بين الطب والأدب يقف الإبداع؛ حيث يغلب التجريب والعلم المهنة الأحب على التخييل والصورة والإبداع، وتدخل إيقاع الروح، الشاعرة "ديما الجباعي" الطبيبة التي تعشق الشعر وتتماهى مع الدلالة والصورة.

حول أعمالها الأدبية والشعرية مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 7 تشرين الثاني 2014، التقت الأديب والشاعر "موفق نادر" عضو اتحاد الكتاب العرب، فبيّن قائلاً: «في مجموعتها "حين أنا" تبدو الشاعرة "ديما الجباعي" قادرة على التقاط موضوع وفكر تصلح أن تصبح قصائد، فهي قادرة على بث روح الشعر في الموضوعات اليومية العادية، وهذا يعد أبرز ملامح امتلاك الشاعر لأدواته، يسعفها في ذلك لغة جيدة فيها إحساس في أهمية المجاز، ومدى قدرة هذا المجاز على تحويل الجملة العادية إلى كلام ذي طيوف ودلالات واسعة، وهذا أبرز ملامح القصيدة الحديثة، وفي قصائد "ديما" سمة بارزة لا تخطئها العين هي القدرة على التشكيل الدرامي في القصيدة، وهو ما يجعلها تصعد باتجاه قيمة واضحة متجنبة الحالة السائدة عند كثيرين من شعراء هذه الأيام، وهي تبعثر العبارات وفوضى الدلالات ضمن القصيدة الواحدة، حتى تبدو قراءتها أو محاولة القبض عليها مربكة للمتلقي».

في مجموعتها "حين أنا" تبدو الشاعرة "ديما الجباعي" قادرة على التقاط موضوع وفكر تصلح أن تصبح قصائد، فهي قادرة على بث روح الشعر في الموضوعات اليومية العادية، وهذا يعد أبرز ملامح امتلاك الشاعر لأدواته، يسعفها في ذلك لغة جيدة فيها إحساس في أهمية المجاز، ومدى قدرة هذا المجاز على تحويل الجملة العادية إلى كلام ذي طيوف ودلالات واسعة، وهذا أبرز ملامح القصيدة الحديثة، وفي قصائد "ديما" سمة بارزة لا تخطئها العين هي القدرة على التشكيل الدرامي في القصيدة، وهو ما يجعلها تصعد باتجاه قيمة واضحة متجنبة الحالة السائدة عند كثيرين من شعراء هذه الأيام، وهي تبعثر العبارات وفوضى الدلالات ضمن القصيدة الواحدة، حتى تبدو قراءتها أو محاولة القبض عليها مربكة للمتلقي

موقع مدونة وطن "eSyria" التقت مع الشاعر الدكتورة "ديما الجباعي"، وكان الحوار التالي:

الشاعر والأديب موفق نادر

  • كيفَ يبدو المشهد الشّعري برأي الشاعرة الدكتورة "ديما الجباعي"؟
  • ** بالمنظور العام أصبح الشّعر سلاحاً فاقداً للمدى المُجدي، فصوتُ الرّصاص وصراخ الفوضى يملأ القلوب والعقول والآذان، ودورُ الشّعر بدا أضعف من ذي قبل. قد تكون المشكلة في الشاعر أو في القارئ.. أو في طريقة التواصل، لكن أقول هنا وككلّ فنّ من الفنون الرّاقية التي واجبها النّهوض بالأمم، يجب على الكاتب والقارئ تحديد سمات الأهداف جيّداً، فإن ضاع الهدف من قراءاتنا وكتاباتنا.. سقَطَتْ وتلاشتْ، ابتلعتْها رمالُ النسيان وجنون المراحل كما هو الحال في عالمنا العربيّ اليوم ثقافيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً.

    الدكتورة الشاعرة ديما الجباعي

  • القصيدة العموديّة والتّفعيلة والنّثريّة.. أيُّما الأقرب إليكِ؟
  • ** هم أبناءُ حبري جميعاً، وأنا تلكَ الأمُّ حينَ سُئلتْ: أيُّ أبنائكِ تُحبّين؟ فأجابتْ: "مريضُهم حتّى يشفى، وصغيرهم حتّى يكبر، وغائبهم حتّى يعود!"، لكنْ بالطّبع الأقرب هو الأقرب للحالة الشّعريّة والرّوحيّة.. سيلان القلب على الورق، والإيقاع إيقاعُ الرّوح ونبضُ الشّرود وانسياب الحبر على الصّفحات الجديدة كلّ صباح.

    من أعمالها الشعرية

  • كيف تُولَد الصّورة عند الشّاعرة "ديمة الجباعي"، وما دلالاتُها؟
  • ** كما يُولَدُ العطرُ من زهرة، لا أحدَ يُدركُ كُنْهَ الطَريق.. ولا طول المسافات، قد تقعُ نجمةٌ في أعمق المحيطات لتولدَ من جديدٍ لؤْلؤةً في محارة حلمٍ أجمل، وقد يرتفعُ طينٌ إلى ناصيةِ الشّمس، لتمسحَهُ يدٌ من حنين.. بمنديل كبرياء، فالدّلالة ترسمها الصّورة الأنسب، لتقرأها الأذن والعين، قد تلمسها يدُ القارئ، وقد يشمُّ عطرها، وقد يتذوّقُ طعم النّبيذ من حرف عينٍ ناضجٍ بين عناقيد من العبارات.

  • متى بدأتِ قرضَ الشّعر؟ وكيف وُلِدَ الإبداعُ الشّعريّ لديكِ وأنتِ طبيبة؟
  • ** بدأتُ الكتابة بعمرٍ صغير، في مراحل الدراسة الأولى، كانت ألحاناً متناثرة، ثمّ أخذتْ تتقولب وترسم ملامح حقيقيّة في المراحل التالية حتى الدراسة الثانويّة، وبعدها انتقالٌ إلى الأهمّ من كل المراحل، وحلقة الوصل والطّريق الذي وضع خطواتي على أماكن أجمل، ففي المرحلة الجامعيّة والتغيّرات الصّاخبة، شعريّاً، دراسيّاً، شخصيّاً ونفسيّاً، هنا بكلّ تقلّباتها وتوازناتها حتى وصلت إلى هنا وبين الطّبّ والشّعر والإبداع.. أقول: في البدء كانت الكلمة، وحقّاً في البدء كان الشّعر، وبعدَها كنتُ ما كنتُ وصرتُ ما صرتُ بين دراسةٍ وتحصيل، وصولاً إلى الطّبّ والتّخصّص، وأعمالي الشعريّة الثلاثة ترافقني قلباً إلى قلب، وهنا لا بدّ أن أذكر التّربة الخصبة التي منها خرجت ونمَت حروفي، وامتلأت بالحياة، فأنا بنتُ الشّاعر والأديب الرّاحل منذ عام 1985، والدي "حمد الجباعي" حملتُ اِسمه وروحَه وشعرَه في روحي وقلبي وقلمي.. منذ نعومة صفحاتي ولم أزل.

  • هل تمزجينَ بينَ الطّبّ والشّعر؟ وكيفَ توفّقينَ بين الطّبّ كتجريب والشعر كإبداع؟
  • ** الطّبّ مهنتي الأحبّ وطموحي وعملي الذي لا أتخلّى عنه، فيقرّبني من معاناة النّاسِ، ويقرّبني من الحقائق والنّتائج والمعادلات الحياتيّة أكثر، لأنهي يومي بخلاصة عملٍ وحبٍّ وحياة ذاهبةً بسلامٍ وزخم.. إلى عالم الحلم أحمل معي بضعة أقلامٍ وقلب وأسير، لن أتوازن في الخطوات إلّا هكذا، فالطّبّ إيقاعُ الحياة والأيّام، والشّعر إيقاعُ روحي.. شرود نظرتي... واِكتمالُ التّنفُّس.

  • الملاحظ في مجموعاتك الشعريّة الثلاث الانزياح منذ عتبة النّص، هل ترتكز أعمدة الإبداع لديكِ على الهدف الدّلالي؟
  • ** إن لم يدلّ الحرف على سباحةٍ في المدى وتنقيبٍ في الصّدى، فالأولى ألّا يأخذ حيزاً للنّظر والاسترخاء فقط، إن لم يكن الدّربُ أعلى.. فلا يجب أن يكون أسفل أبداً، لا يجب أن يكون الكلام جداراً في الأفق، فلا يعود الدّربُ درباً على الإطلاق، هو السّفر دائماً أعمق وأعلى وأبعد، فمن "رفيفٌ من جناح" إلى "تحتَ غيابكِ الوارف" وصولاً إلى "حينَ أنا"، رحلةٌ شاقّة.. وأجمل وأعلى وأبعد، حتّى "نخلخلَ المدى".. بوصيّة "أدونيس"، ونخترع رموزنا ودلالاتنا، ونبتكر حروفاً وآذاناً وعيوناً، نبصر ونقرأ ونسمع بها بطريقة مختلفة أبداً.

  • هل ترَيْنَ أنّ الشعر اليوم يحمل هدفاً؟ أم هو لملْء الفراغ الرّوحي فقط؟
  • ** ما زالت الأرضُ تُنجبُ أحلاماً وأشرعةً، وما زال الطّريق خصباً إلى الإبداع والخَلق، هناكَ دائماً مَن يترك أثر حروفهِ على وجه الرّياح، وجبين الشّمس، وهناكَ دائماً من يخطو بكل أثقاله واثقاً، ثمّ لا تعلقُ حتّى آثار قدميهِ على أيّ طينٍ في الأرض، وفسحة الرّوح لا يجب أن تلغي بصمتنا في الوجود، ولا يجب أن تعفينا استراحة الرّوح من عطر المرور، فكلاهما حقٌّ.. وكلاهما واجب.

  • أين يقف تقدّم مجموعاتك؟ وكيف تنظرين إلى المشهد النّقدي اليوم؟
  • ** مازلتُ على الطّريق وسأبقى، الوصول نهاية، لن تقف الكلمات إلّا عندما يتوقّف النّبض الّذي يسيّرها ويصيّرها داخلي، وينفخ فيها الرّوح والحياة لتخرج إلى العالم، متى توقّف نبضي توقّف الكلام، بالنسبة للمشهد النّقدي، يجب أن يكون له الدّور الأهمّ والكلمة الأقوى دائماً، ويبقى الحافز المهمّ في أي مشروعٍ فكريّ أو أدبيّ، لكن أقصد النّقد الجادّ الموضوعي والحقيقي بعيداً عن التّملّق والمجاملات و"النّعَم" في كلّ خطوة،

    وبعيداً بنفس المسافة عن التّقزيم والتّهميش و"الّلاءات" التي تختال لا لشيءٍ إنّما لطول قامتها وجمال الجدَل، نحن دائماً نتوق إلى المركز الحقيقي بين هذا وذاك، حتّى نعرف تمام المسافات على الطّريق، كلّ الطّريق، ونعرف أين نكون اليوم وغداً، وأين يكون القلم في كلّ مرحلة من التّاريخ والحياة.