توصل الناقد الأستاذ "حسين ورور" إلى نظرية جديدة في النقد الأدبي، أطلق عليها "الطيف"، مراهناً أنها ستقدم الكثير إلى النقد الأدبي. وقد استعان في عملية الوصول إلى هذه النظرية برواية "خاتم" للأديبة "رجاء عالم"؛ التي تدور أحداثها في مدينة "مكة" المكرمة.

مدونة وطن "eSyria" حاورت الأستاذ الناقد "حسين ورور"، يوم الثلاثاء الواقع في 28 كانون الثاني 2014، في منزله بمدينة "شهبا"، عن ماهية هذه النظرية وأبعادها، وطرائق الاستفادة منها أدبياً، فكان اللقاء التالي:

تعود معرفتي بالكاتب والناقد "حسين ورور" إلى أشهر مضت؛ عندما التقيته في بيته الكائن بمدينة "شهبا"، وقد شاهدت مسودة الكتاب، وقرأت فيه ما أدهشني، حيث حاول الكاتب الوصول إلى أبعد مدى في شرح النظرية التي هي أكبر من مفهوم الخيال الذي يمكن أن يخطر على بال أي قارئ في بداية معرفته بالنظرية، وقد حاول الكاتب من خلال الوقت الكبير الذي قضاه في فك رموز الطيف من خلال اعتماده على رواية واحدة لكاتبة سعودية متمردة تطرقت من خلالها إلى عوالم تاريخية في مدينة تمثل رمزاً كبيراً في العالم، وأعتقد أن هذه النظرية الجديدة في الأدب تستحق أن نتعمق في مضمونها ومعرفتها عن كثب، ونحن بانتظار صدورها في كتاب

  • في البداية هل تعرّفنا هذا الذي تطلق عليه نظرية جديدة في النقد الأدبي؟
  • رواية "خاتم"، للروائية السعودية "رجاء عالم".

    ** هو كل ما تسترجعه الذاكرة، وكل ما يرتسم في البصيرة لشيء متخيل أو واقعي، والطيف ليس ما نتخيّله، وليس ما نتصوره فقط؟ إنه في الفن والأدب فعل إرادي يقود المبدع إلى معرفة موقعه في العملية الإبداعية.

    * ما هي أشكال الطيف إذاً؟

    ** للطيف أشكال عديدة حاولت تفنيدها من خلال رواية "خاتم"؛ التي استندت إليها، وصنفتها ضمن التالي:

    الطيف في كل ما تريده.

    1- الطيف الحسي: هو كل ما يتعلق بالحواس الخمس؛ من السمع والبصر والشم واللمس والذوق.

    2- الطيف المكاني: الذي يشمل كل الأمكنة الموجودة والمفترضة.

    3- الطيف الزماني: مثل: الوقت، والفصول، والدهور، والقرون، والعقود، والأزمنة، والزمن، والزمنية، وغيرها..

    4- الطيف الروحي: هو كل الخبرات الروحية المكتسبة من البيئة، وما نرثه من معتقدات، أو خرافة وسواها.

    5- الطيف السلوكي: هي كل ما يتعلق بعادات الفرد الشخصية من حركات خاصة بها تنجم عن التربية، أو المهنة، أو مرضية كقضم الأظافر، أو سلوكية بحتة مثل التدخين، أو محط الكلام وغير ذلك.. ويشمل أيضاً: الغيرة والحسد، والحقد والحب والكره واللؤم وسواها. إضافة إلى ما يضمره الفرد في داخله من خير أو شر أو سوى ذلك.

    6- الطيف اللوني: ويشمل إضافة إلى الألوان ورموزها وتأثيرها، الضوء وانتشاره ومداه وما يؤثر فيه، ويحد منه، أو يوزّعه، أو يبدده، والانعكاسات التي تتولد عنه.

    7- الطيف الوجودي: ويشمل الولادة والموت، والانبعاث والانحناء، والحضور والغياب والعدم. ويشمل (حالات التواجد بكل أشكالها).

    8- الطيف اللغوي: ويشمل النسيج الكلامي، والشعري، والسردي، والمفردات التي تشكل هذا النسيج من: مفردة وجملة ونقطة وفاصلة وإشارة تعجب واستفهام وغيرها. يشمل الدلالات المتخفية والمضمرة في العمل والإيحاءات والإشارات والرموز التي يرمي إليها المبدع، وكذلك ما يمكن أن نسميه الطيف (الشطحي) في حالات الصوفية والنبوءة والرؤيا لدى المبدعين، والتهيؤ، والإشراق وغيره.

    9- الطيف الارتدادي: ويشمل كل ردود الأفعال الناجمة عن الأطياف السابقة، وكل ما هو دخيل وحشري ومسروق ومتناص وعبثي وقسري وارتجالي، واهتزازي ووحشي ومجاني واعتباطي، وغير ذلك.

  • وهل هناك تعريف أو تفسير أقرب من كل ذلك الذي ذكرته يكون أقرب إلى عقل القارئ؟
  • ** الطيف هو ما يتشكل بفعل الحنين والحب والبغاء والكراهية والحقد وسوى ذلك، وهو في مكان محدد (يجسده) أو في مكان افتراضي قد يعبره الطيف سريعاً أو يتوقف فيه، وذلك تبعاً لما يرمي إليه المبدع. وهو كل ما يدخل في الغياب والفقد والتلاشي، والتبدد الذي يتأهل كي يؤول إلى طيف. يستعاد هذا الطيف بالتخيّل قسرياً أو عفوياً، ولا يعود ملكاً على الإطلاق. ومعضلة الطيف أنه ليس كالملك، كما أنه ليس كماء النهر لا تسبح فيه مرتين. والفرق بين الخيال (المتخيّل) والطيف، أن بإمكان الطيف تحديد المتخيّل، أي إنه يحدد ذاته بذاته.

  • تقول عن كل ذلك: إنه نظرية جديدة في النقد الأدبي، كيف كانت صورة الطيف في القديم، وهل للنقد في الغرب رأي لما تطرح؟
  • ** حين يقول "أرسطو" هناك الوجود بالقوة، والوجود بالفعل! يقابله "هيغل" بتمييزه بين الوجود لذاته، والوجود في ذاته، ولذاته. وفي النظرية التي أطرحها هو أقرب إلى أن يبث الطيف الوجودي في أي عمل فني أو أدبي يكون بالفعل في الأعمال الهادفة، ويكون مطابقاً لرأي "هيغل" حين يكون في دائرة (الفن للفن). وفي مسألة الصورة والمادة لدى "أرسطو" و"أفلاطون"، يرى "هيغل" أن المادة تجريد، والطيف الإبداعي أقرب بذلك إلى رأي "هيغل"، ويفترق عنه عند عدم توقف المادة عن الفعل بتجريدها، فأطيافها تكون لها أطياف ارتدادية لا نهائية، ولا يمكن أن تؤول إلى العدم كما في الفلسفة الوجودية، بل إلى المطلق؛ حيث المبدع الكلي القدرة الذي بثّت منه المادة وأطيافها، وهنا يكون الطيف الإبداعي أقرب إلى ما يراه "أرسطو" (الجديد ليس إبداعاً، بل إظهاراً لما هو مضمر). وفي النقد الحديث في الغرب بكل آفاقه ومدارسه، حيث استفاد من التطور العلمي والتكنولوجيا بكل أبعادها وأشكالها والعلوم الإنسانية، وكل ما طرأ عليها من تقدم في البحث والتجريب، وهذا ما افتقدناه على مر قرون؛ فانقسم النشاط النقدي إلى اتجاهين افترقا وتباعدا، ومن الصعب أن يلتقيا. الأول الذي انتهج كل أساليب الحداثة واتجاهاتها، والثاني الذي حصر نشاطه في الفقه وعلم الكلام والبلاغة وسواها. ولا نستثني الصوفية وطغيانها النقدي أيضاً. أما الأول فكأنما في بحوثه النقدية وضع نصب عينيه نظريات الغرب الحديثة ليعمل عليها، في الوقت الذي تتحكم المؤسسات البراغماتية في توجيه المذاهب النقدية.

  • لماذا رواية "خواتم" بالذات، للروائية السعودية "رجاء عالم"؟
  • ** لقد طبقت نظرية الطيف في الفضاء الروائي على هذه الرواية؛ لأن الروائية السعودية تتماهى بشخصياتها وتجعلهم أقرب إلى العلماء والفلاسفة، وذلك بالأطياف التي تنبعث من اللغة ومن الأفكار التي تبثها عبر هذه اللغة، فحسبي أن لكل مفردة في الرواية طيفها، والجملة المتفرّدة تغلق عليها بقوسين ما يجعل الشخصيات تتألف على حسابها، ولا تشعر أبداً بأنها تستعرض لمصلحتها خارقاً ما، وكأنما الشخصيات تكتب روايتها! محاذرة بذلك تحريم التصوير في الدين الإسلامي، وهذا ما يضيف قيمة كبرى إلى الرواية. ولعل بيئة الرواية هي ما دفعتني لتكون النموذج الذي استندت عليه في تفنيد النظرية، فمدينة "مكة" بكل ما تحمله من رموز مقدسة، والأمكنة من: أحياء وحارات وطرقات وجبال وعادات وأعمال مختلفة بين العامة والأمراء إبان الاحتلال العثماني للمنطقة، وقصة "خاتم" الفتاة التي جعلها والدها ذكراً في نظر الناس. ومن الكلمات الأولى في الرواية أرسلت الكاتبة أطيافاً قوية متلاحقة، ومترادفة، ومتكاتفة، ظاهرة ومستترة، معلنة، ومضمرة.

    الأستاذ الصحفي "علي الحسن" المتخصص في النقد الأدبي، تحدث عما وصله من هذه النظرية، فقال: «تعود معرفتي بالكاتب والناقد "حسين ورور" إلى أشهر مضت؛ عندما التقيته في بيته الكائن بمدينة "شهبا"، وقد شاهدت مسودة الكتاب، وقرأت فيه ما أدهشني، حيث حاول الكاتب الوصول إلى أبعد مدى في شرح النظرية التي هي أكبر من مفهوم الخيال الذي يمكن أن يخطر على بال أي قارئ في بداية معرفته بالنظرية، وقد حاول الكاتب من خلال الوقت الكبير الذي قضاه في فك رموز الطيف من خلال اعتماده على رواية واحدة لكاتبة سعودية متمردة تطرقت من خلالها إلى عوالم تاريخية في مدينة تمثل رمزاً كبيراً في العالم، وأعتقد أن هذه النظرية الجديدة في الأدب تستحق أن نتعمق في مضمونها ومعرفتها عن كثب، ونحن بانتظار صدورها في كتاب».