يقول القاص "أسامة الحويج العمر" عندما التقيناه (4/6/2008) إن القصة القصيرة تعيش حدثاً واقعياً وإبداعاً فنياً لكثير من الوقائع الإنسانية، ولم تكن إلا أحد أهم العوامل الاجتماعية التي يمكن من خلالها أن تطرح علاج الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والوطنية والقومية، ولتكون السياج المنيع لحماية اللغة ومفرداتها، حيث يتكئ القاص على الأفكار الإبداعية الخيالية التي تحيط به ويتأثر بها وبالأحداث، لتطرح في الساحة الثقافية ضمن مجموعة الأعمال الإبداعية الراقية.

المجموعة القصصية بعنوان /اعترافات/ للأديب "باسم عبدو"، التي يمكن أن نطلق عليها اصطلاحاً (اعترافات باسم عبدو) وقد جاءت متأخرة أو متقدمة ضمن نصه الأدبي ليجعل من اعترافاته لحظة تأمل ذاتي ثم ينقلها للقارئ بميزان الوجود عبر ذاته المندمجة مع الذات الأحدية الأزلية.

المجموعة تقع بمئة وست صفحات من القطع الوسط وتضم خمسَ عشرةَ قصة قصيرة ابتداءً بـ /اعترافات عائشة/ ليصل إلى / يخرج القلب من دمي/.

الأديب باسم عبدو

إن الشاعرية واضحة في بداية بعض قصصه وهي معجونة بالسرد الحكاية ومندمجة خطوة خطوة مع البناء الفني لها إذ يعالج أحداث ووقائع ومشاهدات بحبكة فنية وبترابط لغوي، وهو يعطي لنفسه الحق في إيجاد السبل والمنافذ لإظهار روح التمرد على المألوف بجعل الآخر أول والأول آخر كما فعل في /اعترافات عائشة/ كأن يقول في البداية:

/انتظرتُ بزوغ الشمس بفارغ الصبر، ولم أعطِ فرحتي للقمر. سرقتُ همسات الفجر من أول ضوء. تباطأت خطواتُه نحوي، لكنه فقد الأمل، وهجم علي/.

الأديب وهيب سراي الدين مع المراسل

بعد المقدمة يعالج نصه بالسرد الوجداني ويتناول الحياة والحدث من زاوياه الخاصة به، ويجعل من نسيجه اللغوي الشامل الحوار والسرد في خدمة الحدث ليخلق ضمن حواره شخصية مستقلة يمكن التعرف عليها، وبالتالي يمكن أن تتعرف على الشخصية من خلال تصرفاتها لا من خلال الكاتب وأفكاره.

ذكر الأديب "وليد أبو فخر" أن مجموعة " اعترافات" تتميز بأنها تميل نحو الفن القولي الدرامي أي إنها تقوم على أساس أحداث كأنها وقعت أو يمكن أن تقع، لكن يستبعد منها الشعر الغنائي لأنها قائمة على الحدث والسرد والحوار لا على الحدث الدرامي المستخدم فيه الشعر والنثر أحياناً، إلا أنه يحقق شرطاً مهماً في عالم القصة القصيرة ألا وهو الوحدة الشعورية لذا فهو لا يعدد الشخصيات كثيراً ويعيش في عالم الفنتازيا أيضاً بتجاوز حدود الزمان والمكان.

الأديب وليد ابو فخر

يؤكد في بعض قصصه على الحوار الإبداعي ويتخذ ذاك الحوار في العنوان كأن يخلق جدلاً نفسياً ذاتياً كعنوان قصته /الذاكرة المفقودة/ وهذا الحوار هو صورة ويعكس تصرفه الشاعري في بنية النص كأن يبدأ نصه بالقول: /المرأة ذاتها تُخبئ وجهها بين راحتيها. تدور نصف دورة في مكانها. تتقلَّب صورتها بين طيّات ضباب الذاكرة/.

ثم يعيش تأمل في لحظة ذاتية عندما يستوقف نفسه لينطلق من جديد بقوله:

/ توقفت في مكاني... تلعثمت الأسئلة. بعثرت الحيرة أوراقها وحرائقها ودخانها.../.

يبدأ بعد الصحوة الإنسانية بالانتقال من المجهول الشاعري والإيقاع الثابت الأوزان إلى المعلوم الخيالي الكامن في الذاكرة المفقودة وبنفس الوتيرة والإيقاع، لعمري أنها قدرة فنية عندما يبدأ نصه: / يا إلهي!!...أين ذاكرة الشباب؟ أين ذاكرتي؟ لا أعرف أين هاجرت ومن يعبث بها!.../...

ويؤكد السيد "سعيد جابر" الأديب "عبدو" يجيد توليد المولد من بناء الأفكار بين الجملة الفنية وتراكيبها، ويستطيع التنقل بين الإيقاع الصاخب والطربي وبالعكس بانسيابية سردية مرنة وتموج ملحوظ كالجملة الموسيقية ذات الترجيع الطربي، لكنه يقع في مطب الاستهلال كأن يجعل المقدمة شاعرية استهلالاً لكنه يعيش في مقام وحيد ويبدأ نصه بلحظة مفاجئة بعيداً عن إيقاع الاستهلال، وهذا ما يشعر القارئ بالفراغ الزمني التطريبي في الواقع السردي.

في قصته "كاترو" يعيد تجربته الأولى في "اعترافات عائشة" بطريقة مختلفة بجسم النص دون تقديم بل يقسم نصه إلى مشاهدات وصور أي يطغى عليه الدراما القصصية، وهو يتجاوز النص التقليدي من تداخل العناوين بتقديمها أو تأخيرها مخالفاً المبدأ الرياضي /1-2-3 الخ/.

أما في قصته /ذكريات تتكرر كل يوم/ فقد تميز باستخدامه مقاماً يحمل الشجن ويعيش الوطنية في نفحة ذاتية تعبق بحب عروبي يضم في ضلوعه الأرض العربية التي تتألم يومياً وجرحها الملتهب في شعور كل عربي يؤمن بعروبته وقوميته العربية، وبالتالي فهو يتحدث عن جروح فلسطين، والصمت العام، وما سببته اصطناع أحداث /11أيلول/ بأيادٍ صهيونية المعروفة لدى الأميركان أنفسهم، ليدفع الوحشية العنصرية للعدو الصهيوني بهرق دماء أهل جنين والعراق وأفغانستان وغيرهم، ويبقى الحلم حلماً عند الأديب "عبدو" وأمثاله من الكتاب القوميين الذين يحلمون بوطن واحد وأرض واحدة محررة من أيدي الأعداء، مؤكداً رغم كل الصعوبات والآلام على الصمود في وجه الجلادين والمردة اليهود....

وعلى رغم الشجن الذي صاحبه في قصته /ذكريات تتكرر كل يوم/ تميز بأسلوبه في التأليف وفق قالب القصة القصيرة بالإيقاع الهادئ أحياناً والصاخب السريع أحياناً أخرى، مضمناً البنية القصصية النسيج اللغوي والصور الشاعرية في الحوار كأن يقول على سبيل المثال:

/فرح عميق يتوهج من عينيه ... يتركنا نغني وننُشد . يخرج وهو يرمي إلينا ابتساماته كالورود/..ص72

أو عندما يقول: /تقرأ أشياء لم أكن أفهمها . كأنها تتكلم بلغة غير لغتنا... صلاة غريبة، ودموع غير الدموع التي كنت أمسحها عن خديها... دموع مدرارة صادقة نقية تنور وجهها القمري/...ص 75

أخيراً يمكن القول إن المجموعة القصصية /اعترفات/ للأديب "باسم عبدو" هي واحدة من المجموعات القصصية التي يمكن أن تقرأ ونترك للقارئ الحكم.