فرضت الحياة اليومية والأعمال الموسمية تسمية أكلات شعبية تتلاءم مع طبيعة العمل؛ فقد سميت "سف المقابي" وهي تضم مجموعة من أكلات "سف الملفوف وورق العريش" على الرغم من مضمون أسباب تسميتها التي تنم عن عكس مضمونها، فهي تحمل دلالة اجتماعية مخالفة للواقع.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 30 تموز 2015، التقت المحامي "عامر الخطيب" من أهالي قرية "شعف"، وبيّن قائلاً: «كوّنت هذه الأكلة تاريخياً علاقة تبادلية بين أفراد المجتمع لأنها تزيد من التقارب الأسري في التعامل معها، وهي قديمة لأنها فرضتها ظروف الحياة وطبيعة المكان والزمان، لكنها اليوم لم تعد تحمل ذلك الرونق الفكاهي الجمالي في استخدامها وتداولها، لأنها أصبحت حالة تقليدية، لأن مضمونها يختلف عن دلالة اسمها؛ فهي تنطوي على خفايا مهمة في تفاصيل إعدادها وأتت تسميتها عكس مضمونها».

كوّنت هذه الأكلة تاريخياً علاقة تبادلية بين أفراد المجتمع لأنها تزيد من التقارب الأسري في التعامل معها، وهي قديمة لأنها فرضتها ظروف الحياة وطبيعة المكان والزمان، لكنها اليوم لم تعد تحمل ذلك الرونق الفكاهي الجمالي في استخدامها وتداولها، لأنها أصبحت حالة تقليدية، لأن مضمونها يختلف عن دلالة اسمها؛ فهي تنطوي على خفايا مهمة في تفاصيل إعدادها وأتت تسميتها عكس مضمونها

"محمد طربيه" باحث تراثي، أوضح عن "سف المقابي" قائلاً: «تعد "سف المقابي" أكلة ربيعية لما يلزمها من بصل أخضر، وقد اقترنت هذه الأكلة بموسم "تطبيع المقابي"؛ أي "تحويل زبل الحيوانات إلى جلة للوقد"، وهذه العملية تتم أواخر الربيع كي تجف "الجلة" في الصيف، وتكون جاهزة كمادة رئيسة في الشتاء. فإذا جاء موسم "تطبيع المقابي" كان "السف" هو الأكلة المفضلة التي تعدها السيدة للنساء اللواتي يجتمعن عندها لمعونتها، ولذلك أطلقوا عليها "سف المقابي"، ولأن "المقابي" من مخلفات الحيوانات، فإنها تحمل دلالة عكس ما هي، إذ تتزامن مع صناعة "الجلي من المقابي" لاستخدامها كوقود من برد الشتاء، توضع في "بابور" يسمى "بابور الجلي" وصناعة "طبوع الجلي" من المقابي أي من مخلفات الحيونات، تجتمع النسوة للمعونة ويعددن الطعام المتزامن مع تلك الصناعة التي سميت "سف المقابي" وهي قديمة جداً تعود إلى بداية السكن في "السويداء"».

عامر الخطيب

وعن مكوناتها بينت السيدة المعمرة "رمزية حلاوة" من أهالي مدينة "السويداء" قائلة: «تتكون أكلة "سف المقابي" من: "برغل مفلفل، حمص مفقوش، بصل أخضر، نعناع، سمن عربي، دهن، ملح وبهارات". ويتم إعدادها وفق التالي: يسلق الحمص "المفقوش" حتى ينضج، ثم يضاف إليه البرغل المفلفل، وتطفأ النار، ويترك البرغل مع الحمص مدة في الماء المغلى، وبعد أن يلين البرغل يضاف السمن العربي والدهن البارد، يتم فرم البصل الأخضر والنعناع، ويضاف إلى البرغل، يضاف الملح والبهارات المتنوعة، ويقدم معه كمية من البصل الأخضر لمن يرغب، ويقدم اللبن الرائب، وهناك "سف الملفوف" الذي يعد بنفس الطريقة السابقة، بسلق الملفوف "نصف سلق"، ويقدم مع "السف" منفصلاً، وذلك بدلاً من البصل الأخضر، ثم يعصر الليمون فوق الملفوف المسلوق حسب الحاجة والرغبة، يؤكل الملفوف مع "السف" بدلاً من الخبز، وهناك أيضاً "سف ورق العريش" الذي يبدأ بخطوات منها ينقع الحمص "المفقوش" بالماء الساخن، ثم يضاف إليه البرغل الخشن "المفلفل" والدهن والسمن العربي، وتفرم كمية من البصل اليابس وتضاف إلى المزيج، وتضاف إليه التوابل والملح، ويترك حتى يلين، ويقدم مع ورق العريش الطري، وقد يقدّم معه "القلحين"، وهناك أكلات شعبية شتوية تترافق معها مثل "المخلوطة"، ومكوناتها البرغل المفلفل، والحمص، والعدس، والبصل، والبهارات وخاصة الكمون. ويتم إعدادها على مراحل؛ إذ تبدأ بنقع الحمص الصحيح "غير المفقوش" لمدة 12 ساعة، ثم يصفى من ماء النقع ويسلق ويضاف العدس قبيل نضجه وقبيل استواء العدس يضاف البرغل المفلفل، ويضاف البصل المقطع إلى قطع كبيرة "البصلة أربعة أقسام تقريباً"، ثم يضاف الملح والبهارات، وخاصة الكمون، كذلك يضاف الدهن والسمن العربي "دون تسييح"، وينبغي أن تكون كمية الماء وافية، لأنه يقدم مرقاً».

الشاب "ثائر القاضي" وهو مهتم بالأكلات الشعبية، أوضح بالقول: «هذه الأكلات متداولة اليوم ولكن ليس بالاسم ذاته، يقال لها "بليلة" أو مشابه، لكن "سف المقابي" لم يعد لها وجود، خاصة بعد تطور مراحل التدفئة، ولهذا فإن الأكلات الشعبية مازالت قائمة ولكن ليس بتلك المناسبة التي تسببت بها، بل ربما أصبحت اليوم تلك أنواع تقدم على مائدة لها طقوسها الرسمية والناس يعدونها من الوجبات المهمة على المائدة، ولهذا بين الماضي والحاضر استمرت أنواعها وانقرض السبب والمسبب لها».

طبوع الجلي
ثائر القاضي