عاش طفولة كئيبة بعد استشهاد والده في حرب "تشرين"، فشق طريقه بتواضع الكبار في غفلة من الزمن الطويل، كانت روايته الأولى (عباءة الريح) حديث الكثيرين في الداخل والخارج.

اكتسب احترام الناس على اختلاف أهوائهم من خلال عمله في رئاسة المركز الثقافي العربي لمدينة "شهبا"، فحوّل المركز من مكان كبير يضم جدراناً وقاعات إلى قصر يعج بالحياة.

لست ناقداً، ولم أجرب الخوض في هذا المجال، أما كمتلق عادي فقد استحسنت الرواية، ووجدت فيها من التشويق والترابط، والإمساك بكل خيوط الأحداث والأشخاص، وإدارتها بشكل متكامل تجعلك لا تترك الرواية حتى تنتهي من قراءتها، ونحن بشوق لقراءة عمله الجديد. ومن خلال عمله كرئيس للمركز الثقافي في مدينة "شهبا" لاحظنا التميز في إدارته لهذا الصرح، وقدرته على تقديم برامج مدروسة ومتنوعة في الأدب والسياسة والمواضيع التاريخية والاجتماعية والطبية. وقد ازداد رواد المركز بشكل ملحوظ لمتابعة نشاطات المركز، وله بصمة خاصة من خلال التركيز على المواهب الشابة، وتقديمها في للناس

مدونة وطن eSyria التقت الأستاذ الروائي "منير بو زين الدين" المولود في مدينة "شهبا" في العام 1966، وذلك بتاريخ 7/6/2013 وكان اللقاء التالي:

الشاعر إسماعيل ركاب

  • كيف تقيم العمل الروائي في الجبل؟
  • ** ساعد التاريخ المشرف لهذه البقعة الجغرافية من سورية المسماة جبل "العرب"، في استلهام الشعراء والكتاب والروائيين بشكل خاص أن ينهلوا من هذا التراث الخصب في إبداعاتهم، ويبقى ذلك سؤال إشكالي حول هدية الرواية أو تقسيماتها الجغرافية (رواية الجبل) فالكثير من الكتاب ينتمون بالهوية إلى هذا المكان لكنهم لم يكتبوا عن الجبل، أو أن أحداث رواياتهم تجري خارج نطاق هذا المكان، لكن برأيي المتواضع، الرواية هي مجردة من التقسيمات الجغرافية، والدليل على ذلك عندما كتب "أمين معلوف" بالفرنسية، أو تلك التي كتبها المبدعون الجزائريون وهذا لا ينفي عنهم أصولهم العربية. يقول الناقد العربي الكبير "محمد برادة": "منذ الستينيات بدت كتابة الرواية في كثير من الأقطار العربية، بمنزلة ورشة للتجريب، وجعلت الروائي صاحب رؤية وتحليل وسخرية، يلتقط جدلية اللحظات والصراعات، ويتوسل التخييل لتحريك الفكر والوجدان".

    جناح الكتب في ثقافي شهبا

    مما سبق فإن الرواية في الجبل بعد انطلاقتها الأولى مع رواية "وهيب سراي الدين" (قرية رمّان) في العام 1965 كانت هناك محاولات وتجارب، لكن الانطلاقة الحقيقية للرواية في الجبل كانت مع نهاية القرن العشرين أي في السنوات الأخيرة منه، ومع بداية الألفية الجديدة. وصلت رواية (قصر المطر) للروائي "ممدوح عزّام" نقطة التحريض الأساسية في استنهاض همم معظم كتّاب الجبل لكتابة الرواية.

  • أنت صاحب تجربة في كتابة الرواية، ما الذي يجعل الشخص روائياً وكيف له أن يستمر؟
  • غلاف عباءة الريح

    ** لي رواية وحيدة هي (عباءة الريح)، وهي باكورة الأعمال، وبعد فترة ستبصر النور رواية جديدة بعنوان (عشرون الرماد) وتوقفت عن كتابة رواية بعنوان (المحيط الأرجواني) لأسباب خاصة ولكن سأكملها عندما تناديني من جديد.

    أما السبب الذي يجعل المرء روائياً فبالتأكيد أن هناك شيئاً يقدمه للناس، وإلا ما فائدة الكتابة، لا يوجد كتابة لمجرد الكتابة، والكتابة الروائية تحتاج إلى الكثير من التخييل والقليل من الواقعية لكن بالتأكيد لا يمكن لها أن تنفصل عن الواقع، لأنها ستصبح نوعاً آخر من الأدب غير الرواية. فالرواية حسب تعريف الناقد الدكتور "عادل الفريجات": بأنها فن مرن ومتسع ورجراج، وقادر على أن يكيف نفسه في أشكال متعددة ومبتكرة، وقد أتاحت هذه الخصائص لبعض الكتاب أن يمارسوا ألواناً عديدة من التجريب، وأن يستثمروا تقنيات فنون مختلفة ويدمجوها في سياق الرواية وفي ثناياها. وبالإضافة إلى ما سبق فإن أهم سبب في جعل المرء روائياً هو قراءاته السابقة وتجربته الحياتية، وفي الأساس الموهبة الكتابية وتأتي كما أسلفت القراءة في صقل هذه الموهبة وإظهارها، فالرواية بأوسع تعاريفها هي انطباع مشخص عن الحياة. وإذا ما حاول الروائي أن يحيطها بسياج من الفروض والإرشادات والإيديولوجية يسيء إليها فهي متعددة كأمزجة البشر، وناجحة بقدر ما تكشف عنه عن عقل خاص يختلف عن عقول الآخرين.

  • هل الموهبة أساسية في هذا الأمر؟
  • ** الموهبة أولاً وأخيراً لأن الذي لا يمتلك موهبة الكتابة لا يستطيع أن يكون روائياً على مبدأ فاقد الشيء لا يعطيه! وإلا ما الذي يميزك عن الآخرين؟.. فالرواية عالم شاسع وتشمل كل أنواع الفن وتحت ما يسمى التجريب يمكنك أن تمرر كل الأشكال الفنية، وتستطيع أن تنتقل بين كل هذه الأنواع بطرق سهلة حتى إنك لا تمكن القرّاء من ملاحظة هذا التنقل..

  • أنت مدير مركز ثقافي مهم في المحافظة، وصاحب مكتبة فهل لهذا علاقة بما أنجزته وتنجزه لاحقاً؟
  • ** بين كوني مدير مركز ثقافي وروائي، العلاقة قديمة جداً، ربما بدأت منذ أن قادتني خطواتي نحو هذا المكان، صاحب الصالة الكبيرة، ودون مبالغة لم يبق رواية موجودة في هذا المركز لم أقرأها! وشكلت هذه القراءات هذا الهوس بالفن الروائي، وبحكم دراستي الجامعية (مكتبات) التي أهلتني للعمل بالمركز، فعملت فترة طويلة أمين لمكتبة المركز، وصاحب قرار في اقتناء أهم الكتب التي تلبي رغباتي ورغبات القراء بآن معاً، ومع تبوئي لرئاسة المركز الثقافي في العام 2007 أتيت وأحمل مشروعا مهماً لتطوير المركز. لأنه في السابق كان الاهتمام بكل شيء إلا مكتبة المركز، وأعتبر أن سبب وجودنا في هذا المكان هو المكتبة لذلك عملت على اقتناء أمهات الكتب في مختلف أنواع المعارف، وخاصة الروائية منها. بالإضافة لاستحداث أقسام جديدة في المركز، من معرض دائم للتراث الشعبي، (ذاكرتنا العصية على النسيان) وقسم مهم للأرشيف وهو عبارة عن ذاكرة المركز، وذاكرة المدينة، حيث يوثق جميع أنشطة المركز المختلفة، واستقدام أهم الكتب والمفكرين في البلد، لتقديم المحاضرات المهمة التي تهم مختلف الشرائع. وخاصة أولادنا من خلال النادي الصيفي المقام كل عام في المركز حيث نقدم لهم المتعة والفائدة، ومركز للفنون التشكيلية، ودورات للكبار في الحاسب واللغات، وهناك قسم مهم لتعليم الكبار محو الأمية.

  • يقول الناقد "حسين ورور" إنك من القلائل الذين يعول عليهم الخروج من البوتقة التي سيّجها روائيو الجبل حول عقولهم وأفكارهم.. برأيك ماذا يقصد؟
  • ** لقد أمضيت زمناً طويلاً في القراءة بدأت منذ الطفولة ولم تنته حتى هذه اللحظة. والملاحظ أن أغلب النتاج الروائي نجده تكراراً واجتراراً لما كتب في السابق! وقليل من الكتّاب يترك أثراً إبداعياً، أنظر مثلاً كيف يكتب "ربيع جابر" أعتقد بأنه ولد روائياً. يكتب بأسلوب مختلف عمن سبقه من الكتّاب، وحتى ككاتب أعتبر القليل من كتّاب الرواية يستطيعون أن يتركوا نصاً روائياً يصلح لكل زمان، أو أن يخلدوا أبطالاً من صنع خيالهم، ولكنك تظن أنهم موجودون بيننا إذا استطاع الكاتب أن يحولهم من مجرد حبر وورق إلى شخصيات من لحم ودم، تتفاعل معهم وكأنهم حقيقة قائمة. وكلام الأستاذ "حسين ورور" كلام مهم ويضع يده على الجرح، فمعظم كتّاب الجبل استهوتهم انتصارات أجدادهم الثوار في معاركهم ضد الأتراك والفرنسيين، وبالذات أحداث الثورة السورية الكبرى في العام 1925. لذلك حصروا أنفسهم داخل هذه البوتقة وفي باكورة أعمالي (عباءة الريح) وقعت بما وقع به غيري من الكتّاب، ولكون الأستاذ "حسين ورور" مطلع على مخطوطة الأعمال القادمة لي (عشرون الرماد) و(المحيط الأرجواني) يعتبر بأنني قد خرجت من هذه الأطر، وهذه الأعمال الجديدة أصبحت تحت الطبع، وإن شاء الله تكون هذه الأعمال الجديدة مغايرة تماماً لكل ما كتب سابقاً.

  • هل لطفولتك علاقة بخطك البياني المتصاعد؟
  • ** كانت طفولة قاسية وخاصة عندما تفقد العائلة الصورة المعلقة على الحائط! فاستشهاد أبي في حرب تشرين في العام 1973 اختلطت فيه المشاعر بين الفخر والفقدان، فأكبر وسام يمكن أن تفتخر به في حياتك انك قدمت شهيداً في سبيل الوطن، وتخيل أن هذا الشهيد هو أغلى ما تملك! ومن خلال قراءاتك تشعر بأن أي قصة أو رواية لها علاقة بالموت أو الفقدان لا شك بأنها ستكون مؤثرة جداً، وتترك أثراً أعتقد بأنه لا يمحى بسهولة من حياتك.

    وعن عمله الروائي وعمله كرئيس للمركز الثقافي العربي في مدينة "شهبا"، أوضح الشاعر "إسماعيل ركاب" ذلك بالقول: «لست ناقداً، ولم أجرب الخوض في هذا المجال، أما كمتلق عادي فقد استحسنت الرواية، ووجدت فيها من التشويق والترابط، والإمساك بكل خيوط الأحداث والأشخاص، وإدارتها بشكل متكامل تجعلك لا تترك الرواية حتى تنتهي من قراءتها، ونحن بشوق لقراءة عمله الجديد. ومن خلال عمله كرئيس للمركز الثقافي في مدينة "شهبا" لاحظنا التميز في إدارته لهذا الصرح، وقدرته على تقديم برامج مدروسة ومتنوعة في الأدب والسياسة والمواضيع التاريخية والاجتماعية والطبية. وقد ازداد رواد المركز بشكل ملحوظ لمتابعة نشاطات المركز، وله بصمة خاصة من خلال التركيز على المواهب الشابة، وتقديمها في للناس».