بعد خمس مجموعات شعرية منها: "على مقام نجمة"، و"منديلها"، و"رياح والخريف"، تجربة جديدة في القصة القصيرة، للشاعر والقاص "جودي العربيد"، بمجموعة قصصية عنوانها "سوادها غيث" صادرة عن اتحاد الكتاب العرب.

حول المجموعة القصصية مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 18 آذار 2014 التقت الأديب والشاعر "إسماعيل ركاب" عضو اتحاد الكتاب العرب ليبيّن رأيه قائلاً: «القصّةُ هي الأفق الجميل الذي يترامحُ مع ذاته لبناء عالمٍ دافئ يزخر بالضوء والطيور والأحلام، وتنطلق باحثةً عن الحرية والصباح والأشجار، وقصص "سوادها غيث" للقاص الشاعر "جودي العربيد" عضو اتحاد الكتاب العرب تأخذ هذا المنحى الذي يسعى إلى إيجاد أفقٍ من الأحلام الجميلة، واعدةً بغناء الطيور على أعالي الأشجار تشدّنا بأفكارها الموحية، وألحانها الخصبة، وموسيقاها العذبة».

ما يميز قصص الأديب "جودي العربيد" اللغة السردية المتميزة بالشعرية الرفيعة فهو يملك ناصية اللغة بشكل يجعل المتلقي ينسجم مع الوحدة المتكاملة لقالب الفن القولي الدرامي، خاصة أن مجموعته "سوادها غيث" هي الأولى في مجال القصة

وعن اللغة السردية بين الناقد "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتاب العرب قائلاً: «ما يميز قصص الأديب "جودي العربيد" اللغة السردية المتميزة بالشعرية الرفيعة فهو يملك ناصية اللغة بشكل يجعل المتلقي ينسجم مع الوحدة المتكاملة لقالب الفن القولي الدرامي، خاصة أن مجموعته "سوادها غيث" هي الأولى في مجال القصة».

الشاعر إسماعيل ركاب

حول المجموعة القصصية "سوادها غيث" مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر والقاص "جودي العربيد" عضو اتحاد الكتاب العرب بالحوار التالي:

  • "سوادها غيث" الإصدار الأول في ميدان القصّ، أين كانت هذه القصص في حين أنك تسير في أفق الشعر؟
  • الشاعر والقاص جودي العربيد

    ** لم تكن القصة يوماً غائبةً عن اهتماماتي، بل أقول بصدقٍ لقد بدأتُ كتابة القصة والقصيدة في آنٍ واحدٍ تقريباً، ولكنني شرعتُ أنشر الشعرَ أولاً، فأنا مغرمٌ تماماً بالفنّين معاً وخاصّة هذا الفن الساحر، أقصد القصَّ الذي يراود أكثرَ المبدعين، ويشغلهم بما فيه من جاذبية، وقدرات خلاّقة.

  • عنوان المجموعة يفتنُ، ما مبررُ اختياره؟
  • العمل المدروس

    ** العنوانُ عتبةٌ مهمةٌ من رؤية الحداثة، وهو من أهمّ العتبات للولوج إلى أفقِ العمل، أيّ عمل فنيّ تقريباً، ويكاد يكون مفتاحَ النصّ، خاصةً إذا كان الأديب يلجأ إلى ظلال المعاني، وجوهر الجوهر على رأي "الجرجاني"، وهذه المجموعة الموسومة بـ"سوادها غيث" استعرْتُ سمة قصّة من ضمن المجموعة نفسها لتوحي بمدلول ما عنها، ويكاد هذا العنوان يشي بمغزى المجموعة عموماً، لما فيه من ظلالٍ وبروق، ولا يخفى ما فيه من تكثيف، وإنْ اتّسم بالشعرية. فالشعرُ من أهمّ وسائل الاختزال والإيحاء.

  • هل ترى أنكَ حافظت على العناصر الأساسية في بناء القصة الفنية في المجموعة؟
  • ** أعتقد أنّ القصة مهما تطوّرت لا بدّ لها من أن تقوم على ثلاثة عناصر أساسية: الحدث، والتحليل، واللغة. وأظنُّ أنّ قصص المجموعة توافرتْ فيها أسباب القصة الناجحة. واليوم وبعد الفتوحات التي أنجزتها القصةُ الحديثة، فقد تجاوزت العديدَ من شروطها السابقة، وأضافتْ إليها طاقاتٍ أخرى مثل: وحدة الانطباع، والجو النفسي، وسحر الشعر، وتقنية النصّ المفتوح، وغيرها. والمجال لا يتّسع لذكرها الآن.

  • أنت شاعر وقد أصدرتَ العديد من المجموعات الشعرية الناجحة، وآخرها "منديلها ورياح الخريف"، فلماذا هذا التحوّل نحو القصة القصيرة وليس إلى الرواية مثلاً؟
  • ** إذا فهمنا أنّ التحوّلَ هو انقطاع عمّا سلفَ، فأنا لم أتحوّل بهذا المعنى، فالشعرُ يجري في الروح، ولن أتخلّى عنه أبداً، كما أنه لن يتركني. فأنا أكتب القصيدة، ولا أستطيع أن أبتعد عن الشعر. وإنما ألجأ أحياناً إلى كتابة القصة، أو غيرها من الأنواع الأدبية لشعوري بأنه يمكنُ أن أعبّر عمّا يعتملُ في لُججي من هموم ومشاغل في ذلك اللون أكثر وضوحاً، ووصولاً من لونٍ آخر.

  • من الملاحظ أنّ نصوصكَ القصصية تمتازُ بلغةٍ شعرية عالية، فهل نستطيع القول إنَّ الشعر لم يغبْ عن السرد لدى الأديب "جودي العربيد"؟
  • ** القصّة القصيرة هي أقرب أنواع الأدب إلى الشعر. ولذلك كان لا بدّ من أن يتأثّر أسلوبُها بمداد دمِ كاتبها. وأرى من الصعوبة بمكان على الأديب، عموماً أن يغيّر من نسغ قلمه، خاصّةً إذا كان يمتح من محبرة دمه. وتغيير الحبر يعني تغيير الذات. وأنا ما تلوّنتُ يوماً، ولن أغيّر ثوبي، على الرغم من الأنواء الغريبة التي نعيشها.

  • هذه المجموعة القصصية "سوادها غيث" تضمُّ تنوّعاً في ألوان القصِّ، من المتخيّل إلى الواقعي أو الاجتماعي والتاريخي، وأحياناً على حساب الشخوص والمكان والزمان، لماذا هذا القفز؟
  • ** التنوّعُ سمة الحياة. أليست القصةُ حكاية للحياة بمعنى ما؟ فالحيوية تتطلّبُ أن يواكب الأديبُ ما يعتمل في الواقع، ويستشرفه حلواً ومرّاً، حديثاً أو قديماً. أما مسألة أن يكون ذلك على حساب ما أسميته شخوصاً، وزماناً، ومكاناً، فأنا أخالفك الرأي؛ لا قصة بلا أشخاص يتحرّكون ضمن زمان ومكان. وأرى حين تتخلّى القصةُ عن الاهتمام بأشخاصها ومحيطهم، فإنها تصبح قصة خيالية، ولا تخدم أحداً.

  • نلاحظ أنّ ثمة لمسات ساخرة في عددٍ غير قليلٍ من القصصِ كقصة "الدكتور نوماس ومزاجية وقصة غَدَق الملح" مثلاً، فإلى أيّ مدى ترى أهمية الأدب الساخر، وتأثيره في المجتمع؟
  • ** الأدب الساخر موجود في أدبنا العربي القديم بشكلٍ ما، ونصوص جدّنا الجاحظ ومقامات الحريري وغيرها تؤكّد أهمية هذا اللون في الصياغة والتأثير. وقد قيل: "إذا أردتَ أن تهجو فاسخرْ". وأرى أنّ السخرية بما فيها من بساطة، وخفة ظلٍّ، وطرْفةٍ، وإضحاكٍ تصل بيُسْرٍ، وتتوالدُ أكثرَ، وأبعد تأثيراً أحياناً.

  • يقال: القصة طويلة أم قصيرة تأخذ شيئاً من حياة صاحبها. ما موقعك من قصصكَ؟
  • ** حين نعلم أنّ الأدب الحق هو معاناة، وما يُكتَبُ بعيداً عن ذلك يبقى في كثيرٍ منه إما ترَفاً، أو كلاماً عائماً في الهواء. وما كتبتُ من قصةٍ وشعرٍ أيضاً غُمِسَ قلمُه من حبر الفؤاد، وفي كثير منه من دمع العين. وأنا لا أستطيع أن أكتب دون أن أحترق.

  • كيف ترى دور الصحافة في تسويق الأدب ونشره وإيصاله؟
  • ** يا للسعادة حين نتذكّر الصحافة، وتسويق الأدب والأدباء! مَنْ الذي يتربّع على صفحاتها من الأدباء؟ مَنْ الذي يصل؟ ولماذا أُلْصقَتْ رداءةُ الحداثةِ في أذهان الناس عموماً؟ أليس من تسويق البضاعة الهابطة؟ وهذا الذي جنته صحافتُنا وخاصة الأدبية منها تقريباً.

    أما من ناحيتي، فما سعيتُ إليها، ولن أسعى. وكلّ شخص يعرف بضاعته. فالنصّ الجيد يقول "هأنذا"، والجذرُ الأخضرُ لا بدّ أن يدلّ على نفسه. ولا يقلقني الأمرُ أبداً على علمي بأهمية الإعلام في التواصل والتوصيل.

    وماذا تقول لهذا الزمن البائس الذي لا تسودُ فيه إلا العلاقات الخاصة، والمحسوبية، و"الشللية" على حساب الأدب الحقّ؟

  • كان النقد مهمّاً في كلِّ حين، يكشف ويقوّم. فأين النقد ممّا كتبتَ؟
  • ** وأنا أسأل بشكلٍ آخر: أين هو النقد؟ أكثرُ ما قرأتُ بعد رحيل الكبار من النقاد، أكثرُه أقرب إلى مطالعات صحفية، وانطباعات، أما النقد المنهجي، فلا وجود له تقريباً. وما يتصدّى له بعضُهم من نقد في مناسبات، ومواسم هنا، أو هناك فيغلب عليه العلاقات الخاصة، و"الشللية" كما ذكرتُ آنفاً، والمصالح المتبادلة على مبدأ "حكّلي حتى حكّلك"، وإلى الآن لم أقرأ نقداً جاداً لما كتبتُ شعراً، أو قصةً سوى بعض الكتابات التي كانت أقرب إلى التحقيقات الصحفية ليس أكثر.