يصدح صوته في كل المناسبات شعراً عمودياً فصيحاً متقناً ومفعماً بالحكمة والفلسفة والحب للوطن والأرض والبشر، فكان نتاجه الأول "عشق الحروف" بمثابة الفاتحة نحو المزيد من العشق والوله للون الشعري عند "الفراهيدي".

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "فوزات مزيد زهر الدين" يوم الأحد الواقع في 29 تشرين الثاني 2013 وكان اللقاء التالي:

يتميز الشاعر "فوزات زهر الدين" بلغته القوية الجزلة، وبأشعاره التي تنضح بالحكمة والفلسفة. ولكن هذا الشعر الذي يقرضه لا يحيد عن تعاليم "الفراهيدي"، ولم يحد عن بحوره في أي يوم، أو أي قصيدة! فيبقى سقف الشعر لديه محصوراً بذلك! وهو يصر على الأمر من باب الحب والموهبة التي يتمتع بها، ولكنها في بعض الأحيان لا ترضي المتلقي الذي يطلب التجديد

  • لماذا الشعر تحديداً، وأنت تمتلك ناصية اللغة وعلومها، وتتقن فن فلسفتها؟
  • ديوانه الأول "عشق الحروف".

    ** الشعر فكر وأسلوب، وروح موهوب، وخيال لعوب فما أصعب أن يكون الإنسان شاعراً وما أروع أن يكون شاعراً!، فأفراحنا لا تكتمل إلا به وأمواتنا لا يلحدون دونه، وهو يدفعنا إلى تصفية حسابنا مع نفوسنا، وإلى تقويم بضاعتنا الفكرية والروحية، علموا أولادكم الشعر تعذب ألسنتهم، فعذب الكلام ما عجن عنبر ألفاظه بمسك معانيه، نحن المتقدمون في السن نرجع إلى أيام شبابنا رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه، ونميل إلى سرد حكايات الصبا ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ قصائده، يأتي الإنسان إلى الحياة جاهلاً، ويقيم فيها غافلاً، ويرحل عنها مكرهاً، وأي حزن أكبر ممن ينتقل من ظلمة الرحم إلى ظلمة الجهل إلى ظلمة القبر، فالشعر طوق نجاة مخلد:

    يا للسماء أيحصى عد نجومها / هل أنت في عد النجوم خليق؟

    الناقد الأدبي "محمد طربيه".

    يتلاطم الموج الغضوب وهل تعي / كم موجة مرت وأنت غريق؟

  • كيف تصف علاقتك باللغة العربية، وهل تتعمد عرض عضلات لغتك الجزلة وتوظفها في شعرك؟
  • الأستاذ الناقد "حسين ورور".

    ** اللغة روح الأمة، والتاريخ ذاكرتها، إن لغتنا العربية التي نقلت فكر اليونان، وحكمة الهند والصين، ونظم الفرس الاجتماعية والإدارية لا تحظى منا ما تستحق من تمكين أكثر يساهم في استقامة اللسان العربي وفصاحته، فالاهتمام باللغة العربية الفصحى رسالة قومية، وثورة فكرية، ومهمة حضارية، وجيلنا بشكل عام بعيد عن التثقيف الذاتي والمطالعة. يقول أحد المستشرقين ما رأيت لغة أغنى من اللغة العربية، وما وجدت لغة مهملة من الناطقين بها غير اللغة العربية، وفي كل ما كتبت كنت حريصاً على إيصال الرسالة باللغة العربية الفصحى، ليس استعراضاً، ولكنها لغة الضاد التي يجب المحافظة عليها، لأنها لغة وجودنا، ففي قصيدة "شقا" قريتي ومسقط رأسي تجد اللغة حاضرة بسلاسة متناهية، يفهمها الكبير والصغير، والمثقف والناس البسطاء:

    كلف بها منها دمي وغرامي / مــــهد الصبا .. ومــــنارة الأيــــــــــام

    في كل شبر من شموخ جبالها / مجد كعطر المسك كالأهرام

    صكت بها عبر العصور معادن / وأوابـــــــد نطاقـــــة الإلـــــــهام

    صون التراث أمانة يا ويح من / لمس التراث بمعول الإجرام

    ستظل "شقا" والمروءة عشقها / قــــــــــــيثارة علــــــــــــــــــوية الأنـــــغام.

  • في ديوانك الأول "عشق الحروف" تصر على الشعر التقليدي الموروث منذ أيام الجاهلية، فما القصد من ذلك؟
  • ** في ديواني الأول كنت أسبح بزورقي الصغير في بحار "الخليل بن أحمد الفراهيدي"، وأعترف أنني لا أحسن فن العوم. القصيدة كائن حي، دمها الإيقاع والنفحات، وعظامها الحروف والكلمات، وروحها تلك المشاعر الغامرة التي تملأ نفس المتلقي إبان عملية التواصل، إنها تبني علاقات لها سحرها وجاذبيتها، وهي تعبير عن ذات الشاعر وثقافته وشخصيته ورؤاه، فبقدر ما يكون صادقاً محباً لها بقدر ما تخلص له وتحفظ غيبته، وتجدد ذكراه، والقصيدة الجديرة بحمل اسم صاحبها تلك التي يقفز منها الشاعر بروحه من بين كلماتها، فتكون هو بكل ما في الكلمة من معنى، وبهذه العلاقة ترسم القصيدة خارطة حياتها وخلودها في أذهان الناس:

    حي "السويدا" واسترح بحماها / واسترح لتسمع ما يبوح ثراها

    نبع المروءة.. والبيارق تنتخي / وفم الزمـــــــــان... مــــعطر بنداها

    نادى "القليب" إلى السلاح لثورة / "سلطان" قائد نصرها وحداها.

  • هل لك أن تحدثنا قليلاً عن حياتك الشخصية؟
  • ** ولدت باكياً، وأموت راضياً.. توفيت والدتي وعمري ست سنوات، فكتبت لروحها أولى قصائدي، فالأم جنة الدارين. حصلت على الشهادة الابتدائية عام 1956، وعلى الشهادة الإعدادية في "دمشق" عام 1960، وعلى الثانوية العامة في مدرسة الشهيد "يوسف العظمة" في العام 1963، وعلى أهلية التعليم الابتدائي الصف الخاص في "السويداء" في العام 1964، وعينت معلماً في محافظة "الحسكة" لمدة أربع سنوات، حصلت على إجازة في الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة "دمشق" عام 1970 كنت خلالها أخدم العلم أيضاً، وعينت مديراً لثانوية الشهيد "حسين حرب" في بلدتي "شقا" مدة ربع قرن، إضافة إلى تدريس الفلسفة، أنجبت أربع بنات، وثلاثة شبان هم كنزي وملاذي، ولدي الآن ثلاثة عشر حفيداً أرى من خلالهم وطني... "سورية".

    الناقد المعروف، وعضو اتحاد الكتاب العرب "محمد طربيه" تحدث عن ميّزات الشعر لدى الشاعر "فوزات زهر الدين"، فقال: «لا يأخذ الصديق الشاعر "فوزات زهر الدين" إلا بالشكل التقليدي للقصيدة، ولا يعدو إلا في مضمار أوزان "الفراهيدي"، ولا يسبح إلا في بحوره وقوافيه، ولعل من المتفق عليه أن جماليات ذلك الشكل وميزاته تتمثل في جزالة الألفاظ، والتراكيب، وقوة المطالع، وجودة السبك، وحلاوة الجرس، وسحر القافية، كما أن العيوب والهنات تتمثل في تكرار المعاني والصور، والمباشرة، والخطابية، ومن هنا فإن الشاعر كلما حرص على إبراز صوته الخاص في الأغراض والمعاني والصور والأداء الفني دون أن يقلد أحداً، أو ينسج على منوال أحد كلما ارتقى في معراج الإبداع والتميز. ومن هنا يبدو لي أن شاعرنا أكثر إجادة في الشعر الفلسفي والحكمي والأخلاقي، لأنه نابع من خصوصية التجربة المستندة إلى شخصية الاهتمام والاختصاص».

    أما الناقد الأستاذ "حسين ورور" فقال: «يتميز الشاعر "فوزات زهر الدين" بلغته القوية الجزلة، وبأشعاره التي تنضح بالحكمة والفلسفة. ولكن هذا الشعر الذي يقرضه لا يحيد عن تعاليم "الفراهيدي"، ولم يحد عن بحوره في أي يوم، أو أي قصيدة! فيبقى سقف الشعر لديه محصوراً بذلك! وهو يصر على الأمر من باب الحب والموهبة التي يتمتع بها، ولكنها في بعض الأحيان لا ترضي المتلقي الذي يطلب التجديد».