الارتقاء بما هو يومي ومألوف ومتداول إلى مستوى الفن الأدبي الرفيع، باللغة والصورة والرمز واستجلاء الأعماق وتقمصها، مهمة كل أديب يخوض غمار الأدب ويركب مركبه الصعب، ليرتفع ويفرد أجنحة لغته ومخيلته طامحاً إلى بلوغ النجوم.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 25 تشرين الثاني 2013 التقت الأديب "موفق نادر" عضو اتحاد الكتاب العرب ليحدثنا عن تجربة مختلفة للأديب الشاب "هيثم أبو سعيد" فقال: «يعمل الأديب "أبو سعيد" على تقديم أعمال روائية وقصصية وأدب أطفال ونصوص مسرحية، وهو يهتم بالجانب العلمي، وله العديد من المؤلفات في المجال الأدبي، حيث يسعى دائماً إلى تقديم رؤية مختلفة في سرده، لأنه يتعب على اللغة والنسيج اللغوي، ومن جهة ثانية لديه الرشاقة والحركة في البحث عن الشعور ضمن مفهوم الوعي، ويدخل إلى عالم اللا وعي دون فقدان الإدراك وفعل ما يقوم به، فهو كاتب ذو إيقاع هادئ، ويحمل أبعاداً ثقافية، وله مستقبل زاهر».

يعمل الأديب "أبو سعيد" على تقديم أعمال روائية وقصصية وأدب أطفال ونصوص مسرحية، وهو يهتم بالجانب العلمي، وله العديد من المؤلفات في المجال الأدبي، حيث يسعى دائماً إلى تقديم رؤية مختلفة في سرده، لأنه يتعب على اللغة والنسيج اللغوي، ومن جهة ثانية لديه الرشاقة والحركة في البحث عن الشعور ضمن مفهوم الوعي، ويدخل إلى عالم اللا وعي دون فقدان الإدراك وفعل ما يقوم به، فهو كاتب ذو إيقاع هادئ، ويحمل أبعاداً ثقافية، وله مستقبل زاهر

مدونة وطن "eSyria" التقت الروائي والقاص "هيثم جادو أبو سعيد" عضو اتحاد الكتاب العرب بالحوار التالي:

الأديب "موفق نادر"

  • كيف تنظر إلى واقع القصة أو الرواية اليوم بين أزمة الثقافة والسياسة والمجتمع؟
  • ** ما دامت القصة أو الرواية تعيش في خضم هذه الأزمات التي ذكرت، فلا يمكن أن تكون بمنأى عنها. فهي من جهة ستعيش هذه الأزمة وتعاني آلامها، ومن جهة أخرى ستعمل على التعبير عنها في محاولة لإعطاء الكلمة الأدبية دورها في التعبير عن الإنسان ومعاناته، وفي كشف ما استتر وراء حُجُب كثيفة تعمل الأزمة نفسها على إسدالها، وفي رسم الأحلام والدأب إلى تحقيقها، وهذا ما يجعل للقصة أو الرواية أهمية خاصة في ظل هذا الواقع، لكن القصة أو الرواية تقع في خضم تناقض غريب، حين يتسبب الواقع نفسه الذي جعل منها ذات أهمية للتعبير عنه وتغييره، في تنحيتها عن مسرح الفعل والتأثير، لتجد نفسها في عزلة قد تصل إلى حد القتل حين يعزف الناس عنها منكفئين على ما يرونه أكثر أهمية لحياتهم وحل مشكلاتهم التي ظلت الأزمات المحيطة بهم تمنع حلها، بل تغذيها حتى تكبر وتزداد شراهة.

    من أعماله الأدبية

  • في ظل ثورة الاتصالات، هل ترى عوامل المكان والزمان اليوم قد دخلت ضمن مكونات القصة القصيرة؟
  • ** بالصيغة التي طرحتها، لامسَ السؤالُ عندي جانبين هامين، في الجانب الأول أرى أن القصة أو الرواية تعيش في ظل ثورة الاتصالات تناقضاً جديداً، لا يقل أهمية عما تعانيه في ظل الأزمات التي سبق ذكرها، فما كان يمكن أن يكون وسيلة لدعم القصة أو الرواية الجيدة ونشرها والاحتفاء بها لتتجاوز الحدود الضيقة للزمان والمكان المحيطين بها، وهو ما لا ننكر قيام وسائل الاتصالات به بمستويات متفاوتة وبصورة انتقائية أحياناً، صار سبباً في ذبولها بعدما نبت حولها و"تعربش" على أغصانها الكثير مما تسمح بنشره هذه الوسائل دون تدقيق، ويسمي نفسه قصة أو رواية، فراح يمتص رحيقها ويخفي بريقها، ليختلط الحابل بالنابل، ويقفَ المهتمُّ أمام كمٍّ هائل من القصص والروايات، عاجزاً عن التمييز بين صالحها وطالحها. أما في الجانب الثاني، فقد أثّرت هذه الوسائل بدرجات مختلفة على لغة القصة أو الرواية، وعلى تكثيفها وصياغتها، بعدما انتشر من مصطلحات جديدة خاصة بهذه الوسائل، ولا أعرف إن كان يمكنني -"وأنا لست منظّراً في هذا الشأن"- النظر إلى القصة القصيرة جداً كمفرَز شديد الوضوح على ما ذكرت، وكذلك دخلت هذه الوسائل ضمن أحداث وحبكة القصة أو الرواية نفسها، لتغدو في بعض الروايات مكوّناً لا غنى عنه، وأطرح هنا مثالاً هو رواية "التائهون" للروائي "أمين معلوف".

    الأديب "هيثم جادو أبو سعيد"

  • هل تراجع مفعول القصة بين الأجناس الأدبية الأخرى؟
  • ** بحكم تأثري بأساليب الأبحاث العلمية التي أقوم بها في اختصاصي في علم النفس، أقول إن الإجابة عن مثل هذا السؤال تحتاج إلى توزيع استبيانات على عينة كبيرة من الناس، من فئات وأماكن مختلفة، ومقارنة النتائج بنتائج استبيانات مشابهة أُجريت قبل أعوام أو عقود إن وجدت، لكنني أستطيع القول كمراقب وملاحظ إن مفعول القصة، بسبب الأزمات والتناقضات التي تعيشها، قد تراجع مع الأجناس الأدبية الأخرى، أما بين الأجناس الأدبية الأخرى، فهذا تناقض جديد وعسير تعيشه القصة وأرجو أن تعذرني لأن حديثنا على هذا المنوال سيكون مكتظاً بالتناقضات، فالسرعة التي يشهدها عالمنا في الاتصالات وتوالي الأحداث وطرق التلقي، تدفع نحو التكثيف اللغوي والاختصار في الوقت والجهد، ما يدفع نحو ما يسمى الومضة الشعرية أو القصة القصيرة جداً أو الخاطرة أو النصوص القصيرة العابرة للأجناس الأدبية وغيرها من المسميات، وفي الوقت عينه، فإن ازدحام عالمنا بالتفاصيل والأحداث والشخصيات، ورغبة الإنسان في تشييد ذاكرة تفصيلية لما يحيط به ويتغير بسرعة، ورغبته في تقصي الأعماق النفسية والفلسفية لأحداث الحياة اليومية، مما لا تتسع له القصة بتكثيفها ومحدودية أحداثها وشخصياتها، تدفع نحو الرواية المسهبة، ما يجعل القصة متنازعة وممزقة بين طرفَي نقيض، فيضعف دون أن يلغي وجودها بين الأجناس الأدبية.

  • هل مازال القاص أو الروائي اليوم مصراً على رؤاه الإبداعية؟
  • ** إذا قصدتَ بالرؤى الإبداعية الإبداعَ بحد ذاته، فالأديب الحقيقي يبقى مصراً على الإبداع على الرغم من كل الصعوبات والمشكلات التي تحيط به وتسكنه، بل يستمد من هذه الصعوبات دافعاً جديداً لإبداعه. أما إذا قصدتَ اللغةَ والفكرة والأسلوب والفلسفة، فهو ما يجب أن يطوّره الأديب في كل يوم وفي كل كلمة يخطّها، كي لا يكرر نفسه ويستمر بالمراوحة في مكانه.

  • النص الإبداعي أين يكمن في ظل أزمة الكلمة والمعنى والدلالة؟
  • ** النص إبداعي، لأنه إبداعي، لا يعيش أزمة مع الكلمة والمعنى والدلالة، قد يعاني قليلاً لاختيار الكلمة أو الجملة أو التركيب اللغوي، ليتمكن بها من الوصول إلى المعنى أو المعاني، وإلى الدلالة أو الدلالات، ويتجلى الإبداع في القدرة على التغلب على هذه المعاناة والخروج بنص متكامل الأبعاد والعناصر. أما الأزمات التي أشرتَ إليها، فيخلقها غالباً المتلقي أو الناقد، حين يعجز عن مواكبة حلول النص الإبداعي لتلك الصعوبات، فيعجز عن الوصول إلى المعنى أو الدلالة وقد يقع اللوم في هذا على النص المستغلق نفسه، أو حين يصل إلى معنى أو دلالة أو حتى تأويل، فيتشبث بها رافضاً القبول بغيرها، فيبدأ السجال بين المعاني المختلفة التي ترفض الاعتراف بمنبتها من جذر واحد، وقد يكون هذا التشبث لأسباب تتعلق بالمدارس الأدبية أو بـ"الآيديولوجيات" أو حتى بالمصالح، وبهذا يتكشف أصل الأزمة في رفض الاعتراف بالآخر وفي إقصائه.

  • كيف تقرأ تجربتك الإبداعية بين الأمس واليوم؟
  • ** في ظل كل الأزمات والتناقضات مما أتينا على ذكره، ومما لم يتسنّ لنا ذكره أيضاً، لا تختلف مسيرة الإبداع الأدبي عن النحت في الصخر، بكل ما تتطلبه هذه المسيرة من قوة ومواظبة وصبر وقدرة على تخطي اليأس والإحباط، وقد استطعت خلال أعوام قليلة أن أشق لنفسي طريقاً مميزاً في مجالات القصة والرواية والمسرح وأدب الأطفال، بشهادة الكثيرين من الزملاء والأصدقاء والأدباء والمهتمين، وبشهادة الكثير من الجوائز الأدبية المرموقة التي نلتها، والإقبال الذي حققته كتبي المنشورة، وهذا ما يتطلب مني، أو يجعلني أتطلّب من نفسي، بما يلقيه على كاهلي من مسؤولية، المزيدَ من الجهد والعمل للمضي إلى مسافات أبعد في الطريق التي بدأتها، بكل ما يتطلبه هذا المضي من تطوير للغة والأسلوب والمخيلة والثقافة، حيث أطمح مع كل عمل أدبي أنجزه إلى أن أقدّم جديداً لا يكررني، لهذا -وقد تكون هذه مجازفة، لكنني أفضّلها- مازلت أحاول في كل ما أكتبه، الخروج على القوالب المتداولة للكتابة، من خلال إغنائها وتطويرها دون تحطيمها، ومن خلال التجريب والمزج والتشذيب، وأحاول من خلال تناولي لشخصية ما، أن ألامس أكبر عدد من الناس الذين يتلهفون للّقاء بمن يفهمهم ويعبر عما يجول في أعماقهم، دون أن أنسى ضرورة الارتقاء بما هو يومي ومألوف ومتداول إلى مستوى الفن الأدبي الرفيع، باللغة والصورة والرمز واستجلاء الأعماق وتقمصها.

  • الأديب "هيثم" أين يجد نفسه بين الأجناس الأدبية؟
  • ** بداياتي كانت مع الشعر، ثم اتجهت نحو القصة فالرواية، وكتبت المسرحية وأدب الأطفال من قصة وشعر ومسرح، وأنا أشعر بأن الكتابة في أي من هذه الأجناس لم يكن اختياراً بقدر ما كان ضرورة، على الأقل على مستوى اللا شعور، فلكل حال طريقة أنسب في التعبير عنها، لهذا لا أجد غضاضة في أن أكتب في أي من هذه الأجناس ما دام يقدّم فكرتي بالشكل واللون الذي أتخيله، لكنني ودون أن أتقصد هذا وجدت نفسي أخوض غمار الرواية وأركب مركبها الصعب، لتغدو سمائي، حيث يمكنني في ارتفاعها واتساعها أن أفرد أجنحة لغتي ومخيلتي طامحاً بلوغ النجوم.

    بقي أن نذكر أن للأديب "أبو سعيد" عشرة أعمال أدبية تنوعت بين الرواية والقصة وقصص الأطفال والمسرح منها: "خيوط الهواء، ونهايات الحواتم، وألعاب وعصافير"، وله تسع وتسعون أغنية. وهو من مواليد مدينة "السويداء" /1974/.