خرجت "هند دويعر" من رحم الأدب، متسلّحة بقلم وكتاب كانا يلازمانها في الحياة، لكنها لم تتبع طريق والديها، وراحت باتجاه الترجمة التي أبدعت في نصوصها، وأنتجت خلال مدة قصيرة عدة أعمال أدبية شهيرة، على الرغم من أنها لم تدرس اللغة الإنكليزية أكاديمياً.

بواقعية صادقة، فردت المترجمة "هند دويعر" كلماتها لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 حزيران 2019، لتتحدث عن علاقتها مع الطفولة والكتاب، فقالت: «الآن وبعد ثلاثين سنة لا يبدو هذا السؤال واضحاً، أقصد الجواب عنه، من الطبيعي ولأن ولادتي في "السويداء" تعلّمت في مدارسها، وقضيت طفولتي في حدائقها أو ملاعبها الحرة المشاع، أو المخصصة للألعاب الرياضية. أما أسرتي في الشكل وليس المضمون، فتشبه أسراً كثيرة. ما أريد قوله، وبعد هذه السنوات إنني أبحث عن الانتماء كلما سئلت هذا السؤال البسيط. طفولتي مرحلتي الأجمل، ابنتي المدلّلة التي كانت تملك أباً مثقفاً، وأمّاً تحلم بالشعر وتكتبه، وأصدقاء رائعين. أنا الآن بعيدة جداً عن تلك البنت المدلّلة، حتى إنني أحتار تماماً بالبحث عن شبه يجمعني بها، ولا أظنّ أنّ أحداً في هذه البلاد ما زالت طفولته أو صفوفه الأولى معافاة الصورة».

مفهوم الترجمة محيّر، وكتب عنه وفيه مفكرون كثر، أنا أقتنع إلى الآن بما أدلى به "بورخيس" بأن الترجمة يجب أن تكون ترجمة حرفية تقتل الاحتمال في اللغة -هنا لا علاقة لروح النص- هي روح النص لغز نجاح الترجمة أو فشلها، إذاً تتمةً للجواب إن أهم أدوات المترجم الحقيقي هي الإدراك؛ إدراك النص الأصلي، وفهم ظرفه التاريخي (الزمني)، إضافة إلى الأداة الدائمة؛ وهي اللغة العربية بسحرها، أي بروحها أو للدقة العلمية بفضاءاتها الواسعة

وعن دخولها مجال الترجمة، والمحفزات التي يجب أن يتمتع بها المترجم، قالت: «الكتابة والقراءة في البيت منذ الصغر، فهما الشغل الشاغل لوالدي القاصّ "رياض دويعر" أولاً، وقبل ولادة حلم أمي المتوفاة "سميرة عزام" بأن تكتب الشعر. مع أن الصورة غير واضحة، لكن لا بد أن اللا وعي عندي متعلق بما كان يشغل بالهما. ولأنني اخترت كلية الفنون الجميلة للدراسة الجامعية مع العلم أن رغبتي الثانية كانت كلية الآداب (الأدب الإنكليزي)، ولأنني أكملت في كلية الفنون، كان لا بد من عمل في اللغة الإنكليزية يبرّر حبي الكبير لها -إلى الآن لا أعرف إن كنت أذنبت بعدم دراستي جامعياً لها- المهم أن الترجمة كانت الفعل والشغف لهذا التعلق، هكذا بدأت وهذا ما أنا عليه الآن، ومع العلم أن لي ثلاثة كتب مطبوعة، هي: "راقصة الكواليس"، "رحلات جيلفر"، و"قصص من أراض عدة"، وكتاب مختارات من الشعر الأميركي في مرحلة التجهيز للطباعة في "الهيئة العامة للكتاب".

قصص من أراضٍ عدة

ما زلت أبحث عن مسار ممنهج أنتقي فيه ما أحلم بالفعل أن أترجم في المستقبل، فأنا أرصد العبثية في حركة الترجمة في الوطن العربي بوجه عام، مع العلم أن المشروع القومي في "مصر"، أو مشروع "كلمة" في "الإمارات" بدت إلى الآن مشاريع ذات هوية».

وعن الأدوات التي يحتاج إليها المترجم حتى يصبح نصّه قريباً من اللغة الأم، قالت: «مفهوم الترجمة محيّر، وكتب عنه وفيه مفكرون كثر، أنا أقتنع إلى الآن بما أدلى به "بورخيس" بأن الترجمة يجب أن تكون ترجمة حرفية تقتل الاحتمال في اللغة -هنا لا علاقة لروح النص- هي روح النص لغز نجاح الترجمة أو فشلها، إذاً تتمةً للجواب إن أهم أدوات المترجم الحقيقي هي الإدراك؛ إدراك النص الأصلي، وفهم ظرفه التاريخي (الزمني)، إضافة إلى الأداة الدائمة؛ وهي اللغة العربية بسحرها، أي بروحها أو للدقة العلمية بفضاءاتها الواسعة».

الناشر والروائي فواز عزام

أما فيما يتعلق باختياراتها الأدبية للترجمة، ورأي النقاد بما تقدم، أضافت بالقول: «كان وجود أو ظهور الروائي "فواز عزام" في حياتي هو الحدث الأكثر قيمة، وصاحب الأثر الأكبر، فهناك أشخاص يعلمونك الكثير، لكن قلة من يستطيعون تعليم الحياة حتى حملها وإنقاذها من كل الخراب.

كان وما يزال يزودني بالرأي والنصيحة، وهو القارئ الأول لكل ما أترجم، ولا أظن أن هناك من يعرف عن فضاءات النصوص وأرواحها أكثر منه. ومتابعة للإجابة التي سأستمدها من كلامه بالنسبة للنقد، فإن حكم القيمة سقط منذ زمن في "أوروبا"، وأصبح النقد أقرب إلى القراءة الواعية».

من أعمالها المترجمة

الروائي والناشر "فواز عزام"، قال عنها: «ببعض الخبرة القادمة لـ"هند"، والقليل من دعم شخصية المترجمة فيها، ستغدو اسماً واضحاً في هذا المجال. لقد قضيت وما أزال في علم النشر سنوات طويلة، وصرت أعرف تماماً مقومات المترجم الناجح، "هند دويعر" تملك لغة عربية صحيحة وجميلة، وتملك وعي التلقي الناضج كقارئة. أضف إلى أن تمكنها من اللغة الإنكليزية لم يكن أكاديمياً بقدر ما هو ممارسة وسماع ومشاهدة؛ وهذا ما مكنها من فهم المضمون على حساب الشكل، وفهم الفضاء على حساب الحدث.

وأرى أن الحاجة الآن هي للمترجم النظيف بمعيار المصداقية، ولا بد من قتل ما يمكن أن يكون شطحات إبداعية عند بعض المترجمين، وهذا شهدته الساحة العربية، وهو جلي وواضح في تحدي أكثر من المترجم لترجمة عمل واحد.

ما أريد قوله إنني كناشر أستطيع المضي قدماً مع "هند" لطباعة أعمال قادمة، وقد بدأت هذه المسيرة بالفعل حين صدر منذ شهر تقريباً كتاب "قصص من أراضٍ عدة».

يذكر، أن المترجمة "هند دويعر" من مواليد مدينة "السويداء"، عام 1988.