خطا شعراء الجبل خطوات واسعة في الشعر الحديث، وخاصة أولئك الذين تابعوا بجهد لوضع لبنة متجددة في أشعارهم، لتكون غير تقليدية ومبتكرة، فظهرت الومضة الشعرية التي يطلق عليها بعضهم اسم الصاعقة.

مدونة وطن eSyria التقت الشاعر والناقد الأستاذ "حسين ورور" بتاريخ 23/4/2013 الذي تحدث عن بدايات هذا اللون الشعري المحبب لمستمعي الشعر في "السويداء"، فقال: «بدأت الومضات الشعرية في الجبل على يد الشاعر "فؤاد كحل" في مجموعته الأولى التي كانت زاخرة بالحالة الشعرية الإبداعية، وفيها نقلة جديدة في الحداثة الشعرية، وقفزة في التجديد من الكلاسيكي إلى التفعيلة إلى الحديث، وكان ذلك في صيف العام 1975 حيث ظهر بعد ذلك "صالح العاقل" الذي جدد في القصيدة الكلاسيكية من خلال مجموعته الجميلة (صباح الخير)، حيث ظهرت الومضة الشعرية ضمن القصائد ذات الطابع الحداثوي، ونفس الأمر ينطبق على الشاعر الراحل "سعيد أبو الحسن"، وهناك الشاعر الشيخ "حسين أبو فخر" وغيرهم... وقد تجلت الومضة لديهم في نفس القصيدة، وهو أمر ليس بغريب على الشعر، فالمتنبي لديه الكثير من الومضات الشعرية في القصيدة العمودية الواحدة، ولذلك تجد أشعاره متجددة من يوم إلى آخر.. بالمقابل تابع شاعر "السويداء" الغزير الإنتاج "فؤاد كحل" قرض الشعر الحديث، فأصدر مجموعته (سراج الليل) الملأى بالومضات، وبرأيي الشخصي أن الشاعر لم يقدم أجمل منها في كل ما كتب، وفيها مقاربة مع الشاعر العالمي "رسول حمزاتوف"».

لم يصل الشعراء إلى الآن لإعطاء شعر الومضة هويته الحقيقية، فهناك محاذير كثيرة تقف عائقاً أمام تلك الهوية لكي ينافس الشعر الكلاسيكي والحداثة والتفعيلة، فالومضة تعتمد على عنصر الدهشة، والسر أن تحمل تلك القصيدة القصيرة الصغيرة المعنى المتكامل لتصبح جزءاً من ديوان العرب، تحفظ عن ظهر قلب وتورث، لأنها تشتمل على الحكمة والبلاغة والإيجاز والإيثار، وكل ذلك لم يستطع أن يفعله شاعر واحد استطاع التخصص فيها

وعن بدايات الومضة وشروطها أضاف: «لم يصل الشعراء إلى الآن لإعطاء شعر الومضة هويته الحقيقية، فهناك محاذير كثيرة تقف عائقاً أمام تلك الهوية لكي ينافس الشعر الكلاسيكي والحداثة والتفعيلة، فالومضة تعتمد على عنصر الدهشة، والسر أن تحمل تلك القصيدة القصيرة الصغيرة المعنى المتكامل لتصبح جزءاً من ديوان العرب، تحفظ عن ظهر قلب وتورث، لأنها تشتمل على الحكمة والبلاغة والإيجاز والإيثار، وكل ذلك لم يستطع أن يفعله شاعر واحد استطاع التخصص فيها».

الشاعر "إسماعيل ركاب".

وعلى الرغم من إصداره لثلاث مجموعات شعرية، إلا أن المجموعة الرابعة للشاعر "إسماعيل ركاب" التي جاءت تحت عنوان (إيقاعات ملونة) الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب، والتي حملت الكثير من الومضات التي أثبت من خلالها موهبة شعرية قادرة على الاستمرار، غلفتها قوة الكلمة وتكامل المعنى في ومضات شعرية واضحة قصيرة وزجلة في المعنى واللحن.

يقول الشاعر "إسماعيل ركاب" المولود في قرية "المتونة" في العام 1954 عن القصيدة الشعرية المعروفة بالومضة: «لعل القراءة المعمقة والمستمرة لكل فنون الأدب من شعر وقصة ورواية ونقد وسيرة ذاتية، وكل ما يمكن أن يعمق الثقافة الشخصية للشاعر الباحث عن كل جديد وشيق ومبدع... ولعل الومضة الشعرية التي تعتبر نصاً خالصاً متكاملاً يغني عن قصيدة بمئات الأبيات الشعرية العمودية التي تطرح الأفكار فتأتي بضعة كلمات بهذا الفعل، ولعل الومضة تحتاج للكثير من الحكمة والإيجاز، وبالتالي القوة لكي تصل بصورة مشرقة ومفاجئة للمتلقي فترسخ في الذاكرة الحية التي تقوم بدورها في تثبيت الحالة تلك كمنهج وسلوك في حال أعجب المتلقي بها وهو أمر بمنتهى الصعوبة والغرابة ويحتاج فيها الشاعر للوقوع في الحالة الشعرية».

الشاعرة "حياة نصر".

في قصيدته الومضة بعنوان (عصفور التين) يقول: ينطنط فوق الغصون... يغني لأنثاه لحناً.. يطيّر قلبين حدّ الجنون.. ولم يدر ما خبأته... وراء الغصون العيون؟؟!. وفي قصيدة أخرى بعنوان (قطار) يقول: أدركوه..! كم زها في سالف الوقت، وكم رفت على أمداده رايات مجد.. أسعفوه!! خلل سرطن مقطوراته، أو.. كاد يودي بازدهار النبض، يا قوم استفيقوا.. أنقذوه!!.

ولعل تجربة الشاعرة "حياة نصر" تستحق الوقوف عند تفاصيلها لاعتمادها على الومضة الشعرية في المجموعتين الشعريتين اللتين أصدرتهما حتى اللحظة وهما (ثرثرة الريح للأغصان- نرسيس). حيث بينت ذلك بالقول: «لقد اعتمدت على التكثيف والأسطورة لإيصال قصة متكاملة عن حالة شعرية معينة، ولعل القادم يكون أكثر قوة من سابقه لتكريس هذا اللون المحبب للمستمع والقارئ العاشق للشعر. فالومضة قطعة شعرية متكاملة تجتاحك مثل البرق في ليلة عاصفة.. تحتاج لعوامل عدة حتى تصل للمستوى الذي يتوخاه المتلقي، وهو ما يتمناه كل شاعر حتى يطبقه عملياً على الورق من خلال السهر المتواصل المضني في القراءة والمتابعة والمحاولة التي تترافق مع حالة شعرية متمردة».

الناقد والشاعر "حسين ورور".

ومن مجموعتها الأولى (ثرثرة الريح للأغصان) قصيدة مقاومة التي تتكون من عشر كلمات فقط؟ حيث تقول: أحتاج إلى حجارة أضعها... في قلبي... حجارة تقاوم مطارق ذكرياتك..

وفي قصيدة بعنوان حرية تقول: تحررت يداي.. لكن.. ما زال القيد في قدمي!!!.