دخل كلية التاريخ متسلحاً بما اكتسبته ذاكرته من روايات وقصص يومية عن تاريخ أجداده الحافل بالحكايات اليومية المثيرة، ومن خلال مضافة جده ووالده تمرس على كتابة الشعر منذ الصغر، فملك أدوات الشاعر والمؤرخ.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 3 آب 2014، التقت الأستاذ "مزيد الصحناوي" في منزله الكائن في قرية "رضيمة الشرقية"، وكان الحوار التالي:

كنا موجودين في عرس أحد أبناء القرية، وكان الفرح لا حدود له بوجود عدد كبير من الضيوف الذين قدموا من القرى المجاورة، وكان الأستاذ "مزيد" موجوداً في العرس عندما بدأت الجوفيات التي نعتز بغنائها في الجبل، وبعد انتهاء الجوفية الأولى بدأ غناء جوفية لم نسمع عنها من قبل، وقد تفاعل الجميع مع كلماتها لدرجة كبيرة، حيث استمر في غنائها مدة ساعة كاملة بنفس الحماس، والمفاجأة أنها كانت من تأليفه، ومنذ ذلك اليوم اكتشفنا أنه شاعر

  • يعرفك المتتبع لمسيرتك الطويلة أنك تقرض الشعر المغنى، كيف بدأت معك هذه الموهبة؟
  • بين الكتب والدواوين.

    ** بدأت كتابة الشعر في العام 1968 عندما كنت في الصف الثامن الإعدادي، وهي مرحلة الوله والعشق التي يمر بها كل شخص، ولكن أعتبر أن لطفولتي دوراً كبيراً في تأسيس الحالة التي جعلتني أكتب الشعر باكراً، فوالدي يعتبر موسوعة شعرية بحد ذاتها، يحفظ آلاف الأبيات الشعرية القديمة لأهم شعراء العامية في الجبل، وهو ابن المجاهد المعروف "مزيد الصحناوي"؛ الذي اعتقل كثيراً في سجون الاحتلال العثماني الذي حكم عليه بالإعدام، والذي حارب الفرنسيين بعدها، ولديه قصص كثيرة مشهودة ما زالت تروى وقائعها حتى اليوم، كل ذلك أكسبني السليقة الشعرية التي بدأتها بالغزل، حيث كانت قصيدتي الأولى غزلية غنائية، وظل أصدقائي يرددونها زمناً طويلاً على الرغم من بساطتها؛ التي استقيتها من بيت شعر مشهور، يقول مطلعها:

    "كل علم في الرؤوس.... ليس في القرطاس ضاع.... كل سر يا حبيبي.... جاوز الاثنين شاع

    كل قلب له حب.... غير حب لا يساع.... كل إنسان بجهد.... يفتح للحب باع".

    وفي ثانوية الشهيد "إبراهيم زين الدين" في مدينة "شهبا" تعلمت بحور الشعر، وقضيت الليالي في سبك الأبيات والأوزان والقوافي، وكنت دائم المشاركة في حفلات المدرسة، حيث كنا نقوم بنشاطات مسرحية غنائية من تأليفي، وتلحين الزملاء بعفوية وبساطة ما زلنا نتندر عليها كلما حضرت ذكراها، وهكذا كبرت الأحلام، وبت مشاركاً في كل المناسبات التي تقام في القرية والمدرسة وغيرها.

  • ألا تعتقد أن شعر المناسبات للمناسبات، وهو منسي بعد انتهاء اللحظة؟
  • ** نعم أعتقد ذلك وأعرفه تماماً، وأؤمن أن الشعر هو مرآة الشعوب ورمز الأمم، والشعر الخالد هو ذلك الذي ينطلق من قضايا الإنسان بكل أبعادها النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما القصائد التي كتبتها في المناسبات سوى نفحة شعر ألقيتها على أرواح الشهداء، أو للأرض والوطن، فمن حق الشاعر أن يتناول ما يريد في النهاية، والناس هم من يحكمون ويحاكمون كل ما كتبه.

  • وما علاقة التاريخ بالشعر، خاصة أنك تتحضر لإطلاق باكورة أعمالك التاريخية عن المنطقة؟
  • ** التاريخ هو مهنتي الحقيقية التي دخلتها عن سابق إصرار، فأثناء الدراسة في جامعة "دمشق" تعمقت في دراستي عن كيفية البحث والدراسات التاريخية، وقد ترافق كل ما درسته مع ما امتلكته طوال حياتي من معلومات تاريخية ورثتها ذاكرتي من أحاديث المضافات عن حقبة مهمة من تاريخ "سورية"، وقد اختمرت الفكرة تماماً في عقلي، وبعد التخرج ودخول الحياة العملية رحت أسجل كل هذه الوقائع بلسان أصحابها، أو ما يطلق عليه التاريخ الشفوي، وكتابي بات جاهزاً للطباعة، وهو يحكي عن تاريخ منطقة "شهبا" والحوادث التي جرت، ولم يرد ذكرها في الكتب التاريخية، والشعر جزء مهم من هذه المرحلة بناسه وحوادثه، ولذلك كان تأثير هذه المرحلة كبيراً جداً في كتابتي للشعر، فقد باتت قصائدي أكثر عمقاً، ومواضيعها أكثر شمولية، ولم أنس مناسبات الأعراس التي يجتمع فيها الناس على المحبة، فلي عدد من القصائد والجوفيات التي ما زالت تغنى حتى اللحظة، ومن القصائد التي أحبها قصيدة تتحدث عن دالية العنب، وهذه بعض أبياتها:

    "تكَّور كالتفاح ظاهر خدها..... ودمدم ماء الورد والطعم سكر

    تراوغني في البرد يدفئ لذعها..... وألذعها في الحر يزدان منظر

    أقبلها للشمس تطرد داءها..... وأغمرها في الظل تجتر تسحر

    ضفائرها ظلي وبلسمي كأسها..... وأنهدها زادي أجود فأفخر

    سلاميها جعد تلين بلمسها..... ومن قطرها شهد الخمائل يقطر

    ومن يبتغي قرباً يزور ديارها..... فموطنها الريان وسفح أشهر".

    وقد روى السيد "هشام درويش" المولود في نفس القرية قصة عن الأستاذ "مزيد الصحناوي"، وهو الذي يعرفه على أنه مدرس تاريخ، فقال: «كنا موجودين في عرس أحد أبناء القرية، وكان الفرح لا حدود له بوجود عدد كبير من الضيوف الذين قدموا من القرى المجاورة، وكان الأستاذ "مزيد" موجوداً في العرس عندما بدأت الجوفيات التي نعتز بغنائها في الجبل، وبعد انتهاء الجوفية الأولى بدأ غناء جوفية لم نسمع عنها من قبل، وقد تفاعل الجميع مع كلماتها لدرجة كبيرة، حيث استمر في غنائها مدة ساعة كاملة بنفس الحماس، والمفاجأة أنها كانت من تأليفه، ومنذ ذلك اليوم اكتشفنا أنه شاعر».