تعد الأستاذة الجامعية "ريما مسعود" أول سورية إن لم تكن أول عربية تتحضر للحصول على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة "دمشق" وهي مكفوفة، وعلى الرغم من صعوبة مهمتها فإن الإرهاب ضرب بيتها ودمره مع مكتبتها التي تضم مئات المراجع والكتب النادرة والدراسات. مدونة وطن "eSyria" التقت الأستاذة "ريما مسعود" يوم الجمعة الواقع في 5 كانون الأول 2014، فتحدثت عن عنوان رسالتها، وقصة البيت بالقول: «البحث الذي أتناوله كبير جداً وعنوانه: (صورة الكون والحياة لدى شعراء العصر العباسي الأول)، وبحسب الأساتذة المشرفين على البحث فإن كل فصل فيه يمكن أن يكون رسالة بحد ذاته، وهو بحث جميل جداً ويأخذ بعداً ثقافياً رائعاً، ولكنه يحتاج للهدوء والاستقرار الذي لم أنله هذه السنة بسبب المجموعات الإرهابية التي دمرت بيتي في قرية "دير العصافير" وحرقت مكتبتي الكبيرة التي تضم مئات المراجع والأبحاث والكتب، ومنها كتب نادرة عكفت مع شقيقي "شادي مسعود" مدرس اللغة العربية في "دمشق"؛ والمكفوف أيضاً الذي يتحضر لرسالة الماجستير على تجميعها وشراء كتبها طوال سنوات من العمل المضي في التدريس، وبمساعدة من أهلي، ولكن كل ذلك لم يمنعني من الاستمرار، وإذا سارت الأمور كما يجب فالرسالة ستكون جاهزة خلال سنة ونصف السنة من الآن».

"ريما" المولودة في مدينة "السويداء" عام 1973 فقدت بصرها بالكامل بعد خمس سنوات على ولادتها، وبقيت أربع سنوات حتى التحقت بمعهد المكفوفين في "دمشق"، حيث بقيت فيه سنتين تقدمت خلاله إلى الصف الرابع، وعادت إلى حضن أهلها بسبب الخوف والرهبة، تقول عن قصة تحولها من أمية إلى حاملة للشهادة الثانوية بتفوق: «بقيت لست سنوات حبيسة البيت بسبب الرهبة من الخارج، وعدم الثقة في قدرتي على الصمود داخل المعهد، وشاءت المصادفة أن تقدمت لشهادة محو الأمية في مدينة "السويداء" وحصلت على المركز الأول، وكان أن فقد شقيقي "شادي" نعمة النظر بنفس العام حيث ترافقنا إلى "دمشق" من جديد لتبدأ رحلتنا معاً، فدخلت الصف السابع، وكنت مصممة على دراسة الشهادة الإعدادية بنفس الوقت لإحساسي بأن الزمن يسبقني، وبعد تقديمي لامتحان الصف السابع بأسبوع واحد، دخلت امتحانات الشهادة الإعدادية وسط خوف الأهل والأساتذة من الفشل الذريع الذي ينعكس سلباً على حياتي وحياة شقيقي الذي أصبح، ولكن المفاجأة التي حدثت أني حصلت على 252 علامة، من أصل 290 وبعد سنتين تقدمت بشكل نظامي إلى امتحان الشهادة الثانوية في الفرع الأدبي لكن في مدارس "السويداء" وحصلت على 205 علامات، وكنت من العشرة الأوائل على مستوى "سورية"».

بعد مناقشة رسالة الماجستير، والإعجاب الكبير من قبل المناقشين في جامعة "دمشق" بما قدمته "ريما"، أخبرت من سألني عنها أنه لو تمنح درجة الامتياز مع مرتبة الشرف في جامعة "دمشق" لمنحت للطالبة "ريما مسعود"، والآن هي تدخل مرحلة جديدة من البحث للتحضير لرسالة الدكتوراه الكثيفة، ولكن ثقتي بها كبيرة جداً في إنهاء ما بدأته

أما عن رحلتها مع جامعة "دمشق" فلها قصة طويلة تسرد ريما" تفاصيلها بالقول: «بعد أن التحقت بكلية التربية اكتشفت أنني غير قادرة على الاستمرار منذ المحاضرة الأولى بسبب عدم قدرتي على التعبيرات الفيزيولوجية، وفضلت أن ألتحق بكلية اللغة العربية وحصلت على المركز الأول في الجامعة بمعدل وصل إلى 77.62 علامة على الرغم من عدم وجود شيء يتعلق بالمكفوفين، ولم تكن طريقة "بريل" سهلة بسبب كثافة المحاضرات والكتب، وعدم وجود أشخاص يرافقونني دائماً بسبب حياتهم الخاصة أيضاً، بعد ذلك نلت دبلوم الدراسات العليا الأدبية سنة 1999-2000، ولأسباب مالية بحتة انقطعت عن الدراسة ثلاث سنوات.

أثناء القراءة

وكنت أن بدأت التحضير للماجستير، وهي مرحلة مختلفة كلياً عن الجامعة والصعوبات أكثر، وقد اخترت عنوان البحث: (الحيوان في شعر البحتري)؛ الذي وصل إلى 500 صفحة من القطع الكبير، وقد استعنت بأكثر من 350 مرجعاً ومصدراً وسط الحاجة الدائمة إلى قارئة مرافقة بدوام طويل وأجرة تقدر بحوالي ثمانية آلاف ليرة سورية، وقد تكفلت جمعية "بنا" بأجر المرافقة منذ العام 2006 لغاية آخر العام 2007، نلت رسالة الماجستير بتفوق، وبدأت رحلة المتاعب مع الدكتوراه، وتابعت رصد العناوين الكبيرة غير عابئة بكل الصعوبات التي تمثلت في الحصول على المعلومات، وقلة الأشخاص الذين يعملون معي، وغياب كل الدعم المادي بعد الوعود الكثيرة التي تلقيتها من أكثر من جهة غير حكومية (باعتباري على حد علم هذه الجهات حالة فريدة)، واخترت صورة الكون والحياة عند شعراء العصر العباسي بكل تشعبات هذا العنوان الكبير وبإشراف الدكتور "خالد الحلبوني"؛ الذي أعدّه قدوتي وداعمي الدائم، وهو الذي أيدني في العنوان الذي اخترته على الرغم من صعوبته وسعة آفاقه».

تدرس "ريما" اللغة العربية لغير المختصين وسط ذهول كل من عرفها من طلاب وأساتذة، وكان الخوف يتمثل في عدم قدرتها على ضبط قاعة يتواجد فيها 400 شخص، غير أنها استطاعت بالصبر والأسلوب السلس أن تكسب احترام الطلاب ورئاسة الجامعة على حد سواء، وقد وجهت الدعوة لوزير التعليم العالي لحضور إحدى محاضراتها وتقييم أدائها.

مع والدتها وأخيها شادي.

يقول الدكتور "خالد الحلبوني" المشرف على رسالتها: «بعد مناقشة رسالة الماجستير، والإعجاب الكبير من قبل المناقشين في جامعة "دمشق" بما قدمته "ريما"، أخبرت من سألني عنها أنه لو تمنح درجة الامتياز مع مرتبة الشرف في جامعة "دمشق" لمنحت للطالبة "ريما مسعود"، والآن هي تدخل مرحلة جديدة من البحث للتحضير لرسالة الدكتوراه الكثيفة، ولكن ثقتي بها كبيرة جداً في إنهاء ما بدأته».

الدكتور "نبيل طعمة" ناشر كتاب الأستاذة "ريما" وصاحب مجلة "باحثون" المتخصصة قال عنها: «إن "ريما إبراهيم مسعود" باحثة متبصرة، اشتغلت هي ومكونات ألفتها، وفتحت مغاليقها، وجمعت معارفها التخصصية بعين العقل، فسارت إليها واجتهدت فيها، ودأبت في إنجاز مضاف علمي يفيد المتطلعين إلى البحث أولاً، وامتلاك المعارف ونثرها بين جمهرة الإنسان ثانياً. وبرأيي إن رسالة الماجستير مرجع مهم وعميق، سيغني فكر عقولنا لا رفوف مكتباتنا فحسب لكونه يستحق أن يقتنى، وأن يكون متكأ ثرّاً وغنياً للاستفادة منه بين الفينة والأخرى».