أكثر من 38 مأثرة، وما يزيد على 140 طرفة في "جبل العرب" جرى توثيقها ضمن عمل تدويني معاصر هدفه إحياء التراث اللا مادي للمنطقة والمحافظة عليه لما له من قيمة ومكانة كبيرتين لدى سكان المنطقة.

تراث بهذه القيمة الثقافية الناجمة عن فعل إنساني وقيمي قلّما تصدى باحثون لجمعه وتحقيقه نظراً لافتقار الباحثين والدارسين لمنظومته الاجتماعية والتراثية التاريخية، وكما يوضح الباحث التراثي "محمد جابر" صاحب عمل "مآثر وطرائف من جبل العرب" في حديثه لموقع مدوّنة وطن "eSyria" فإن: «للمآثر رؤية إبداعية في تكوينها ومكوناتها نقرأ عنها الكثير في المجتمعات المتنوعة والمختلفة في طبيعتها وفق المكان المنتمي إليه المتلقي وحينما نقرأ مأثرة تخص المكان الذي ننتمي إليه نشعر بالقيمة التدوينية لها خاصة لما تحمله من جهد ومصداقية واستذكار للوقائع التاريخية التي طوتها ذاكرة النسيان نتيجة للعولمة وزخارف الحياة وتقنيات الأدوات اليومية المستخدمة في حياتنا، وأرى أنّ الاهتمام بالطرائف التي شأنها شأن المآثر في التوثيق المعبر عن الوعي والذكاء الفطري والعبرة في تكوين اللحظة وإضفاء السعادة والفرح في اللحظة الزمنية الواقعة أو الحدث، فإننا نشعر بأهمية العمل وجمال المنجز التاريخي، ولا أراني أدعو إلى تقديس الماضي لكني أرفض إهمال الموروث الشعري والنثري ودفنه والانصراف عنه، وأتمنى أن نقرأه وننميه بطريقة تجديدية، ونطوره بما يناسب حياتنا المعاصرة منطلقين نحو المستقبل بأساليب وطرائق حديثة لكي نحفظ استمرارية الصلة بين الطارف والتليد ونؤلف بين حاضرنا وماضينا"، وقريتي "أم الرمان" المعروفة أنها قرية الإبداع والفطنة والشعر والأدب والرمزية الدلالية في مضمر، لذلك آثرت التوثيق من مآثرها لما لها من عبر وجمال وقيمة يقيناً بما قاله "ماركيز": "إن العالمية تبدأ من حارتي"، لذلك وضعت لكل مأثرة عنواناً يناسب فحواها على ما رأيت، وأوردت بعضاً مما أوردت باللهجة العامية التي قيلت بها المأثرة أو الطرفة بدقة وأمانة، لأن تحويلها للفصحى ربما يذهب بمتعتها ورونقها، وشرحت بعض المفردات ليسهل فهمها"».

ما أنجزه الباحث "محمد جابر" حول المآثر والطرائف في "جبل العرب" يعدُّ عملاً جديداً من نوعه إذ تفتقر ساحتنا الثقافية والمكتبة التراثية إلى مثل هذه الدراسات والبحوث من النقاد والدارسين، ما يمنح التراث قيمة مضافة لمنجزه الثقافي، إضافة لتميزه باللغة المبسطة والقريبة إلى القلب والحاملة للإمتاع والمؤانسة في دلالاتها ومعانيها، وهي السهل الممتنع الجميل، والقيمة المعرفية أن يدعم كل مأثرة من المآثر ببيت شعر من التراث العربي يتلاءم مع ما دوّن، رابطاً بين معاني ودلالات المآثر وبين رمزية الشعر وواقعيته وهو دليل على ثقافة الباحث الأدبية

وتابع "جابر" بالقول: «أما الطرائف التي دونت بها أكثر من 140 طرفة راسماً بها ابتسامة الأمل والإعجاب -في ظل ما نعيشه من ظلم الحياة المعيشية والمآسي- باستذكار تلك الطرف البديعة والنابعة عن ذكاء خارق في معالجتها، وبالعودة للمعاجم وجدت أن الطرف جمع طرفة وهي كل شيء استحدثته فأعجبك وهو الطريف أي ما كان جديداً لافتاً مستحسناً لذا اعتمدت ذلك في عملي لأنهم يستثقلون لفظ الطرف، فالطرفة قد تثير في الناس ما تثير وتنتشر بسرعة، وتدل على الفطنة والذكاء وسرعة البديهة وخصب الخيال ومرونة العقل وانفتاحه، وقد تكون ناقدة وهادفة اجتماعياً أو سياسياً أو أخلاقياً أو غير ذلك، وقد تأتي لاذعة أحياناً وربما تحمل بعض سمات الفرد أو المجتمع، فهي تعبير عما في النفس بسخرية ومرح بواسطة التلميح والمواربة الكلامية والتورية والكناية، يظهر ذلك في البراعة في استخدام اللغة بمفرداتها المناسبة ومعانيها القريبة والبعيدة"، والطرائف عند العامة هي النكات المضحكة والملح التي تعبر عن طيب المعشر، فهي تدل على أن العلاقة بين أفراد المجتمع علاقة تفاعل واتصال لا علاقة جمود وانفصال، وأن الناس مقبلين على الحياة يلونونها بالابتسام والتفكه بحركة حيوية من خلال التفاعل العقلي الذي يضفي عليها صوراً جمالية جديدة تبعث الانشراح، كما أنها تدل على لين الطباع والتسامح وسعة الصدر وقبول الآخرين ورحابة الأفق وسهولة المراس"».

الباحث محمد جابر

الأديبة "ربيعة غانم" عضو اتحاد الكتاب العرب ومسؤولة التراث الشعبي في "ثقافة السويداء" أكدت في حديثها لمدوّنة وطن أنّ «عمل "مآثر وطرائف من جبل العرب" يعدُّ واحداً من الأعمال المهمة في توثيق التراث المحلي اللا مادي والذي نشعر بأهميته في حياتنا اليومية، ونستشعر من خلاله أهمية العقل والوعي الجمعي المكون في زمن سادت فيه الأمية وقلّ العلم، ولكنه تميز بالذكاء والفطنة والمحبة والارتقاء بمحبة المجتمع بأخلاقه وقيمه لا كما يحدث اليوم مع انتشار المعارف والعلوم وسهولة المعلومة وتوفيرها والصورة الخاطفة على اختلاف مشاربها وألوانها الخالية من العلاقة التفاعلية والارتباط بالانتماء المكاني والزماني، ولهذا أرى أنه عمل على رسم ابتسامة في ظل ما يحدق بالمجتمع من ضعف في تكوين العلاقة الوجدانية، ولعمري أنها مأثرة جديدة تحسب للباحث، كذلك التصدي لتدوين وتوثيق العديد من المآثر والطرائف في هذا الوقت الممزوج بالمتناقضات والمعبد بالاختلافات يحتاج إلى جهد كبير في تحديد المصداقية من جهة والاعتماد على المصدر من جهة ثانية، وانتزاع الاعتراف بأهمية المآثر والطرائف في جبل العرب كتراث بات من منسيات الحاضر في زحمة العاملين والمشتغلين بالتراث دون منهجية ولا ارتباط بالعلم والمعرفة والتوصل إلى نتائج تحقق الفائدة والعبرة منها، الحرص على نشر ثقافة القيم والتسامح والمحبة والإيثار في إنسانية الإنسان في حين انعدام الثقة والإنسانية جراء إرهاب الإنسان لأخيه الإنسان واختفاء البهجة والابتسامة من حياتنا اليومية».

أما "سلمان البدعيش" رئيس جمعية أصدقاء الموسيقا في السويداء فقال عن العمل: «ما أنجزه الباحث "محمد جابر" حول المآثر والطرائف في "جبل العرب" يعدُّ عملاً جديداً من نوعه إذ تفتقر ساحتنا الثقافية والمكتبة التراثية إلى مثل هذه الدراسات والبحوث من النقاد والدارسين، ما يمنح التراث قيمة مضافة لمنجزه الثقافي، إضافة لتميزه باللغة المبسطة والقريبة إلى القلب والحاملة للإمتاع والمؤانسة في دلالاتها ومعانيها، وهي السهل الممتنع الجميل، والقيمة المعرفية أن يدعم كل مأثرة من المآثر ببيت شعر من التراث العربي يتلاءم مع ما دوّن، رابطاً بين معاني ودلالات المآثر وبين رمزية الشعر وواقعيته وهو دليل على ثقافة الباحث الأدبية».

الأديبة ربيعة غانم

الجدير بالذكر أنّ الباحث "محمد جابر" من مواليد "السويداء" قرية "أم الرمان" عام 1954.

الأستاذ سلمان البدعيش