"من تحت إيد وباط"، "يا كركيعة"، "لفتك ما لفتك"؛ أسماء ألعاب شعبية قديمة مشهورة في "السويداء"، تمارس أثناء مواسم القطاف وجني المحاصيل، تجسد تلاؤم أدوات الزراعة مع الطبيعة، وتحقق رغبات الشباب بإظهار القوة والمهارة، وترفع وتيرة التنافس أثناء العمل.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8 تموز 2015، المزارع "توفيق كيوان" من أهالي "السويداء"، ويقول: «كثيراً ما يقوم مجموعة الشباب باللعب أثناء القطاف وجني المحاصيل، ومن تلك الألعاب: "من تحت إيد وباط، والكركيعة، ولفتك ما لفتك"، حيث يقوم الشباب بالتشجيع وبث الحماسة بين المزارعين أثناء القطاف بغية إنجاز أكبر مساحة ممكنة، ويتم ممارسة تلك الألعاب في أوقات الاستراحة.

مازالت بعض الألعاب الشعبية متواجدة على الرغم من قدمها؛ إذ كلما ذهبنا إلى حقولنا الزراعية نقوم بوقت الاستراحة بممارسة الألعاب وخاصة "تحت إيدو وباط" التي تعبر عن قوة وعزيمة الرجل، والاستطاعة في الخفة والرشاقة، وهي لعبة قديمة وما زالت مستمرة نقوم بها كلما دعت الحاجة إلى اللهو واللعب أثناء القطاف أو جني المحاصيل

تلك الألعاب الشعبية هي وليدة طبيعة الحياة وخصوصيتها في المنطقة، وتكمن في استخدام الألعاب لتفادي الملل واستمرار الجهد والقوة، وجعل العلاقة التشاركية والتبادلية في حب التنافس على زيادة الإنتاج، وهي جزء من منظومة القرية التي يتمتع بها معظم الأهالي، وتكمن الجوانب الإبداعية فيها من خلال الدمج بين الفئات العمرية؛ فأغلب الأحيان يتدخل الكبار في اللعبة لبث الحماسة عند جيل الشباب، وجعلهم يتبادلون العلاقات وتكريس مبدأ التنافس الشريف في رفع وتيرة الأداء».

الباحث فوزات رزق

الباحث التراثي "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب؛ أشار إلى تاريخ وطريقة اللعبة، ويقول: «تطلق عبارة "من تحت إيد وباط" للتعبير عن القيام بأمر ما من دون اهتمام وبلا مبالاة، وقد جاءت العبارة من طريقة ضرب الحجارة أثناء اللعب أو العمل، ففي بعض الألعاب التي تعتمد إصابة الأهداف مثل لعبة "طس القعقير" مثلاً، يأخذ اللاعب حجراً ويلوّح به على امتداد ذراعه، ويقذفه باتجاه الهدف بغية إصابته. ويفعل مثل ذلك إذا أراد إصابة حيوان أو طير، غير أنهم إذا أرادوا تنقية الملعب من الحصى مثلاً، فإن الواحد منهم يأخذ الحصى بيده ويرميها من تحت إبطه خارج الملعب، من دون أن يوجهها إلى هدف محدد، ويفعلون مثل ذلك إذا أرادوا إبعاد حيوان أو دجاجة عن مكان ما، وذلك بقصد الردع لا بقصد الإصابة؛ ومن هنا جاءت عبارة "من تحت إيد وباط" كناية عن عدم الاهتمام، أما عبارة "لفتك ما لفتك"، فيقصد بها التنديد بالمراوغة؛ فإذا صادف أن وعد أحدهم ولم ينجز وعده، وتكرر منه ذلك قال له صاحبه: (عبتلاعبني لفتك ما لفتك)».

ويتابع: «أصل العبارة مأخوذ من لعبة للأطفال بهذا الاسم يلجأ فيها اللاعب إلى إيهام خصمه بخطر ما أو لفت انتباهه إلى شيء من دون أن يكون له وجود، فإذا التفت الخصم ولم يرَ شيئاً أسقط في يده، فيبادره خصمه بالقول:

أكرم الغطريف

"لفتك ما لفتـّك.. طعميتك حزى ستك

ستك بالمغارة.. حلبتلك حليب فارة".

أثناء القطاف

والقصد من ذلك المرح فقط.

أما لعبة "يا كركيعة" فهي عبارة يريدون بها نشر الخبر وإشاعته؛ فإذا أرادوا التكتم، والحرص على عدم بث الخبر قالوا: "ما بدنا يا كركيعة"، وربما نددوا بنشر الخبر بقولهم: "عملها يا كركيعة"، والعبارة مأخوذة من طريقة الأولاد في الدعوة للعب ليلاً، فإذا أرادوا اللعب في النهار، فإنهم يذهبون إلى الساحة حيث يجتمع الأولاد، أما إذا أرادوا اللعب ليلاً، فيخرج أحدهم من بيته منادياً بأعلى صوته:

"يا كركيــــــعة.. لمي ولاد الضيعة".

فيسمعه جاره، ويخرج هاتفاً:

"لنلعب بالساحة.. خريجة الملاحة".

فيسمع الهتاف آخر، فيخرج هاتفاً:

"والي ما بيجي هالق.. تحت امه بس مبلق".

وما هي إلا دقائق حتى يجمع هذا الهتاف أولاد القرية الذين يمضون إلى الساحة هاتفين: (يا قمرنا لا تغيب، لنعلقلك شرشيب، شرشيب بنت الخطيب، ولي ما بيجي هالق، تحت امه بس مبلق)».

المهتم بالتراث الشعبي "أكرم الغطريف" من أهالي "السويداء" أوضح استمرار بعض الألعاب الشعبية، ويقول: «مازالت بعض الألعاب الشعبية متواجدة على الرغم من قدمها؛ إذ كلما ذهبنا إلى حقولنا الزراعية نقوم بوقت الاستراحة بممارسة الألعاب وخاصة "تحت إيدو وباط" التي تعبر عن قوة وعزيمة الرجل، والاستطاعة في الخفة والرشاقة، وهي لعبة قديمة وما زالت مستمرة نقوم بها كلما دعت الحاجة إلى اللهو واللعب أثناء القطاف أو جني المحاصيل».