة من ثمانين عاماً