دراسة سماكات النسج الرخوة للوجه طريقة مبتكرة كانت محور شهادة الدكتوراه الأولى في طب الأسنان الشرعي التي نالها مع مرتبة الشرف من جامعة "دمشق" الباحث الدكتور "ماجد غازي أبو فخر" محققاً نتائج عالية المصداقية في الاستعراف والتعرف على هوية مجهولي الهوية من الأموات.

يرى الباحث "أبو فخر" أن الوصول إلى طريقة مبتكرة جديدة في التعرف على الوجوه بدقة تتجاوز 75% سيزيد من فرصة التعرّف على هويّة الرفات المجهولة، وخاصةً في بلاد لا تحوي أرشيفاً طبياً للمقارنة بين قبل وبعد الوفاة كما في بلادنا، فمعظم البلاد المتقدمة تحوي أرشيفاً طبياً تسهل فيه مقارنة بصمات الأصابع والسجلات السنية وحتى بصمة الحمض النووي DNA، أما في بلادنا فهي إن وجدت فستكون محدودة جداً، لذلك فالبحث في إمكانياتنا المتاحة هو الحل الوحيد أمامنا.

اخترت هذا التخصص (طب الأسنان الجنائي) قبل تخرجي من كلية طبّ الاأسنان منذ أكثر من ثماني سنين، وعزمت على دراسته رغم معرفتي بعدم وجود برنامج لدراسته في أي من الجامعات السورية، قررت حينها الدخول في أقرب برنامج للدراسات العليا يتقاطع علمياً معه، ثم الولوج إلى دراسته بشكل أكاديمي، فلم أجد أفضل من برنامج الدراسة في قسم طب الفم، لأن هذا القسم معنيٌّ بدراسة الأمراض الفموية وأمراض الأسنان والصحة العامة والطب الوقائي والشيخوخي وعلم الأشعة والطب الشرعي أيضاً، وهو بالتالي أوسع أقسام طب الأسنان على الإطلاق في مجالي الطب والبحث العلمي

ما سبق كان إحدى غايات بحث "أبو فخر" في تخصص فريد كما تحدث لمدوّنة وطن "eSyria"، يقول الدكتور "ماجد غازي أبو فخر": «اخترت هذا التخصص (طب الأسنان الجنائي) قبل تخرجي من كلية طبّ الاأسنان منذ أكثر من ثماني سنين، وعزمت على دراسته رغم معرفتي بعدم وجود برنامج لدراسته في أي من الجامعات السورية، قررت حينها الدخول في أقرب برنامج للدراسات العليا يتقاطع علمياً معه، ثم الولوج إلى دراسته بشكل أكاديمي، فلم أجد أفضل من برنامج الدراسة في قسم طب الفم، لأن هذا القسم معنيٌّ بدراسة الأمراض الفموية وأمراض الأسنان والصحة العامة والطب الوقائي والشيخوخي وعلم الأشعة والطب الشرعي أيضاً، وهو بالتالي أوسع أقسام طب الأسنان على الإطلاق في مجالي الطب والبحث العلمي».

الدكتور ماجد أبو فخر أثناء مناقشة رسالة الدكتوراه

وفق الباحث لم يكن هذا التخصص مرغوباً من خريجي طب الأسنان لأنه مجال لا يجلب الربح المادي الكبير مقارنة بأقسام الجراحة والزرع والتقويم والتجميل، عدا عن أن إتقانه يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين في الدراسة والبحث، وفي النهاية اختار هذا التخصص بدافع الحماس الكبير في البحث والاكتشاف لكل ما هو جديد ولقناعة (شخصية) متماشية مع ما سبق بأن التخصص في الأقسام الأخرى هو تضييق أكثر لمجال المعرفة عند طبيب الأسنان الذي لم يلبث أنْ تخصصَ في جزء صغير من أجزاء الجسم البشري.

ويضيف: «مع بداية دراستي لهذا التخصص تلقيت الكثير من المساعدة من الأستاذ الدكتور "حسين نوفل" مدير عام الهيئة العامة للطب الشرعي حينها، وأطباء الأسنان الشرعيين والأطباء الشرعيين في مركز الاستعراف بـ"دمشق" ومن عدد من الخبراء الأجانب في اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذين زوّدوني بعدد ضخم من المراجع العلمية الحديثة في مجالات الطب الشرعي، خففت عني لوجستياً صعوبات البحث التي يعانيها الباحثون في بلدنا، ومن خلال عدد من ورشات العمل مع الصليب الأحمر وبعد خبرة عملية في عمليات الاستعراف عن ضحايا المقابر الجماعية الناتجة عن الصراع المسلّح، ودراسة المقابر الجماعية الأثرية (المدافن البيزنطية) التي تم الكشف عليها بالتعاون مع قسم الآثار في جامعة "دمشق"، استطعت تلمّس مجال البحث الدقيق الذي سيفيد مجتمعنا السوري في محنته الحالية، ويساهم في حل ألغاز الرفات البشرية مجهولة الهوية وقضايا المفقودين».

مع لجنة التحكيم

تطرّق بحثه في رسالة الماجستير إلى كيفية معرفة الذكر من الأنثى من خلال مجموعة علامات على الهيكل العظمي فقط، وبشكل أدق: قياس حجوم مجموعة من الأسنان وقياسات أبعاد وزوايا على الفك السفلي، وكانت النتيجة تحديد معايير استعراف عن الجنس للمجتمع السوري، ووضع معادلات لذلك وصلت دقتها إلى أكثر من 82% وهي نسبة ممتازة في هذا المجال عالمياً.

وفي مرحلة التحضير لشهادة الدكتوراه نشر 9 مقالات علمية في مجالات طب الأسنان في العديد من المجلات الدولية المحكّمة والرصينة في "ألمانيا"، "بولندا"، "اليابان"، "الهند"، "أمريكا"، و"تركيا"، ما عزز فرصة منحه درجة الشرف لأطروحة الدكتوراه.

الدكتور حسين نوفل الرئيس الفخري للطب الشرعي في سورية

وعن بحثه للدكتوراه يضيف: «البحث عبارة عن محاولة معرفة الشخص المفقود من خلال مقارنة صورته الشخصية مع الجمجمة والفك السفلي، واحتاجت الدراسة إلى طباعة جمجمة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ثم إعادة بنائها بالمعجون، والقيام بالعديد من الخرائط الترسيمية للعديد من الجماجم والعديد أيضاً من الوجوه البشرية لمتطوعين شاركوا في الدراسة.

استغرق العمل في الدراسة ثلاث سنوات استعنت حينها بمئات الصور الشعاعية ثلاثية الأبعاد من أرشيف مشفيي "الأسد الجامعي" و"المواساة" والكثير من المراجع العلمية التي زوّدني بها زملائي في "الشبكة العالمية لطب الأسنان الشرعي INFOdodnt" وفي "الجمعية الأمريكية لطب الأسنان الشرعي ASFO "، لأصل ختاماً إلى طريقة مبتكرة جديدة في التعرف على الوجوه، دقتها تتجاوز 75% مع العلم أننا لا نملك في بلادنا أرشيفا طبياً للمقارنة قبل وبعد».

أخيراً يأمل الباحث المتابعة في دراسة عينات ومحاولة استقصاء النتائج في قادم الأيام لأن الطريقة المبتكرة في بحث الدكتوراه هي طريقة واعدة وتحتاج كما كل الابتكارات إلى الاهتمام والتطوير والتحقق من موثوقيتها بشكل أكبر، لذلك تستوجب دراسة عينات أكبر ومحاولة استقصاء نتائجها بشكل مباشر أكثر.

الدكتور "حسين نوفل" الرئيس الفخري للطب الشرعي في "سورية" يرى في هذا الذي هو البحث الأول في مجال الأنثروبولوجيا الشرعية وطب الأسنان في الجامعات السورية، أنه قد يساهم في حل أزمة المفقودين والرفات مجهولة الهوية في بلدنا.

ويضيف: «البحث توّج بدرجة الشرف، ومضمونه دراسة سماكات النسج الرخوة للوجه عند عينة من المجتمع السوري واستخدامها في توقع شكل الوجه المساعد في عملية الاستعراف، نتج عنه طريقة جديدة ومبتكرة في التعرف على الرفات البشرية العظمية مجهولة الهوية، سميت "الخريطة الترسيمية" وهي شهادة الدكتوراه الأولى في طب الأسنان الشرعي في الجامعات السورية، فقد كانت بمستوى عالٍ جداً من المنهجية العالمية والإنجاز العلمي من حيث المنهجية والطرق والعمل البحثي، وبمستوى راقٍ حققت نتائج رائعة ومفيدة للتعرف على هوية مجهولي الهوية بطرق علمية مجددة ذات مصداقية حصلت على مرتبة الشرف قدرها 96%.

التجربة قابلة للتطبيق وهذه قضية إنسانية لها أثر بالغ في هذه المرحلة والأمل كبير في تخفيف معاناة شريحة كبيرة من الأهالي بفضل جهد الباحث الذي استمر ثلاث سنوات».

"ماجد أبو فخر" من مواليد "السويداء" عام 1990 تخرج طبيباً للأسنان من جامعة "دمشق" عام 2013 ونال الماجستير عام 2017 والدكتوراه هذا العام، شارك بالترجمة لمرجع أجنبي بعنوان "أساسيات عمل الأنثروبولوجيا" بالمشاركة مع الدكتور "عامر السراقبي" عام 2016، وألّف كتابين صدرا عن دار "ظمأ" في العام الأول ذاته "قصة التطور" والثاني "سيرة الحياة والإنسان" وكتاب أُنجز عام 2017 ولم ينشر بعد بعنوان "أسلاف الدروز" "دراسة جيوغرافية في الأصول العرقيّة غير العربية للدروز" وهو حائز على جائزة "فخري البارودي" للمؤرخين الشباب عن بحث "في فتنة دمشق 1860، مشارك في عدة مؤتمرات وورشات عمل بصفة محاضر.