يسعى إلى تجاوز حدود الواقعية في نصوصه، حيث يتناول المعطيات الفنية التي يركبها بألفاظ ينتقيها خياله فتصبح القصيدة مبتكرة، تنساب حروفه وفق منطق جدلي يعمل على توحيد البنى الشعرية، ويدفع المتلقي إلى الوقوف عند جماليات النص ومحتوياته.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "محمد حديفي" بتاريخ 7 تشرين الثاني 2017، فقال: «بدأت نظم الشعر شفهياً ونسجاً على منوال الشعر الشعبي الذي كنت أسمعه من الفلاحين وهم يرددونه في حقول الحصاد أو في الأعراس ومناسبات الفرح، وأذكر حين كنت في الثامنة من عمري، كنت أحزن كثيراً حين كان من حولي لا يصدقون أنني أنا قائل هذا الشعر الشعبي، أما أول قصيدة باللغة الفصحى كتبتها، فكانت وأنا في الصف الثامن، وهي رثاء لشهيد اسمه "نصار"، أذكر منها:

التكريم مفيد إذا كان نتيجة حتمية وطبيعية لجهد ما، وبالنسبة للجوائز لا أثق بحياديتها ولم تستهوني، لم أتقدم إليها وإنما ومن دون إذني أخذت قصيدة لي ولحنت، فحصلت على الجائزة الأولى في الشبيبة في ثمانينات القرن الفائت

"تعالي روح نصار تعالي... مازال طيفك ماثلاً في خيالي

محمد حديفي خلال إحدى مشاركاته الأدبية

أطـفأ النور مـنك مســتبد... ودنــســك جـبـان انفصـــالـي

تناســوا أنك خـلفت شعباً... عظيماً لا يهــاب ولا يبـــالي"

من إصداراته

وقبلها وتحديداً وأنا في الثالث أوالرابع الابتدائي، كان يجتمع أترابي من حولي لأسرد على مسامعهم حكايات من الخيال مشوقة وتحمل الطابع الهزلي؛ وهو ما يجعلهم يطالبونني بإكمال الحكاية في اليوم التالي، وكان هذا حافزاً يسعدني، إضافة إلى مسألة مهمة حفرت عميقاً في ذاكرتي وهي تردد الشعراء الشعبيين إلى مضافتنا في القرية، حيث كنت أنتظرهم بشغف ليؤدوا غناء البطولة والوجد والعشق على الربابة التي كان صوتها يسحرني آنذاك، من هنا أستطيع القول إن ذائقتي الإبداعية قد تكوّنت من صفاء الريف ونقائه وبوح العاشقين العذريين فيه».

وعن رأيه بالشعر يقول: «هو رحلة الروح صعوداً نحو معارك الصفاء بغاية الاستشفاء، من يقرأ أشعاري يشم رائحة التراب ويرى الأطفال يتراكضون في ساحات القرية وسطوحها، والصبايا يقطفن الحبق من حواكيرها، وبرأيي يجب ألا يبتعد الشاعر عن واقعه؛ فعزلة الشاعر وانكفاؤه عن هموم وطنه وما يحيط به -في تقديري- خيانة لتراب الأرض وقدسيته».

ويتابع عن إصداراته: «ديواني الأول الذي أصدرته كان بعنوان: "ليل المشاعر"، وهو شعر عمودي مقفى وموزون، صدر لي خمسة دواوين، ولدي اثنان؛ أحدهما قيد الطبع، معظمها من شعر التفعيلة، وقد حاولت كتابة الشعر الحر (قصيدة النثر)، إلا أنني لم أجد ذاتي فيها، فعدلت عنها إلى شعر التفعيلة الذي يستهويني ويفتح أمامي ساحة رحبة أجول بها بمتعة واطمئنان، غلب على مواضيع كتاباتي الطابع القومي والوطني وقصائد الرثاء في المدة الأخيرة، وبرأيي الشعر يصبح شعراً حينما يحمل هموم الناس ويعبد الطريق للأجيال وهم يخطون باتجاه الغد».

وعن نشاطاته الأدبية يضيف: «حالياً أقوم بكتابة رواية أحداثها وشخوصها من الواقع الحي الذي كنت شاهداً عليه، كما أنجزت كتاباً بعنوان: "الجرح السوري"، كذلك لدي كتاب منجز كمخطوط؛ وهو مجموعة مقالات في الأدب والسياسة، إلى جانب كتاب أعددته بعنوان: "أنطولوجيا الشعر السوري"، ستتم ترجمته إلى اللغة الفارسية. أما مشاركاتي الأدبية، فقد تنوعت داخل وخارج القطر، وخلال مؤتمرات أدبية في "بيروت، والبحرين، والكويت، ودبي"، وفي تقديري مشاركة الشاعر في النشاطات تعدّ مهمازاً له ليدقق ويهتم أكثر فيما يقدمه للمتلقي».

ويبدي رأيه بدور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر النتاجات الأدبية: «في المرحلة التي تمر بها "سورية"، والتي تلقي بظلالها على العملية الإبداعية كانت وسائل التواصل الاجتماعي المنبر لمن لا منبر له، لكنها وبغياب النقد الحقيقي وكثرة المجاملات ولهاث بعضهم خلف الشهرة السريعة وعدم التزود بحصيلة ثقافية، أعطى في كثير من الأحيان مردوداً عكسياً، وأنا من الناس أتألم بشدة حين أجد تهاطل الإطراءات على عمل ضحل ركيك لاعلاقة له بالابداع ويبدو أقرب ما يكون إلى الهلوسة، يحزنني ذلك وأتأسف كثيراً على هؤلاء الشبان والشابات الذين استسهلوا الأمر وركبوا الموجة، فبدوا وكأنهم يمشون عكس السير، لكنني أعدّ ذلك أمراً طارئاً وآنياً، فالمستقبل كفيل بالاصطفاء ولفظ الغث مما نسمعه ونقرؤه، وللناشئة أقول: لا تستعجلوا الشهرة؛ لأن المبدع الحقيقي تتبعه الشهرة من حيث لا يسعى إليها، تزودوا بالثقافة، واقرؤوا كثيراً؛ لأن الزوادة الثقافية تراكمية تفيد في القادم من الأيام، وبالتأكيد المؤلف المطبوع هو الأبقى والأقوم والأجدى من سواه».

ويضيف عن المهام التي كلف بها: «عملت في وزارة الإعلام مديراً لرقابة المطبوعات، ثم أوفدت إلى "الكويت" مديراً لوكالة الأنباء السورية "سانا"، وملحقاً إعلامياً في السفارة السورية في "الكويت"، والآن أنا عضو مكتب تنفيذي بإتحاد الكتاب العرب للدورة الثانية على التوالي، ورئيس تحرير صحيفة "الأسبوع الأدبي"».

ويقول عن التكريم: «التكريم مفيد إذا كان نتيجة حتمية وطبيعية لجهد ما، وبالنسبة للجوائز لا أثق بحياديتها ولم تستهوني، لم أتقدم إليها وإنما ومن دون إذني أخذت قصيدة لي ولحنت، فحصلت على الجائزة الأولى في الشبيبة في ثمانينات القرن الفائت».

ومن بعض ما كتب في قصيدة "ابتهالات لدمشق":

"لملميني إنني تنثرني الريح شظايا

حار شعري بين أن يقطر دمعاً

أو دماء

قال جدي:

نصرة الأوطان يوم المحنة الكبرى

عبادة

كم شهيد...

حين واروه تراب الأرض كان

فاره السحر وكنت

فوق مجد الساعد الأيمن وشماً

وعلى الصدر وساماً

وقلادة"

عنه قال الدكتور الشاعر "نزار بني المرجة": «استطاع "محمد حديفي" تكريس نهجه الخاص في القصيدة، الذي يجسد مقولة السهل الممتنع، يتصف بصوره المبتكرة التي تستمد مفرداتها وعناصرها من يوميات ولحظات ومشاعر يتشاطرها الجميع ربما، غير أنه يقدمها لنا بما يشبه اللوحات اللافتة المدهشة التي نجد فيها ذاتنا ومشاعرنا في آن معاً، يتميز بصوته الشعري الهادئ والرصين فضلاً عن المضامين الفكرية والتراثية المنتمية إلى موروثنا الشعبي والوطني».

وأضافت الشاعرة "هيلانة عطالله": «من ذاته وقناعاته ومعتقداته، انبثقت قصيدة "محمد حديفي" من محرقه الشعوري وبنيته الفكرية والثقافية، فألبسها الكساء الفني الجميل، وأحبها ودللها، فتماثلت لنا عروساً بكامل زهوتها، تمكن من أنواع الشعر كافةً، فحدّث في القصيدة العمودية، وغردت الإيقاعات بأسلوب مدهش في قصيدة التفعيلة، وحتى في الومضة الشعرية تكثفت العبارات لتنطوي على أجمل المعاني؛ وهو ما يجعل منه شاعر الأصالة والحداثة على حدٍّ سواء».

يذكر أن "محمد حديفي" من مواليد قرية "المشقوق" في محافظة "السويداء" عام 1945، يحمل إجازة في الآداب، قسم الفلسفة، ودبلوم تربية.