«تعد الترجمة حالةً من التقدم الثقافي والتلاقح المعرفي بين الحضارات والثقافات، خاصة أن الكثير من المآثر الثقافية أصبحت مترجمة وتقدم للشعوب العربية بلغة مترجمة، لأن الترجمة ثقافة تستحق الوقوف عندها وعند من يعتنقها ويعمل على تطويرها لأنها أصبحت السلاح الذي يمكن من خلاله مواجهة الثقافة الوافدة، والمحافظة على أصالة ثقافتنا المحلية».

هذا ما تحدث به الأستاذ المترجم "شاهر حسن عبيد" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19/8/2008 وكان معه الحوار التالي:

لم تكن الترجمة في بلادنا منذ القديم أولوية ولكن مع تطور الحياة أصبحت حاجة ملحة لكثير من الباحثين والمواكبين للبحث العلمي وللنتائج العلمية، إضافة إلى المساهمة في نشر الثقافة المحلية، ومعرفة ما لدى الآخر من ثقافة ومن يعمل في هذا المجال يساهم بشكل فعال في إيصال مدى عمق وتاريخ الحضارة العربية إلى العالم من جهة والاستفادة من فلسفات وأفكار فلاسفة العالم من جهة أخرى، والأستاذ "شاهر عبيد" واحد من المهتمين في الترجمة وله باع طويل بذلك إذ استطاع أن يغني المكتبة العربية بمجموعة من ترجماته بشكل تقني وجميل

  • كيف ترى حال الترجمة في واقع الثقافة العربية؟
  • من أحد أعماله

    ** إن الكلام عن الترجمة يفترض قبل كل شيء النظر إليها كنشاط ثقافي وكفعل إبداعي يسير في موازاة الكتابة باللغة الأم "العربية في هذه الحالة" وبالتالي فالترجمة بالضرورة تمارس تأثيرها، نظراً لإدخالها ثقافة موازية فهي تسهم في إغناء أو محاورة الثقافة الأم تأثيراً وتأثراً، ولكن تبقى المسألة الأهم في طبيعة ودرجة التأثير متوقفة على عاملين رئيسين هما: أولا نوعية ما يترجم وغناه الفكري، وثانيهما مقدار ما يتم ترجمته وتنوع موضوعاته، من هنا نفهم أن الترجمة في كل الحالات تشكل ثقافة رديفة، وليست بديلة من الثقافة الأم.

  • هل الترجمة تسهم في تطوير الفكر العربي وانتشاره؟
  • المهندس"موفق عبد الرحيم"

    ** تأسيساً على ما سبق أن قلناه أعتقد أن بإمكاننا القول مؤكدين دور الترجمة كرافد أساسي من روافد النهوض بالفكر والثقافة وأشدد على النهوض بالفلسفة والعلوم هنا، وأي جهد في هذا المجال لا بد أن يغني الفكر العربي ويسهم في انتشاره من خلال ربطه بالثقافة الإنسانية الأوسع.

    أنا شخصياً مقتنع تمام الاقتناع بان الفكر العربي- كما هو حال أي فضاء ثقافي آخر- لا يمكن أن يتطور لكي يساير الثقافات العالمية ولغة العصر ويحاورها دون الترجمة التي ستقدم إضافات إلى فكرنا المعرفي كما تتأثر بفكرنا ومعارفنا، فالترجمة وسيلة للاكتساب الفكري كما هي وسيط لنشر الفكر الذي لدينا وتعزيز مكتسبات الثقافات الوطنية في الحياة.

    المترجم "شاهر عبيد"

    وكما ترى، هذا الدور يتم عادة بشكل أفضل اليوم من خلال الاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة التي جعلت العالم قرية بتسهيلها التواصل بين الثقافات، والفضل في ذلك يعود للترجمة قبل كل شيء، التي تتيح عملية التبادل والتلاقي بين الثقافات، ولا بد لنا من التأكيد في هذا المجال على أهمية بل ضرورة التمسك بثقافتنا الوطنية وقيمنا الاجتماعية والأدبية الخاصة بنا كعرب في وجه موجات التشويه الثقافي التي تحدث اليوم ومحاولات الإفساد الثقافي التي تبثها الثقافات الأقوى الراغبة في الهيمنة الثقافية وتفريغ الثقافات الوطنية من مضامينها الإنسانية.

  • كيف بدأت علاقتك بالترجمة؟
  • **لقد نشأت في بيئة فقيرة لكنها محبة للعلم والثقافة وكان الكتاب والقراءة هاجس بالنسبة لي، فبعد أن أكملت تعليمي الثانوي في مدارس "السويداء"، ثم تخرجت في جامعة دمشق في عام 1974 وجدت في الترجمة عالماً رحباً لاستكمال مسيرتي في التواصل مع العالم ثقافياً وتطوير لغتي وإشباع طموحاتي الثقافية، ومن ثم الإسهام ما يمكنني في إغناء مضامين ثقافتنا العربية ببعض المترجمات وهي ترجمات متنوعة تماماً.

    لقد كنت متحمساً جداً للترجمة وما أزال كذلك حتى هذه اللحظة أؤمن بدورها الكبير والإيجابي في التطور الاجتماعي بصفة عامة، وشكلت الترجمة بالنسبة لي قناة إبداعية بمعنى الخلق الفكري واللغوي دون أي ادعاء.

    الجانب الثاني المكمل هو أن الترجمة طريقة لتعريفي وتعريف القارئ بالمنتج الثقافي العالمي "المكتوب باللغة الإنجليزية"، وهي مجال عملي، فالترجمة إبداع بالنسبة للمترجم المشتغل فيها، وفضاء ثقافي ومعرفي للقارئ لما قد لا يكون ميسوراً في ثقافتنا الوطنية من إبداعات الآخرين في العالم.

    فالترجمة كما سبق أن أشرنا هي فعل ثقافي، وباعتقادي أن المترجم يجب أن يتمتع بثقافة جيدة لكي يكون مدركاً لمسؤوليته تجاه الكلمة ودورها وتأثيرها في القارئ المتلقي.

  • ما الذي يقلق الأستاذ "شاهر عبيد" في عالم الترجمة؟
  • ** الهموم الثقافية في عالمنا العربي لا حصر لها، وفي مجال الترجمة هناك كثير من الأمور التي تشغل بالنا جميعاً كمعنيين بالثقافة العربية والإنسانية، وما يقلقني على سبيل المثال هو غياب البرامج التي تهتم بالترجمات والمترجمين على السواء، فلا الترجمة تلقى الإشراف الرسمي المطلوب ولا المترجم يحظى بالرعاية الواجب أن يحوزها. والمترجمون لا يحصلون على حقوقهم التي تكفل لهم العيش الكريم كبقية عباد الله، لهذا أرى انه حري بوزارة الثقافة لدينا إيلاء المترجم الاهتمام الكافي وتوفير الأجواء المناسبة لعمله، من أجور وموازنات مالية ولجان اختيار النصوص الإبداعية الأفضل، دون محسوبيات، وتخليص الترجمة من النقل العشوائي كما يحدث الآن، وتأمين فرص النشر والطباعة للأعمال بالسرعة المناسبة.

  • بلاد الاغتراب هل شكلت لديك ثقافة الترجمة؟
  • ** على الرغم من تيقني من عدم فهمي الدقيق للمقصود بمصطلح ثقافة الترجمة الوارد في السؤال لكني أستطيع القول إن العمل في بلد عربي شقيق، وهو ما لا أعده اغتراباً بالمعنى المترجم الحرفي، قدم لي فوائد كبيرة في مجال الترجمة، ونتيجة لعملي كمترجم موظف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت ذلك جعلني أستمر في ممارسة الترجمة بشكل واسع، وهي فائدة واضحة لي. وقد خرجت حتى الآن بنتائج مقبولة "إن لم أقل جيدة" سواء على مستوى التقدم في آليات العمل أو فيما أنجزته من ترجمات في هذه الأعوام الستة عشر هناك.

    وما أزال أعمل لتطوير هذه التجربة وتوسيع نطاق مشاركتي في الترجمة، إذ قمت خلالها بترجمة مؤلفين وترجمة وكتابة عشرات المقالات في مختلف الدوريات والصحف هناك، أضيفت لما أنجزته قبل ذلك في سورية. لهذا قد أدعي أنني أصبحت أمتلك مثل هذه الثقافة، كركيزة ضرورية للتعامل مع النص المطلوب ترجمته، ومع هذا يبقى أخيراً أن أقول إننا بشر، نولد ونكبر حتى الموت ونظل نتعلم من الحياة ولأجل الحياة التي ينبغي منا أن نسهم في تطويرها ثقافيا لبناء حضارة أفضل للإنسان.

    المهندس "موفق عبد الرحيم" أحد المهتمين بالبحث العلمي وبالترجمة تحدث بالقول: «لم تكن الترجمة في بلادنا منذ القديم أولوية ولكن مع تطور الحياة أصبحت حاجة ملحة لكثير من الباحثين والمواكبين للبحث العلمي وللنتائج العلمية، إضافة إلى المساهمة في نشر الثقافة المحلية، ومعرفة ما لدى الآخر من ثقافة ومن يعمل في هذا المجال يساهم بشكل فعال في إيصال مدى عمق وتاريخ الحضارة العربية إلى العالم من جهة والاستفادة من فلسفات وأفكار فلاسفة العالم من جهة أخرى، والأستاذ "شاهر عبيد" واحد من المهتمين في الترجمة وله باع طويل بذلك إذ استطاع أن يغني المكتبة العربية بمجموعة من ترجماته بشكل تقني وجميل».

  • تم تحرير المادة بتاريخ 2008.