يذكر القاص "رياض طبرة" أن شعر "فرحان الخطيب" لا ينفصل عن شخصية الشاب الجبلي المشبع بالمثل والقيم التي تربى عليها في جبلنا الأشم، حيث الكرامة والعزة والتمسك بالهوية والانتماء والجود والفروسية وإغاثة الملهوف، قصائده تمتح من التاريخ ولا يخلو من الخطابية وخطابٍ تعبوي يعزز روح المقاومة للظلم والتي تنتصر للضعفاء وللمضطهدين وللجياع، وفي مرحلة لاحقة يستغرق فرحان في اجتراح صورة شعرية معاصرة تليق بالقصيدة وتلفت الانتباه على اكتمال التجربة بعد مجموعات عدة شكلت بمجملها بعد "أتيت إلي"، شخصية شعرية نعتز بها بالسويداء.

يقول الشاعر "غانم بو حمود": إن شعر "فرحان الخطيب" هو من نوع خاص لأنه يميل لحب الجداول والوديان ويفرح على صوت البلابل الشادية، لذا فإن الصورة لا تفارق الطفولة البريئة، وتتعانق في آن واحد مع شموخ الجبل ورسوخ السنديان، فشعره تجربة مضمخة بالأصالة، وقد تندهش عندما يخاطب الذات بأسلوبه الخطابي المباشر وترى عمق التجربة، لأنه استطاع أن يخوض غمار الحداثة بثقة ومحبة للشعر وحداثته.

أما موقع eSuweda فدخل مخدع هذا الشاعر (10/6/2008) وأجري معه الحوار التالي:

الشاعر فرحان الخطيب

* كيف بدأت علاقتك بالشعر؟

الأديب رياض طبرة

** هي حاسة أخرى تطلقها إلى رياض الشعر كي تشتم عبقه وأريجه أم تطلقك إلى استنباته في تضاعيف شعورك من منطقة اللاشعور المحاذية لها، بهذا تجد نفسك في قطرات غيم الشعر حيث تبللك لكي تزهر صوراً من مفردات ينسفها إحساسك أولاً بالأشياء لا كما يحسها الآخر، وقطفها وحملها على هودج الروح بعناية لكي يقترب منها مَنْ يحتاجها بدراية الفاحص والمتأمل، هكذا الأمر مستديرٌ، لا يمكنك الإمساك بزاوية لتقول من هنا بدأت العلاقة، بهذا يصبح الأمر ذا خطوط واضحة، ودرجات بيّنة للصعود، يتلقفها القاصي والداني، وهذا ما لا يمكن في عالم الإبداع حيث البذرة الأولى في خلايا التشكيل الأول للفرد هي برعم ولد معي، على امتداد بصري، وفي رؤيتي الأولى للحياة، وميكانيكياً، عندما التقطت الحرف الأول، قبل دخولي الرسمي للمدرسة، بدأت أبوح، بأشياء كأنني ألقي الشعر وبحماسة، والشذرات الأولى كانت في المرحلة الابتدائية، أما في سن الثالثة عشرة من عمري فكنت أكتب الشطرين دون علم ببحور الشعر ولكن بوزنه الخليلي.

  • ما المحطات التي تراها في ديوانك الجديد (أتيتُ إلي) الصادر هذا العام؟
  • الشاعر غانم بو حمود

    ** لا تكتمل سلسلة حياة المرء إلا إذا أعلن موته، أما حياة شعره فهذي ممتدة إلى حيث يشتهيها الآخرون، ربما تولد قصيدة لي بعد موتي الجسدي بكثير، يتغيب عنها باحث، أو يعيد صياغتها ناقد، بهذا (أتيت إلي) أتمناه محطات وليس محطة، أما إذا تحدثت عن إنجازه وأفكاره الآن فأقول لك أن الشاعر لا يدرك ذاته بقدر محاولته تحسس الأشياء من حوله فهو يلامس رقة المرأة ويعارك جمرة الثورة، ويلاعب أشعة الشمس ولكنه متوجسٌ دائماً حالة الاقتراب من ذاته فهو ما هو؟ حاولت أن يصطفق جناحيَّ مع بعضهما لأي اختلاط لو بينهما، ورنة صوتهما، أتيت إلي أختلق السؤالا، ومن سيجيب إلا أنا، الذات، أتيت، لأنني حلم نديٌ، ومن قال إني حلمٌ، أنا أقول، احتكاك الذات بالذات، محزن، مضحك، مؤلم يشعرك بالسكون بالحراك الوجداني هذا من جهة، ومن جهة أخرى من ذاتك إلي ذات الآخرين الموازية والمقارنة، والمتحدة، والمتداخلة، تجد بعض الطرق، لكي تقولها أو تقولك، فكانت بعض القصائد من مجموعة "أتيت إلي" /جديلة الشمس/ وكنت يراعاً/ مرحى.

  • تكثر من قصيدة العمود في ديوانك الجديد، ما مدى ارتباطك بها... ولماذا؟
  • ** الشعر الحقيقي تجده في عناوين الشعر الثلاثة العمود، التفعيلة، قصيدة الفن، وقصيدة العمود هي التي أسست لشعر عربي لمّا يزل حياً، وقصيدة التفعيلة هي غصن نضر من دوحة العمود والشاعر تأخذه القصيدة إلى حيث شكلها، لم آخذ شكل القصيدة، وإن كان ما يرتكز عليه ثقافة نشأت عليها يؤخذ في عين الاعتبار بمنظور اللاشعور فتتدفق الشعرية في النص الذي تختاره، وقصائدي الأولى كانت عمودية– تفعيلة.

  • الشعر الحديث يرافق الشعر الكلاسيكي... كيف تقيم المشهد الشعري هذه الأيام؟
  • ** لم لا... وأظنك تقصد قصيدة النثر، الكل في واقع واحد وفي رياض واحدة، الكل يصفق في أفق الشعر، والحق أن النظر يكون على شعرية النص ضمن أشكاله الثلاثة كل الدوريات التي تكتب الشعر تكتب الأشكال الثلاثة في عدد واحد، فانتق منها ما شئت، حتى أنك لو تجد في أحايين أن النص الواحد يقسم إلى تقسيمات كهذه، أما المشهد الشعري فقد حدت من تألقه وسائل الإعلام الأخرى بشكل ملحوظ وملموس: فضائيات- انترنت....

  • ما رأيك بالفن التشكيلي واللون إذا أدخل إلى القصيدة؟
  • ** تقف أمام لوحة لفنان تشكيلي مذهولاً بمفرداتها البصرية، وإذا أردت أن تعبر عنها ستستخدم شريط اللغة من أجل حملها للآخرين على أجنحة الصورة الشعرية، وإذا كنت في حالة من الكلام الشفيف والبارع في الاستحواذ على أجنحة الخيال، قيل إنك شاعر، لأنك تغلف الصورة المرئية بالكلام المسموع فأعلق الخيال، وإذا الشعر فقد الخيال، فقد عنصراً مهماً ومرتكزاً حقيقياً وربما أصبح الشعر أعرج في حقول الأدب لا يبرح أن يسقط من الإعياء، فالشعر صورة حية مشرفة كلما أجاد الشاعر الرسم بالكلمات على رأي شاعرنا نزار قباني، وإلاّ لتهاوى الشعر في درك النظم وفقدان الرؤية.

  • لك تجربة شعرية للأطفال وحيدة هل ستستمر بعد (تعال يا قمر)؟
  • ** بالتأكيد سأستمر لأنها كانت تجربة ناجحة من خلال استقبال فئة كبيرة وفي مختلف المناطق من الأطفال لقصائد تلك المجموعة ويوجد توصية من خلال اللجنة القارئة في وزارة التربية لاعتماد إحدى هذه القصائد في المنهاج المدرسي لمرحلة التعليم الأساسي الأولى، والكتابة للطفل ربما تكون من أجمل وأمتع أنواع الكتابة وخاصة إذا حملت الصورة والإيقاع الموسيقي واللغة الواضحة، والقيمة التربوية تهدف ما دون الوقوع في مطب الوعظ والمباشرة.

  • ما الذي يقلق الشاعر فرحان الخطيب؟
  • ** الشعر، نعم لا يقلقني إلاّ الشعر، عندما أكتبه فأنا قلق: من سيقرأ، من سيسمع؟، وعندما لا أكتبه، أنا قلق، لأنني يجب أن أكتب الشعر، فأنا لا أحب إلا أن أكونه أو يكونني، إنه حالة ملازمة تسربلني، وأحملها في مسالك الحياة على ظهر مطيتي ولو أصابها الإعياء ولا أخفيك أن حمل أعباء الحياة في عالمنا الحالي يحملك على نقل برعم الشعر من حديقة ريّانة أرضها لينة، إلى شقوق صخور العمر تستنبته في أشد الظروف قساوة وعنتاً /إنك قلق أيضاً/.

  • المرأة في شعر فرحان الخطيب؟
  • ** هي الخلطة السحرية التي أعجن بها مفردات الشعر، لتندر القصيدة رغيفاً مقمراً شديد المشتهى، لم يخلق الشعر المرأة بل خلقها الله لتحفها الصورة الشعرية برعايتها، وكلما ارتقى الشعر ارتقى في نقل أجمل صفات الدنيا لكي يقترب المشبه به من المشبه، هو المرأة، هذا من حيث إن المرأة مادة للجمال الإلهي الأخاذ وعلى الشاعر أن ينحت في اللغة ما يلائم هذا الخلق الجمالي، وفي الصفات الأخرى عليك أن تتذكر الكبة، أمومة، خصب، عاطفة، حنان، لا شك أن الشاعر دون ذكر المرأة يقترب من التصحر والجفاف...

  • حال الشعر في المشهد الثقافي؟
  • ** ليس الشعر كما أسلفنا في أحسن حاله، ولكنه يبقى الحالة الوجدانية الأعلى في كافة الفنون لأنه بوح الروح، ومادة التوازن في عالم مضطرب دائماً، وهو الأقرب إلى التناول ربما ببيت شعر من الحكمة تحل مشكلة، بومضة شعرية تخلق توازناً ذاتيا في خضم الحياة ولو للحظات، الشعر موجود وان تعثرت أحيانه طرقه وشعابه.

    * أثر العولمة على الشعر؟

    ** بما أن الشاعر ماركة إنسانية أولاً، فإن العولمة بالشعر سبقت كثيراً العولمة بمفهومها الحالي، فالشاعر التشيلي يدرك جمال القمم كما يدركه الفرنسي، ونحن نستمتع ببحيرة لامارتين الفرنسي، كما نهتم بمشاعر الشعراء السوفييت سابقاً في شعرهم الواقعي، وقديماً تأثر شعراء التروبادور الفرنسيون بالشعر الأندلسي ودانتي في الكوميديا الإلهية اقتبس من رسالة الغفران للمعري والآن ندرس في جامعاتنا مادة الأدب المقارن أي البحث في أوجه التشابه والاختلاف بين الشعوب عن طريق الشعر، إذن الشعر أسرع منتج يجتاز الحدود دون إذن من أحد لأنه خاص بالروح الإنسانية وشفافيتها.