ربما لم يكن د."طه حسين" الوحيد الذي جلس على أعمدة الجامع الأزهر ليسنده ثم يصبح من أعمدة الأدب العربي بل عميد الأدب العربي بلا منازع في القرن الماضي، وبنفس الآفة المرضية التي أصيب بها الدكتور "طه حسين" فقد وقعت بها الآنسة "ريما مسعود" فبدأت بمحو الأمية حتى وصلت إلى أن تدافع وعلى مدرج كلية الآداب- قسم اللغة العربية بجامعة "دمشق" لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي برسالة أعدتها بعنوان "الحيوان في شعر البحتري ودلالته الاجتماعية والرمزية".

من لجنة التحكم الأستاذ الدكتور "عبد اللطيف عمران" أستاذ الأدب العباسي قال: «نحن نعرف الطالبة منذ زمن فقد عرفت بأنها طالبة علم وصبور وتصطاد المعلومة وتجهد نفسها بكثير من المعارف في الأدب والمعرفة».

صممت ونالت بإرادتها وتصميمها ما تريد ودموعي هي الفرح والشجن ليس أكثر

والأستاذ الدكتور "حسن الأحمد" أستاذ الأدب الجاهلي تحدث: «البحث طريف والباحثة جادة وقادرة على البحث ومتحدية البحث والتحدي سواء باختيارها عنوان البحث الشائك الصعب "الحيوان في شعر البحتري" أو مكانته، البحث له ايجابيات وحمل البحث جهداً كبيراً وواسعاً وهو يتطلب إلى العديد من المراجع فهي بحق قدمت عملاً يستحق التقدير».

الأساتذة لجنة التحكيم

أما رئيس اللجنة والمشرف على الطالبة الأستاذ الدكتور "خالد الحلبوني" فتحدث لموقع eSyria بتاريخ 11/8/2008 قائلاً: «في الحقيقة تعد هذه الدراسة من الدراسات المهمة لأن دراسة توظيف الحيوان في الأدب ليس من الموضوعات المألوفة والمطروقة بكثرة من قبل الدارسين والباحثين والمهتمين في شؤون الأدب وتنبع أهمية هذه الدراسة باعتقادي من أن ثمة صفات مشتركة بين الإنسان والحيوان حسية ومعنوية كالشجاعة والمكر والوفاء والغدر والحسن والجمال وغيرها من هذه المفردات وصحيح أن الحيوان عنصر بيئي إلا أن دراسة الحيوان تختلف عن غيرها من العناصر البيئية الأخرى فنحن مثلاً عندما ندرس الصحراء أو المطر إنما ندرس عنصراً واحداً من العناصر البيئية، ولكن حين ندرس الحيوان فإننا ندرس جنساً ينضوي تحته عشرات الأنواع ولكل نوعٍ منها معانٍ ودلالات تستلزم الوقوف عليها وبذلك يمكن للمبدع أن يحمل الحيوان عشرات الرموز ودلالات، والتي يمكن له أن يتوارى خلفها بقصد الغمز أو الإصلاح، ولحيوان ماثلاً في المعتقدات والأساطير والسير والشعر والنثر والأمثال وغيرها، والتعبير عن طريق الحيوان هو أحد الأساليب الفنية التي اتكأ عليها الشعراء والأدباء قديماً وحديثاً، ليغنوا إبداعاتهم أو ليكشفوا عن معانٍ ومرانٍ متخذين منه ستاراً يتخفون وراءه، أيضاً تأتي أهمية هذا البحث لأننا ندرس شاعر الدولة العباسية في القرن الثالث الهجري الذي اتصل بالخلفاء والأمراء وقادة الجند أنه "البحتري"».

وعن سؤال حول عمل الطالبة "ريما مسعود" أجاب قائلاً: «باحثة أنعم الله عليها بنور الإبصار إذ حجب عنها نور الأبصار اختباراً من لدنه عز وجل، فكانت تمثل طالب العلم الحقيقي وهي لعمري كما قال بشار بن برد عندما تحدث عن نفسه فقال:

الأستاذ المشرف الدكتور خالد الحلبوني

عميتُ جنيناً والذكاءُ من العمى/ فجئتُ عجيبَ الظنِ للعلم ِ موئلا

إلا أن الفارق بينهما كبير فبشار كان معتداً بنفسه حاقداً على مجتمعه كارهاً له لذلك لم يحسن التعامل مع هذه الآفة التي ابتلي بها، فبدلاً من أن تكون مصدراً لحب الناس إياه وعطفهم عليه ورفقهم به، عادت عليه بالبؤس والنقمة والسخط، أما الباحثة أو الطالبة "ريما مسعود" فكانت تمثل عكس هذا الكلام تماماً فهي وبصدق مثال الطالب العلم الحقيقي الذي لا يكل ولا يمل كانت تعمل ليل نهار طوال فترة السنوات الأربع، ولم يكن هذا الأمر أو "الآفة" عائقاً أمام التحصيل العلمي لأن إرادتها قوية وعزمها متين وتصميمها ماضٍ كحدِ السيف».

والد الباحثة الشيخ إبراهيم مسعود

وعن سؤال حول أهمية البحث تحدثت الطالبة "ريما مسعود" قائلة: «لقد اعتمدت في دراستي على مصادر في مقدّمتها: "ديوانُ البحْتُرِيّ"، تحقيق حسن كامل الصَّيرفيّ، وعددٌ من الكتب الّتي تضمّنت التّعريف بالحيوان وتوظيفه تصريحاً أو تلميحاً، ومن أهمّها: "القرآن الكريم"، وكتب الحديث الشّريف، وكتب الأمثال، ودواوين الشّعراء، ومعاجم اللّغة، فضلاً عن "حياة الحيوان الكبرى" لـ"كمال الدّين الدّميريّ"، و"الحيوان" لـ"الجاحظ"، و"الرّموز في"الفنّ-الأديان- الحياة" لـ"فيليب سيرنج"، والدّراسة مقسمةً إلى مقدمة وخمسة فصول وخاتمة.

تناولتُ في الفصل الأوّل منها الحيوانَ وعلاقته بالواقع المعيش، فبنيْتُهُ على ثلاثة مباحث، تحدّثتُ في المبحث الأوّل عن العلاقة الجدليّة القائمة بين الحيوان والبيئة، وأشرتُ في المبحث الثّاني إلى جهود العلماء في دراسة الحيوان عبر العصور، ثُمَّ بسطتُ القَولَ في أثر الإنسان في حياة الحيوان وموقفه منه، وأدرْتُ الحديث في المبحث الثّالث على صورة الحيوان في القرآن الكريم، فتحدّثتُ عن العلاقة الّتي تربط الإنسان بالحيوان، وعن تاريخ هذه العلاقة كما بيَّنها القرآن الكريم، وقد خَلُصت في هذا الفصل إلى أنّ الحيوان عنصرٌ فاعلٌ في البيئة المحيطة، يؤثِّر فيها، ويتأثَّر بها، وأنَّ هذه العلاقة الفاعلة بين البيئة والحيوان والقائمة على أساس التَّأثّر والتَّأثير قد تكون إيجابيَّةً أو سلبيّةً، وأنَّ للحيوان وسائلَه وأساليبَه الخاصّة الّتي يتكيَّف بها مع الوسط المحيط؛ ليضمنَ أمنه وسلامته، ولذلك أهميّةٌ واضحةٌ في النِّتاج الأدبيّ، فالشِّعر ابنُ بيئته، والتَّغيُّر النّاشئ من العلاقة التَّفاعليّة القائمة بين الحيوان والبيئة سيؤدّي بوجهٍ من الوجوه إلى ظهور فروقاتٍ في الشّعر تختلف باختلاف البيئة الّتي أنتجته، ودرسْتُ في الفصل الثّاني الثّقافةَ الّتي يمكن أن يكون البُحْتُرِيّ قد صدر عنها في توظيفه الحيوانَ، فالتزمتُ البحثَ في الحيوانات الّتي تضمّنها شعرُ البُحْتُرِيّ، ورتَّبْتُها ترتيباً ألفَبائيّاً، ووقفتُ في كلّ واحدٍ منها على عددٍ من المستويات: اللّغويّ، والأمميّ، والدّينيّ، والثّقافة العربيّة القديمة، وميّزْتُ في الثّقافة العربيّة بين الشِّعر وبين كتب الأدب العامّ، وقد انتهيت في هذا الفصل إلى أن صورة بعض الحيوانات في الثَّقافة العربيّة القديمة كانت متطابقةً في دلالتها هي وما أُثِر عن بعض الأمم كالأَسَد، على حينَ جاء بعضُها مغايراً لما وجدْتُه في الثّقافات الأخرى مغايرةً جزئيّةً كالغنم، أو كليّةً كالعنقاء، وقد ألفيت أيضاً أنَّ بعض الدّلالات الّتي علقت بالحيوان كانت مستمدّةً من واقع الحياة المعيشة لهذا الحيوان أو ذاك كالحِرْباء والظّباء، وأنَّ بعضها الآخر كان يرجع إلى تصوُّراتٍ وأوهامٍ، تحوَّلت فيما بعد إلى معتقداتٍ تناقلها القوم، وتواضعوا عليها كالبوم والغراب، ثُمَّ انتقلتُ بعد ذلك إلى الدّراسة التّطبيقيّة في شعر البُحْتُرِيّ، فعرضْتُ في الفصل الثّالث كيف وظّفَ البُحْتُرِيُّ الحيوانَ في الموضوعات الشّعريّة، وبيّنتُ أهمَّ المعاني الّتي استطاع البُحْتُرِيُّ بالتّوكُّؤ على الحيوان أن يعبِّر عنها في كلّ واحدٍ من هذه الموضوعات، وقد وجدت في هذا الفصل أن التّكسّب هو العامل الأبرز الّذي وقف وراء عدد غير قليل من القصائد الشّعريّة لدى البحتريّ، وقد تجلى هذا الأمر فضلاً عن موضوعي المدح والهجاء في موضوع الرّثاء، فقد كان رثاؤه مرتبطاً بالتكسب بوجه من الوجوه، فهو يخاطب برثائه مَنْ يجزل له العطاء، ويجود عليه باللُّهى، ولعلَّ سكوت البُحْتُرِيّ عن رثاء (الفَتْح بن خَاقَان) الّذي قرَّبه، وأحسن مثواه، وأجزل له العطاء يؤكِّد صدق ما ذهبْتُ إليه، وقد أدرت الحديث في الفصل الرّابع على أهمّ الدّلالات الّتي كشف عنها توظيفُ البُحْتُرِيّ الحيوانَ في الموضوعات الشّعريّة, وقد جعلت هذا الفصل في أربعة مباحث، عرَضْتُ في المبحث الأوّل أهمّ المظاهر السّياسيّة والاجتماعيّة الّتي سادت الدّولة العبّاسيّة في القرن الثّالث الهجريّ، و تناولت الدّلالة النّفسيّة والاجتماعيّة والرّمزيّة، فدرستُ النّفسيّة على مستويين: التّعبيريّ، والتّأثيريّ، وعمدْتُ إلى دراسة الدّلالة الاجتماعيّة على مستويين أيضاً: الظّواهر الاجتماعيّة، والقيم الاجتماعيّة، أمّا الرّمزيّة فقد تناولْتُ فيها الرّموزَ الّتي شفَّ عنها توظيف كُلِّ حيوانٍ على حدةٍ، وقد رتّبتُ هذه الحيوانات ترتيباً ألفبائيّاً، وتوصلت في هذا الفصل إلى أنّ الرّموز والدّلالات الّتي حمَّلها البُحْتُرِيّ الحيوانَ المُستدعَى إلى شعره لم تكن دَّرِيئَةً يتخفّى خلفها؛ ليضمّن كلمات شعره رسائلَ إصلاحيَّةً تحمل في خفايا سطورها أبعاداً سياسيّةً واجتماعيّةً من شأنها أن تقوِّم ما اعوجَّ، وتُرشد من ضلَّ، وخصّصتُ الفصلَ الخامس لدراسة توظيف الحيوان في الصّورة الفنيّة عند البُحْتُرِيّ، فأدرتُ الحديث فيه على ثلاثة مباحث، تحدّثتُ عن أنماط الصّورة الفنيّة، فدرست الصّورة التّشبيهيّة و الاستعاريّة والكنائيّة، وعرضْتُ في المبحث الثّاني لأنواع الصّورة الفنيّة، فبيّنتُ المثيرات الحسّيّة المتّصلة بالحيوان الّذي كان له حضورٌ في رسم الصّورة الفنيّة عند البُحْتُرِيّ، فتحدّثتُ عن: المثيرات البصريّة، و السّمعيّة، و اللّمسيّة، والشّمّيّة، ثُمَّ انتقلتُ في المبحث الثّالث إلى الحديث عن الفضاء الزّمانيّ والمكانيّ، وبيّنتُ أثرَ الحيوان في إبرازهما، وقد بدا واضحاً في هذا الفصل أنّ الحيوان في الصورة الفنية عند البحتريّ قد تحول إلى أداةٍ تعينه على رسم صوره وتوضيحها، فهو في الأعمّ الأغلب مشبَّهٌ به أو مكنّىً به، وقلّما استخدم البُحْتُرِيُّ الحيوانَ لذاته إلا حينَ يستهديه، فنراه يفصّل في أوصافه».

الشيخ "إبراهيم مسعود" والد الطالبة تحدث بلغة دموع الفرح قائلاً: «صممت ونالت بإرادتها وتصميمها ما تريد ودموعي هي الفرح والشجن ليس أكثر».

وفي نهاية الدفاع والمناقشة نالت الطالبة درجة الماجستير بدرجة امتياز بعلامة 90 علامة.