تفوق "علاء بو زين الدين" في كليتين مختلفتين في ذات الوقت، إلى جانب عمله في المخبز الآلي لكسب قوته اليومي، يملك شخصية مركبة، ومثال عن الجيل القادر على المستحيل.

مدونة وطن "eSyria" التقت الطالب "علاء بو زين الدين" في منزله في مدينة "شهبا" بتاريخ 1 تشرين الثاني 2014، فتحدث عن طفولته في المدينة قبل أن يلج مدرجات جامعة "دمشق"، ويقول: «نشأت في بيت متوسط الحال في العام 1992، فكان العلم السلاح الذي حاربت فيه لتحقيق الطموح، تعلمت في مدارس المدينة، ونلت الشهادة الثانوية في مدرسة الشهيد "إبراهيم زين الدين" بمجموع لم يخولني دخول كلية الحقوق في جامعة "دمشق" في التعليم العام، فدخلتها من باب التعليم المفتوح، وتفوقت فيها، وبعد مدة قصيرة تقدمت لنيل الشهادة مرة أخرى ونلتها بمجموع عال يخولني دخول الفرع الذي أريد فاخترت قسم الفلسفة، وفي هذه الأثناء كنت أحرص على المطالعة في كل الفنون المتوفرة التي أستطيع الحصول عليها، وخاصة المطالعة في المركز الثقافي العربي القريب من بيتي، وبدأت أكتب القصة القصيرة في سن مبكرة».

أعمل في المخبز لما يتطلبه الواقع الحالي الذي نعيشه من مصاريف باهظة، فنظمت وقتي بين العمل والدراسة، واكتشفت طاقات كامنة في نفسي، ولا أدعي عدم التعب والإرهاق، إلا أنني مصمم على المتابعة وتحقيق أحلامي مهما بلغ التعب

وعن السر الذي دفعه لاختيار قسم الفلسفة يقول: «كنت في الصف العاشر حريصاً على السؤال الدائم والنقاش مع الأساتذة، وخاصة مدرّس الفلسفة المتميز في المنطقة وهو الأستاذ "ميسر أبو شديد" الذي علمني كيفية البحث في الفلسفة، والتعمق في فنونها وبحرها الواسع، وكنت متيقناً أنني خلقت لأسأل، وهو ما جعلني أختار هذا القسم عن قناعة كاملة، فسجلت في جامعة "دمشق" كلية الآداب والعلوم الإنسانية الثانية في بلدة "عريقة"، وتابعت دراسة الحقوق بكل شغف، فالضغط يولد المعجزات عندما يترافق مع الإرادة».

أثبت "علاء" قدرة كبيرة ومتميزة منذ سنته الأولى في الجامعة، واستطاع أن يكون الأول على دفعته بمجموع عال، وكان بحسب زملائه مدرساً مساعداً وليس طالباً في قسم يحتاج للكثير من الدراسة والبحث، وعن هذا الأمر يقول: «الفلسفة عالم قائم بحد ذاته، واسع وخيالي وممتع، ولكنه يحتاج إلى البحث والمعرفة والمطالعة الدائمة والمحاكمة، ولذلك تغلبت على كل الصعوبات التي واجهتني في البداية من خلال القراءة والمطالعة في المركز الثقافي العربي في مدينة "شهبا" الذي يحتوي على الكثير من المراجع الفلسفية، وهو ما انعكس تلقائياً على شخصيتي في الجامعة، وبات الدكاترة يعلمون جيداً أنني أتعب على نفسي، ويولونني الاهتمام في السؤال والإجابة، ويعتمدون علي أحياناً في بعض المحاضرات، وتوقعوا لي أن أكون أصغر دكتور فلسفة في القطر إذا تابعت هذا الطريق كما يجب، فكانت نتائجي في السنة الأولى جيدة جداً، وحصلت على مجموع بلغ 78.3 درجة مئوية، وفي السنة الثانية بلغ مجموعي 76 درجة مئوية».

وفيما يتعلق برغبته إكمال ما بدأه في كلية الحقوق، يؤكد: «إكمالي لفرع الحقوق ليس مرده المتابعة في هذا المجال، فقد حددت طريقي في ولوج عالم الفلسفة، وهو ما خيب آمال الكثيرين من أهلي وأصدقائي الذين يعتقدون أن الفلسفة نهايتها معروفة؛ مدرّس في نهاية الأمر، لكن الحقوق لها مجالات أوسع في الدولة أو القطاع الخاص، لكن أعتقد أن حبي للحقوق على الرغم من كل التعب الذي يصيبني لكوني أتعلم في فرعين مختلفين مرده لولعي في القانون الدولي، والرغبة الأكيدة في معرفة حقوقنا والدفاع عنها إذا لزم الأمر في يوم من الأيام، وأنا كشاب سوري أعي تماماً ما يواجهنا خارجياً وداخلياً، ولذلك جاءت رغبتي في دراسة الحقوق، حيث أثبت أنني قادر على الإبداع والتفوق، وفي سنتي الثانية حصلت على المركز الأول، وأتمنى المتابعة على نفس المنوال في باقي السنوات، علماً أنني لم أعد تقديم أي مادة في الفرعين».

تزوج "علاء" من الفتاة التي يحبها، وسكن في منزل والديه، ونظم حياته بطريقة عجيبة من خلال الوظيفة التي تساعده على الاستمرار، حيث يعمل في المخبز الآلي لمدينة "شهبا"، ويقول: «أعمل في المخبز لما يتطلبه الواقع الحالي الذي نعيشه من مصاريف باهظة، فنظمت وقتي بين العمل والدراسة، واكتشفت طاقات كامنة في نفسي، ولا أدعي عدم التعب والإرهاق، إلا أنني مصمم على المتابعة وتحقيق أحلامي مهما بلغ التعب».

"مديحة عربي" طالبة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الفلسفة في جامعة "دمشق" الثانية الكائنة في "عريقة"، تحدثت عما تعرفه عن الطالب "علاء بو زين الدين" بالقول: «يعد من أميز الطلاب المتواجدين في الجامعة، ويعده الدكاترة أستاذاً مساعداً، وفي أغلب الأحيان يقوم بدور المدرس في القاعة، ويعد مثالاً للطالب القوي وصاحب الإرادة الصلبة، يعرف ما يريد، دائم البحث والمطالعة، ولا يعتمد في دراسته على المنهاج أو المحاضرات، وتجده دائماً في المراكز الثقافية أو معارض الكتب يبحث عن المراجع والكتب الفلسفية الجديدة، وأغلب الطلاب ينادونه بالدكتور الصغير».

وفي اتصال هاتفي مع الدكتور "ياسر مراد" مدرّس في كلية العلوم الإنسانية قسم الفلسفة، أوضح عما يعرفه عن الطالب "علاء" بالقول: «لا أعرف معدله بالضبط، ولكنه دائم السؤال والبحث والمجادلة، وأبحاثه تنطوي على طالب مجتهد يرغب بالتعلم والوصول إلى مطارح بعيدة، والأهم من كل ما سبق ثقته العالية بالنفس، وهو ما يجعله يصل إلى ما يريد على الرغم من كل الضغوطات التي تحيق به».