يشكل الشاعر "محمد حديفي" بين الأوساط الأدبية شاعراً يجيد القصيدة المتنوعة، يعيش معها فضاء واسعاً من التخييل والإبداع.

حول عالم القصيدة الحديثة مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 4 تشرين الأول 2019 التقت مع الشاعر "محمد حديفي" عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب وبين قائلاً: «بين قصيدتي التفعيلة والعمودي خيطٌ سري، يجمع بينهما رابط وحدة الشعور المتكاملة، بحيث ينتقل الشاعر إلى مزيج جميل بين التفعيلة والعمودي معاً بوحدة القصيدة وفي ذلك السياق النصي للقصيدة بوتيرة واحدة ودلالة مشتركة ورؤية متجددة بالطريقة والأسلوب الفني ويمكن أن يكون نموذجاً متعدد الأغراض كما في قصيدتي بعنوان "أبي وقريتنا النائية" والتي أقول فيها:

يعدُّ الشاعر "محمد حديفي" واحداً من الأصوات الشعرية الوطنية المهمة المجددة في القصيدة الحديثة وهو الجامع بها عنصري الإدهاش والانزياح الدلالي بالصور التعبيرية والواقعية والرمزية، وهو بذلك يعمل على أن يكون المطوّر والمجدد في كسر الرتابة التقليدية بجمعه بين التفعيلة والعمودي في قصيدة واحدة ذات هدف مشترك، ولعمري استطاع الشاعر أن يسبح في عالم فسيح بين التفعيلة والعمودي بطريقة إبداعية جديدة في إظهار مكنونات القصيدة الحديثة

طوبى لكف تمسح الحناء

عن وجه الشفق

غيث لأرض رويت بالدمع حينا

ثم حينا بالعرق

وجه تثلّم كانحناء السيف

يا وجه أبي

يا واحة الملتاع في ليل الأرق

الدكتور فايز عز الدين

كم ليلة عضّ الصقيع أصابعي

الشاعر محمد حديفي

كم ليلة ناديت باسمك

من أعماله الأدبية

يا أبي

ولا أزال بحرقة

أرنو إلى الباب المسمّر

بيننا

حتى تجيء محملا بالصبح

أو عطر الحبق

لكنني...

أما في العمودي وبنفس القصيدة:

وحدي أنا والليل والمزراب ينتحب وسرب نجم طوت أجفانه السّحب

وحدي أصارع أشباحا فتهزمني وحين تعوي ذئاب الليل أرتعب

وحدي ألوب وعين الناس غافية والضوء يشهق حين الريح تضطرب

وحدي أنادي أبا يأتي ليسعفني لا شيء إلا دبيب الموت يقترب

من الملاحظ كيف يمكن أن يتخذ من الذاتية المعمقة بالبيئة المحلية عناقيد مجملة بالكلمة وبالصور الدلالية، والانزياحات المتسابقة من شأنها التأكيد على جمال الرؤية لما لها من معنى بالبعد المكاني وتأثير الروح، ولهذا عشت كشاعر حالتين بين المدينة والقرية وانعكسا بمدلوليهما الفكري والثقافي من خلال عالم فسيح يجمع في فضاء الإبداع الموحّد بطريقة التفعيلة للقرية والعمودي للمدينة والمفروض عكس ذلك أن يكون».

وتابع الشاعر "محمد حديفي" بالقول: «أعتقد أن الشاعر الراغب بالجمع في سماء الشعر بين التفعيلة والعمودي يجعل المنتصر الشعر نفسه ومفهومه هو للشعر بطموح جامح وأنانية مفرطة في التصدر، ليشكل مشهدية شعرية ومسرحية درامية غنائية وانتقائية ثاقبة بالإغراق والإجحاف بحق جمال الشعر التاريخي مضيفاً إليه صورة الحداثة بتقمص حالة وجدانية إنسانية بين الشكل والمضمون، وعلى حد قول الدكتور "فاتح علاق" بدراسته النقدية المعنونة "مفهوم الشعر عند رواد الشعر العربي الحر" "يعد الشعر العربي الحر انعطافة شعرية لم يعرف الشعر العربي مثيلاً لها في مسيرته من قبل، ذلك أنه لم يتغير على مستوى المضمون فحسب، بل على مستوى الشكل أيضاً، وهذا ما لم يستطع الشعر العربي الرومانسي تحقيقه وإن مهد له، وهذه الثورة الشاملة في الشكل والمضمون من شأنها أن تدفع إلى طرح أسئلة كثيرة"، وبالتالي فإننا نشهد رؤية متجددة في توظيف المكان ومع اختلاف الزمان بين الشكل والمضمون لمفهوم الشعر الحر، ولعل رؤيتنا هنا بين الشكل والمضمون في هذه القصيدة تحمل المضمون الذي يعبر فيه الشاعر عن مكنونات عشق وحنين لقريته جاعلاً وجه أبيه حالة رمزية أو أسلوباً دلالياً للتعبير فيه عن الانتماء، ولا بدّ للشاعر أن يعيش حالتين متناقضتين بين قصيدة التفعيلة في قريته وبين الحنو وما يعتليه من المشاهد يومياً في المدينة بالقصيدة العمودية، ويعمل على تزاحم الصور بفوارق فراغات بين الالتحاق بركب العمودي بعد القفلة لقصيدة التفعيلة، إذ إنّ نقل المتلقي بين كلمة في القصيدة المتخيلة إلى عالم المعيش ضمن برهة زمنية تعود به لخيال بعيد وينتقل إلى عالم الحنين بالمتخيل السردي الواقعي، من خلال ذاتيته بادئاً كل بيت بكلمة، هي تعبير عن قاعدة الأنا الكلية وجعلها انطلاقة كي يبقى مغموساً بحنين مستذكراً واقعاً ما يجري بالمشهد اليومي وهذا الاندفاع النفسي الذي يحمله الشاعر في مضمون قصيدته ذات الأشكال المتنوّعة التي تتجسد فيها عوامل الشاعرية بتوفر عنصر الانزياح الدلالي».

وأوضح الدكتور "فايز عز الدين" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في "السويداء" قائلاً: «يعدُّ الشاعر "محمد حديفي" واحداً من الأصوات الشعرية الوطنية المهمة المجددة في القصيدة الحديثة وهو الجامع بها عنصري الإدهاش والانزياح الدلالي بالصور التعبيرية والواقعية والرمزية، وهو بذلك يعمل على أن يكون المطوّر والمجدد في كسر الرتابة التقليدية بجمعه بين التفعيلة والعمودي في قصيدة واحدة ذات هدف مشترك، ولعمري استطاع الشاعر أن يسبح في عالم فسيح بين التفعيلة والعمودي بطريقة إبداعية جديدة في إظهار مكنونات القصيدة الحديثة».

يذكر أن الشاعر "محمد حديفي" من مواليد قرية "عنز" في منطقة "صلخد" عام 1945.